يراهن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب على الحفاظ على الأغلبية الجمهورية خلال انتخابات التجديد النصفى، والمقررة غدا الثلاثاء، وذلك على اعتبار أن الانتصار الانتخابى يمثل فارقة مهمة فى التاريخ الأمريكى باعتباره، فى حالة تحقيق هدفه، سيكون الرئيس الأول منذ عقود الذى يتمكن من الحفاظ على سيطرته على السلطتين التنفيذية والتشريعية فى آن واحد، خلال مدته الرئاسية بالكامل، إلا أن أهداف ترامب وراء مسعاه الحالى تتجاوز التاريخ، حيث أنه يحاول مواصلة الطريق الذى اتخذه تجاه العديد من القضايا، سواء الدولية أو المتعلقة بالداخل الأمريكى، دون عوائق ربما يضعها أمامه خصومه الديمقراطيين حال فوزهم فى الانتخابات المقبلة.
وتمثل إدارة العلاقة مع الخصوم الدوليين أحد أهم القضايا الرئيسية التى تمثل أولوية قصوى لدى الرئيس الأمريكى بعد مرحلة التجديد النصفى، فى ظل التطور الكبير الذى شهدته العلاقات الأمريكية مع عدد من القوى التى طالما نظر إليها لسنوات باعتبارها خصوم للولايات المتحدة، وعلى رأسهم روسيا والصين منذ وصوله إلى البيت الأبيض فى يناير من العام الماضى، بالرغم من تأرجحها، جراء الخلافات التى تثور بين الحين والآخر.
نهج جديد.. ترامب يلجأ لدبلوماسية الاحتواء تجاه خصومه
إلا أن إدارة ترامب على ما يبدو اتخذت قرارها منذ البداية نحو تبنى أسلوب جديد فى العلاقة مع الخصوم التاريخيين، يقوم فى الأساس على محاولة احتوائهم والتعاون معهم، وهو الأمر الذى يبدو واضحا مع روسيا والصين، حيث حرص الرئيس الأمريكى على مغازلة نظيره الروسى فى العديد من الخطابات التى ألقاها منذ حملته الانتخابية فى أسلوب يبدو جديدا للغاية على السياسة الأمريكية منذ انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتى، بينما حرص على زيارة بكين ضمن جولة آسيوية، فى انعكاس صريح لرغبته فى التعاون معها رغم الخلافات التجارية الكبيرة، والتى أنذرت بعد ذلك باحتمالات اندلاع حرب تجارية قد تأكل الأخضر واليابس.
ترامب وبوتين
النهج الأمريكى الجديد يمثل انعكاسا صريحا لإدراك الرئيس ترامب بأن القوى المناوئة للولايات المتحدة أصبحت فاعلة على الأرض، وبالتالى فأن العمل على التعاون معهم يبقى السبيل الوحيد لبقاء الدور الأمريكى، سواء فى الشرق الأوسط، بعدما تمكنت روسيا من مزاحمة الدور الأمريكى، أو فى آسيا، بعدما أصبح التقدم فى الملف الكورى الشمالى مرهونا إلى حد كبير بدور الصين باعتبارها أحد أكبر القوى الإقليمية فى المنطقة، خاصة فى ظل حالة الانقسام التى ضربت حلفاء أمريكا فى القارة الصفراء، وعلى رأسها كوريا الجنوبية واليابان على خلفية تطور المحادثات الحالية مع بيونج يانج.
اعتبارات انتخابية.. تصعيد أمريكى لدحض دعاية الديمقراطيين
وعلى الرغم من أن العلاقات الأمريكية مع كلا من روسيا والصين شهدت توترا ملحوظا فى الأيام الماضية، على خلفية القرار الأمريكى بالانسحاب من معاهدة الصواريخ القصيرة ومتوسطة المدى، والتى عقدتها الولايات المتحدة مع الاتحاد السوفيتى فى السنوات الأخيرة من الحرب الباردة، بالإضافة إلى الحرب التجارية مع الصين، إلا أن الأمور ربما لا تسير فى نفس الاتجاه بعد انتخابات التجديد النصفى المرتقبة، خاصة إذا ما أخذنا فى الاعتبار الكيفية التى تعامل بها ترامب مع خصومه منذ بداية حقبته، والتى شهدت توددا أمريكيا واضحا تجاههما.
ترامب وشى جين بينج
وبالتالى فربما يأتى التصعيد الأمريكى الأخير تجاه خصوم بلاده التاريخيين لاعتبارات انتخابية أكثر منها نوايا حقيقية فى تغيير النهج نحو استعدائهم، خاصة وأن الرئيس الأمريكى واجه انتقادات كبيرة من خصومه الديمقراطيين فى الأشهر الماضية، والتى وصلت إلى حد الاتهام بالعمالة والخيانة، خاصة بعد انتقاده الصريح للمؤسسات الأمريكية، فى التوتر الكبير الذى شهدته العلاقات الأمريكية الروسية، خلال الحقب السابقة، وعلى رأسها خلال عهد الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما، والذى يمثل، من وجهة نظر ترامب، السبب الرئيسى فى تراجع نفوذ الولايات المتحدة لصالح خصومها خاصة فى منطقة الشرق الأوسط، بسبب سياسته التى قامت على مهادنة الإرهاب.
دبلوماسية ترامب تنتصر.. روسيا والصين يتخليان عن إيران
ولعل الحديث عن انعقاد قمتين قريبتين، بعد الانتهاء من انتخابات التجديد النصفى فى الولايات المتحدة، أحدهما مع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين بالعاصمة الفرنسية باريس، خلال الشهر الجارى، وأخرى مع نظيره الصينى شى جين بينج، على هامش مجموعة العشرين، والمقرر انعقادها فى العاصمة الأرجنتينية بيونس آيرس فى أواخر هذا الشهر، يمثل انعكاسا صريحا فى رغبة الإدارة الحالية على مواصلة سياسة الاحتواء تجاه خصوم أمريكا من أجل تحقيق غاياتها السياسية فى العديد من القضايا الدولية عبر التركيز على المصالح المشتركة.
ويعد الموقف الصينى والروسى الهادئ من العقوبات الأمريكية الجديدة دليلا دامغا على استمرار التنسيق بين أمريكا وخصومها التاريخيين، خاصة وأن كلا البلدين اعتمدتا فى ردودهما على التحرك الأمريكى على مجرد التصريحات، بينما تركت قرار الاستجابة الفعلى للعقوبات بيد شركاتها العاملة فى الأسواق الإيرانية، وهو ما بدا واضحا فى القرار الذى اتخذته عدة شركات صينية بالانسحاب من السوق الإيرانية، وهو ما يمثل ضربة قوية للاقتصاد الإيرانى المترنح، خاصة وأن بكين كانت بمثابة أحد أهم الأوراق التى طالما اعتمدت عليها طهران لعقود طويلة من الزمن لمجابهة العقوبات الأمريكية، وبالتالى فكانت القرارات الأخيرة التى اتخذتها موسكو وبكين ليست كافية إلى حد كبير لإنقاذ طهران أو السماح لها بمواصلة خطابها المتعنت تجاه المطالب الأمريكية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة