هى الأسيرة الجميلة إسراء جعابيص، المرأة المفعمة بالنشاط والعطاء التى خرجت من بيتها المؤقت فى أريحا متجهة إلى القدس فى رحلة معتادة، حيث مسقط رأسها وأحلامها المستقبلية، خدعتها نسمات الهواء بصباح مشرق، فلم تكن تعلم أن 11 أكتوبر 2015 هو يومها الأسود فى الحياة.
فى ثوانٍ قليلة تحولت إسراء من فتاة عادية ذات أحلام صغيرة إلى قصة معاناة طويلة، تلفها آهات وجع جسدية وقيود سجن أبدية، والسبب عطل فى سيارتها من الداخل، صادف حظها العاثر أن يكون بالقرب من حاجز عسكرى ظالم على طريق أريحا / القدس، ففقدت السيارة توازنها وبدأت تحترق من الداخل واحترق معها ثلاثون عاماً من الأحلام لفتاة بسيطة!
الوجع أوجاع، وجع الحروق التى أكلت جمال الوجه والجسم وأطاحت بأصابع اليدين وشعر الرأس دون رحمة ووجع الاتهام الباطل باستهداف جنود الحاجز العسكرى والحكم المشين بالسجن 11 عاما فى سجون الاحتلال ووجع النظر للمرآة يومياًّ وقلة الحيلة والحال، أما الكلام فسهل يوجز فى سطرين، بينما عند إسراء فالمعاناة لا تنتهى والألم أصبح مسيرة العمر مع كل لحظة تمر فى ظل الإهمال الطبى الذى تواجهه من مصلحة السجون الإسرائيلية .
إسراء التى تقبع اليوم فى سجن الدامون أم لطفل جميل اسمه معتصم يبلغ من العمر عشر سنوات، وبمناسبة اليوم العالمى للعنف ضد المرأة، أبت إدارة سجن الاحتلال إلا أن تضغط بأصابعها القذرة على أوجاع إسراء أكثر لتزداد صرخاتها وآهاتها فهل من سامع مجيب؟؟ أم أن صرخاتها ترتد إليها فلا يسمعها إلا آذانها الملتصقة برأسها بفعل النيران .
تم منع معتصم من زيارة والدته بحجة عدم امتلاك هوية تثبت أنه ولدها، والده من الضفة الغربية وأمه من القدس، فحدث ولا حرج عن معاناة لم الشمل التى يعانيها الفلسطينيون بسبب السياسات الاسرائيلية ولأن أم المعتصم تجرّأت وتوجّعت واحترقت، فلا يحق لمعتصم اليوم أن يطالب بهوية القدس آه يا إسراء من وجع آخر يضاعف كومة الأوجاع التى تعانيها .
معاناة أخرى لا تضاهى بالطبع أوجاع إسراء، ولكنها قصة تشبه آلاف الشباب الفلسطينى والعربى، أشعلت مواقع التواصل الاجتماعى فى الأيام السابقة، بطلها سامر خويرة من نابلس، الصحفى بقناة القدس التى تم إغلاق مكاتبها من قبل الاحتلال، فبات سامر عاطلاً عن العمل لمدة عام كامل طرق فيه أبواباً عديدة للحصول على وظيفة ولا فائدة، ليتخذ فى النهاية قراراً بالهجرة من البلد، وينشر فيديو على صفحته على الفيس بوك يوثق فيه أسباب قراره الأليم: لا وظيفة ولا شفافية ولا معيار للكفاءة والمهنية ولا كرامة أيضاً..وبحسب سامر وطنه يقع حيث كرامته!!
لست من المزاودين فى سرد شعارات الوطنية وأخلاقها أو المتشدقين بعبارات حب الوطن الكئيب القاسى وأعى أن ظلم أولى القربى أشد قسوة وأن كرامة الانسان من كرامة الوطن ولكن من قال أن الوطن هو كرامة فحسب؟ وأى غربة تلك التى تهب الكرامة ؟ انها كرامة مشروطة مؤقتة تمتص شبابك وعطاءك وتبقيك رهن التقلبات السياسية، وتقذف بك فى خريف العمر/ إن استطعت البقاء/ تحمل تعب السنين وتعود تبحث عما تبقى من كرامتك وكينونتك! اترك البلد يا سامر وتذكر أن تحدثنا كيف إن فقدت معنى أن تكون بالوطن.. فكيف يمكن أن تكون بلا وطن..