يتذكر الدكتور يحيى الجمل، أستاذ القانون والوزير والكاتب الراحل،أن أحمد خواجة نقيب المحامين لدورات بدأت من عام 1968 حتى رحيله فى 22 نوفمبر 1996، قال له إنه كان تلميذا فى مدرسة «الناصرية الابتدائية»، وكان الدكتور إسماعيل صبرى عبدالله يسبقه فيها أيضا، وكان أستاذ اللغة العربية بالمدرسة يضرب لهم مثلا بالجملة الخبرية قائلا: «إسماعيل صبرى طالب عبقرى».. يضيف الجمل فى مقاله «إسماعيل صبرى عبدالله.. بضعة من مصر»- «الأهرام 9 نوفمبر 2006»: «إلى هذا المدى كان الفقيد العظيم،وظل هكذا فى كل أطوار حياته،وعندما دخل كلية الحقوق بجامعة القاهرة كان مثالا للطالب المتميز،كان أول دفعته باستمرار،وأحيانا كان يتقاسم الأول مع المرحوم الدكتور شمس الدين الوكيل».
هذا النبوغ المبكر لم يفارق «عبدالله» حتى رحيله يوم 6 نوفمبر «مثل هذا اليوم 2006»، عن عمر يناهز الـ83 عاما «مواليد 25 ديسمبر 1923»، تميز فيها بالتزاوج بين عمق وفصاحة وموسوعية المفكر، وبين التمرد الذى قاده إلى اعتناق الماركسية فكرا وحركة من شبابه المبكر كخلاص من القهر والعبودية للشعوب.
هو ابن أصول صعيدية ترجع إلى مركز ملوى فى محافظة المنيا وولد عام 1923، ووالده كان من أعيان الصعيد، وسافر إلى فرنسا عام 1946 فى بعثة لدراسة الدكتوراه فى الاقتصاد السياسى، ويكشف صلاح عيسى فى كتابه «شخصيات لها العجب» أنه أثناء دراسته فى فرنسا تلاقت أفكاره مع اثنين من زملائه المبعوثين من جامعة الإسكندرية هما فؤاد مرسى لدارسة الاقتصاد، ومصطفى صفوان لدراسة الفلسفة، واتصل الثلاثة بالحزب الشيوعى الفرنسى وطلبوا الانضمام إلى عضويته باعتبارهم شيوعيين، وأتاح لهم هذا استكمال معرفتهم النظرية، وخبراتهم التنظيمية والحركية.. يؤكد عيسى أن «مرسى» كان أول من أنهى دراسته من الثلاثة وحصل على الدكتوراه، فاجتمعوا عشية سفره إلى مصر ليحددوا الدور الذى سينشطون على أساسه بعد عودتهم، وانتهت المناقشات إلى أن تكون حركتهم فى اتجاهين.. الأول: محاولة توحيد الشيوعيين فى مصر فى حزب واحد وإعلان تكوينه..الثانى: أن يسير هذا الحزب فى اتجاه تحقيق الثورة الوطنية التى ليست فقط معادية للاستعمار، بل وساعية كذلك لتصفية بقايا الإقطاع التى تفتح الباب أيضا لتحقيق الثورة الاشتراكية، وحمل «عبدالله» الذى كان يمثلهم فى الاتصال بالحزب الشيوعى الفرنسى هذه الآراء إلى الحزب فوافقهم.
عاد «عبدالله» إلى مصر عام 1951، وأصبح أستاذا للاقتصاد بجامعة الإسكندرية، ثم انتقل إلى جامعة القاهرة عام 1954، وحسب سعد هجرس فى مقاله«إسماعيل صبرى عبدالله- فارس الفكر والثورة»: «نظرا لمواهبه، تم اختياره وهو فى ريعان الشباب مستشارا للشؤون الاقتصادية والمالية بمكتب رئيس الوزراء جمال عبدالناصر فى الفترة من 1954 إلى 1955، ثم مديرا للمؤسسة الاقتصادية بالمؤسسة الاقتصادية لدى إنشائها عام 1957».. وتوالت مناصبه بعد ذلك منها، فى«دار المعارف» و«مديرا لمعهد التخطيط عام 1969»، وتخلل ذلك دخوله المعتقل.
كانت علاقته مع جمال عبد الناصر انعكاسا للعلاقة التى ربطت عبدالناصر بالشيوعيين المصريين بمدها وجذرها، وشهدت سجنا وحرية، وتأييدا ومعارضة، فدخل السجن من 1959 حتى 1964، فى نفس الوقت كان أحد العقول الاقتصادية التى يستشيرها عبدالناصر، وحسب حوار له فى جريدة «البيان – الإمارات - 24 يوليو 2002»: «لم تكن بينى وبينه علاقة مباشرة لأننى لم أكن أعمل فى مكتبه،وأحيانا كان يطلب رأيى فى شىء فأقول، ورأيى فيه أنه كان إنسانا استثنائيا لا يتكرر».. هكذا لم يقيم عبدالناصر بنفسية المنتقم،وتصفية الحسابات،وبشيم العظماء لم يتاجر بما جرى له فى وقت كانت الأبواب مفتوحة لحصد الغنائم من الهجوم على عبد الناصر وتجربته.
وقف «عبدالله» فى خندق الدفاع عن الثورة وقائدها برؤية«الناقد المحب وليس الناقم الكاره».. يقول: «لا نستطيع أن نقول إن حكم عبدالناصر كان حكما ديمقراطيا، وفى نفس الوقت لا نستطيع أن نقول إنه كان حكما استبداديا شموليا».. يذكر الدكتور حازم الببلاوى، وكان أحد تلاميذه بجامعة القاهرة، أن الكاتب الصحفى اليسارى محمد سيد أحمد ذكر له بعض قصص التعذيب أثناء اعتقالهم،وأن إسماعيل كان يتحمل ذلك فى صمت وكبرياء، وأنه سأله مرة: ماذا سنفعل مع عبدالناصر بعد الخروج من المعتقل ورأينا ما رأيناه؟ فجاوب: «سنؤيده بالقطع لأنه يأخذ مواقف وطنية صلبة فى مواجهة قوى الاستعمار الخارجية».. يعلق الببلاوى: «هذا هو إسماعيل إمام المبادئ والقضايا الكبرى، فالوطن وهمومه أكبر من أية مكافأة أو عقوبة ينالها فرد».
اختاره السادات وزيرا للتخطيط عام 1974 حتى 1977، لكنه أصبح من أكبر معارضيه، وأسس مع خالد محيى الدين حزب التجمع عام 1977،وفى سنواته الأخيرة عكف على مشروع مستقبلى رائد من خلال «منتدى العالم الثالث» عن «استشراف مستقبل مصر فى عام 2020».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة