أصدر مركز الفتوي الالكترونية بالأزهر الشريف ردا أعده أحد شباب المركز يرد فيه علي فتوي سعد هلالى التى تؤيد ما قامت به تونس من المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث، وجاء الرد كالآتى:
بداية ليس من سلطتنا أن نحكم على نوايا الناس ولا أن نستنبط من خيالنا أسباب من أجلها قال الدكتور سعد الدين الهلالي هذا الكلام عن أحكام المواريث، وما يعنينا هنا هو كلامه وليس شخصه ولا نيته من باب أولى.
وكلام الدكتور يظهر عليه التخبط والتناقض، كما نعيب عليه أنه يُدخل في العلم ماليس منه وإنما يتكلم كلاما غريبا يظهر –لغير المتخصص- بأنه يقعد القواعد لكلامه وكأن الكلام هذا من أبجديات العلم!.
ولو أردنا أن ننظر إلى كلامه نظرة ً علمية بعيدة عن العاطفة (مع أن كلامه لا يوجد ميزان علمي نحتكم إليه لآنه كلام متناقض خارج عن العلم أصلا) لوجدنا أنه يحتوى على نقاط يجب تفصيلها بيانًا للصواب من الخطأ :
أولاً: بدأ المداخلة بقوله " إن الفتوي تختلف باختلاف الزمان والمكان والأوضاع"، "وأن الفقيه تتغير فتوته بناء على التغير الثقافي الذي يتعرض له الفقيه" ؟،ومع إنه مافيش فتوي بتتغير بالأوضاع وإنما المعروف أن الفتوي تتغير بالجهات الأربع" الزمان – المكان – الأشخاص- الأحوال" لكن لنفترض أن الرجل يقصد هذه الأربعة فأى أنواع الفتاوى التي تتغير أو القابلة للتغيير ؟!!.
والسؤال بطريقة آخرى هل كل الفتاوى تتغير بهذه العوامل ؟؟،الجواب : بالتأكيد لا ؛ معروف أن الأحكام القطعية لا تتغير بهذه العوامل :مثال" يعني لو واحد جه وقال أنه عنده مشكله في العمود الفقرى ولا يستطيع الصلاة " هل بهذا تسقط عنه؟؟! قطعا لا، لآن وجوب الصلاة لا يخضع للأحوال.
إذا الأحكام التي تتغير بتغير الأحوال والأشخاص والزمان والمكان هي الأحكام المبنية على الأعراف والعادات، والأحكام الاجتهادية التي استنبطت بدليل القياس أو المصالح المرسلة أو الاستحسان أو غيرها من الأدلة الفرعية.
أما الأحكام التي لا تبنى على الأعراف والعوائد، والأحكام الأساسية النصية بالأمر أو النهي، فإنها لا تتغير بتغير الأزمان، ولا بتغير الأماكن، ولا بتغير الناس، كوجوب الصلاة والصيام والزكاة والجهاد والأمانة والصدق ...إلخ.
ثم هناك أمر آخر لابد من معرفته وهو أن هناك فرق بين الحكم الشرعى والفتوي؛ فالحكم الشرعى كما هو عند علماء الأصول" خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع" فالحكم الشرعى خطاب الله ، أما الفتوى فخطاب المفتى الذي يستند إلى دليل (الإخبار بالحكم الشرعي مع المعرفة بدليله)، فقد يخطئ المفتى في إصداره للحكم نظرا لعدم فهم الدليل أو لغيابه عنه، فضلاً عن أن الحكم الشرعي ثابت، والفتوى متغيرة.
وأحكام الميراث ليست من قبيل الفتوى وإنما من باب الأحكام الشرعية فلا يدخلها التغيير والتدبديل لاباختلاف الأحوال ولا الأشخاص ولا الزمان ولا المكان.
ثانيا: سأله المذيع " هل هناك أحد من العلماء قال بالمساواة بين الرجل والمرأة"، فرد الرجل: نعم، علماء تونس ثم أوضح المذيع السؤال أكثر " أقصد الفقهاء، العلماء السابقين"؟ فأرغى الرجل وأزبد ثم تقيأ علينا تقيُأ المريض، قال إن العلماء قالوا قديما بأن شهادة المرأة على نصف الرجل والآن شهادة المرأة تساوى شهادة الرجل، ولبس الكرافته(رابطة العنق) كان حراما والآن أصبح حلالا " !!.
انظر لما وقع الرجل في حيص بيص كيف تخبط، ولمّا لم يجد من العلماء من قال بمثل هذا الشذوذ اخترع علماء وقال على ألسنتهم مالم يقولوه، ثم من من علماء تونس – المعتبرين- من قال بأن هذا صحيح أو جائز ؟!.
أيضا يامعالى الدكتور ألم تقل إن الفتوي تتغير بتغير المكان ، لماذا تريد أن تسحب حكم من تونس إلى مكان آخر(على فرض أن هذه فتوي أو حتى صحيحه –على حد كلامه) مع أن المذيع نبه على أن رجال السياسة هم من قال ذلك وليس علماء الدين.
أيضا هل لو أن علماء تونس – على فرض أنهم قالوا بهذا- قالوا بحكم معين هل هذا يلزم الأمة أن تأخذ به ؟! يعنى لو اتفق علماء تونس على أن الخمر حلال، هل تتبعهم الأمة على ذلك؟؟!!.
ثم انظر –هدانا الله وإياه- كيف خرج الرجل بالحوار بعيدا عن محل النزاع، فخرج إلى موضوع الشهادة الذي ساوي القرآن بين المرأة والرجل فيه في بعض المواطن، ومن ذلك ما ورد فى شأن (اللعان)، ثم هناك فرق بين (الشهادة) و(الإشهاد)-وهذا موضوع يطول بيانه ليس هنا موضوعه
.
كما إنه لما ضرب مثالا لهذا ب(رابطة العنق ) فإن هذا خلط وتعمية وتدليس، إذ كيف استحل الرجل لنفسه أن يساوي بين الميراث الوارد في القرآن بنصوص قطعية الثبوت والدلالة، وبين ارتداء رابطة العنق التي لم يأتي فيها نصوص ولا تخرج عن دائرة المباحات.
ثالثا: تفتق ذهن الدكتور عن قاعدة جوهرية مهمة بنى عليها أغلب كلامه فقال" هل الميراث حق أم واجب " ثم أجاب "بأنه حق " وليس بواجب كالصلاة والصيام" إذا لو اتفق الرجال على التنازل عن هذا الحق للنساء فلا شيء في ذلك؟
وهذا الكلام يحسبه –غير المتخصص- علما وما هو بعلم إن يريدون إلا تدليسا، فلقد بحثت -فيما وقعت عليه يدي- من كتب الفقه والأصول فلم أجد هذه القاعدة الذهبية ، التي تقول :(إن الميراث حق وليس بواجب)–اللهم إلا كتب القانون فإنها تضمنت تفريقًا بين الحق والواجب بشكل عام وليس في الميراث -، ثم أليس الحق فيه ناحية من الوجوب؟، فمثلا : "راتبك حق لك نظير العمل " أليس معنى هذا: أن راتبك واجب لك على جهة عملك؟!!.
فإن قيل نعم هو واجب، لكننى يمكنني التنازل عنه ، قلت نعم ولكن تنازلك عنه لا يسقط هذا الحق لجميع الموظفين، بل إن تنازل كل موظفي شركة معينة عن رواتبهم ثم أصر موظف على أن يأخذ راتبه فتنازلهم لا يسقط حق هذا الموظف الواحد ، ولا يلغي بالضرورة حقوق الموظفين المادية فيما يستقبل من الزمان، ثم هذا التنازل يكون بمحض الإرادة لا يكون بقانون يجبر الناس على التخلي عن حقوقهم، فإن كان هناك إجبار لأحد فلا يسمي تنازلا وإنما يسمى اغتصابا للحقوق، أو أكل أموال الناس بالباطل.
نعم يجوز للرجل أن يتنازل عن جزء من التركة أو حتى عن التركة كلها، ولكن هذا لا يسقط حقوق الباقى ولا يتحول هذا التنازل بالضرورة لقانون نلزم به جميع الناس.
رابعا : سأله المذيع "الآن يوجد دعوات تنادي بالتعدد للنساء أيضا(يعني تتزوج المرأة أكثر من رجل) مساواةً بالرجل" فهل تقبل قياسا على ماقررته فضيلتك من جواز المساواة في الميراث؟؟.
فتهته معاليه بلهجته المعروفة، ثم طار إلى موضوع آخر فرد قائلا : هذه افتراضات أوصياء الدين ، فقاطعه المذيع قائلا :
لا يافندم دي فعلا دعوات في المجتمع التونسي موجوده، فتهته سيادته مرة أخري وقال هذه افتراضات أوصياء الدين الذين يريدون أن يظلوا على صدورنا، حتى المجتمعات المُنحلة الآن (يقصد سيادته الدول الغربيه) لا يوجد فيها مثل هذه النداءات – أو قال كلاما نحو هذا-.
وأنا لا أعلم ما هو المعيار الذي قبل عليه فضيلته المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث، ثم هو اعترض على المساواة بينهما في الزواج، ثم ياسيدي أنت تقول لا يوجد، لو وجد -فرضا- لو تقدم أحد الآن بمشروع قانون للمساواة بين المرأة والرجل في الزواج، ستكون بين أمرين: الأول الرفض التام، وبناء على ذلك، لم تتحقق المساواة التي تنشد وكانت المساواة في الميراث وكلامك عنها مجاملة منك للحكومة التونسية أو العلمانيين ليس إلا .
أو الموافقة، وإصدار قانون يلزم المرأة بالتعدد كما تريد أن يتم في عملية الميراث!!،وبعد فإن ماتم عرضه من أفكار من قِبل الدكتور سعد الدين الهلالى، لا ترقى إلى درجة العلم من قريب أو بعيد ولا حتى الاجتهاد الذي يُثاب عليه صاحبه، وإنما هي وجهة نظره الشخصية ، أو تلاعب وتدليس وكذب على الدين والعلم.
عدد الردود 0
بواسطة:
mido
بارك الله فى الكاتب والناقل
بارك الله فيكم على بيان الحق
عدد الردود 0
بواسطة:
عُقيل
المساواة هي روح الشريعة
أتفق تماما مع المفكّر (الوصفُ مقصودٌ ومع التشديد) سعد الدين الهلالي فيما ذهب إليه وهو يذكّرني بالمصلح التونسي محمد بيرم الخامس الذي كان يدعو إلى إلغاء الرق في تونس منذ أكثر من 170 سنة بقوله "إن الأصل في الإنسان هو الحرية وان الرّقّ عارض". وقد أثبت التاريخ أنه على صواب، وها نحن نواصل اليوم المسيرة على أساس أن الأصل في الإنسان هو المساواة في الحقوق وأن جميع أشكال التفاوت فيها عارضة. وأختلف تماما مع بيان مركز الفتوي الالكترونية بالأزهر الشريف، وأذكّر ’’الشاب‘‘ الذي أصدره بأن الفتوى تختلف فعلا باختلاف الزمان والمكان، وإلا لما كان لها داع أو معنى. وبأن رجال الدين أفتوا في وقت ما بأن ’’العبد الآبق لا تُقبل صلاته وأن الملائكة تظل تلعنه حتى يعود إلى سيّده‘‘. تراجعوا وغيروا فتواهم لما تغير الزمان ولم يعد الرق ممارسة مقبولة. وقائمة المسائل التي غيّر فيها رجال الدين فتاواهم تطول، ومنها التراجع في معارضتهم للتشريح، بدعوى حرمة الجسم البشري، ومعارضتهم لاستيراد الطابعات، خوفا من تحريف القرآن، ومعارضتهم لإلغاء الرق، وتعليم الفتيات، وخروج المرأة للعمل، وغير ذلك. الإسلام لم يأت بالسبي، ولا بالرق، ولا بملك اليمين، ولا بتعدد الزوجات، ولا بالعقوبات الجسدية، ولا بأي شكل من أشكال التفاوت الاجتماعي (*). لقد وجدها قائمة في المجتمع فقنّنها، ووحد ممارساتها المختلفة، ودعا إلى الترفّع عنها.واليوم وقد تغيرت الظروف الاجتماعية، فمن الطبيعي أن تزول تلك الممارسات بعد أن زالت أسبابها وانتفت الحاجة إليها. (*) ’’للذكر مثل حظ الأنثيين‘‘ قاعدة سبقت الإسلام. (يرجى الرجوع إلى جواد علي: ’’المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام‘‘، الجزء الخامس؛ ومحمد بن حبيب: ’’كتاب المحبر"، الصفحة 326.