قبل نحو عام وبالتحديد فى 28 ديسمبر 2017، اندلعت احتجاجات فى إيران بدأت شرارتها فى مدينة مشهد الإيرانية، أطلق عليها اعلاميا "احتجاجات الفقراء" حيث خرج عددا كبيرا من الطبقة الفقيرة بعد أن لوحت حكومة روحانى برفع أسعار الوقود، وإبعاد 30 مليون من الدعم النقدى، وثاروا ضد الفقرء والغلاء المعيشى والوضع الاقتصادى المتردى والكساد وتفشى الفساد، اتسعت رقعتها لتشمل محافظات مختلفة، من طبقة كادحة كانت ترغب فى إيصال صوتها للنظام، واتخذت طابع سياسى بعد أن طالبت الدولة الإيرانية بالكف عن استنزاف أموال البلاد وانفاقها فى سوريا ولبنان واليمن وأطلق المحتجين شعارات مناهضة لهرم النظام (الولى الفقيه)، فى تلك الأثناء لم تكن العقوبات الأمريكية قد دخلت حيز التنفيذ بعد، لكن الغضب اجتاح الشارع الإيرانى.
ولم تهدأ الجماهير الإيرانية مع بداية يناير العام الجارى، ورغم أنها خفت فى منتصف الشهر نفسه لم يعرف الحراك الشعبى والمطالب الجماهير خطا للنهاية فى الأشهر التى تلتها خلال العام 2018، وبين الحين والأخر كانت تخرج تظاهرات فئوية، تارة لعمال وسائقو شاحنات وآخرى لمعلمين وأخرى فى الأهواز غرب إيران، وفى 24 يونيو 2018، وبعد شهر من انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووى وتوعده لطهران بعودة العمل بالعقوبات، ألقت القرارات الأمريكية بظلالها على الاقتصاد وسوق العملة الإيرانية، فتدهورت العملة المحلية (التومان) أمام الدولار وارتفعت الأسعار، فضرب الكساد البازار وأضرب رجالاته وعلقوا أنشطتهم التجارية وطوق محتجين مبنى البرلمان، وطالبوا بحل لتدهور الحالة الاقتصادية للبلاد.
واليوم وبعد فرض الولايات المتحدة لحزم من العقوبات فى 8 اغسطس و4 نوفمبر على التوالى، على قطاعات أكبر حساسية لطهران القناع النفطى والمصرفى، بهدف تقويض سلوكها فى المنطقة وعرقلة تطوير برنامج الصواريخ الباليستية، عبر تصفير صادراتهها من النفط وحرمانها من أهم مصادر دخولها التى تتمثل فى عائدات مبيعات النفط، من أجل الانصياع والعودة لطاولة المفاوضات وإبرام اتفاق جديد يحظى بقبول الرئيس ترامب، باتت اليوم طهران تعج بأزمات بين مطرقة ضغوط الخارج وسندان أزمات الداخل.
ويقف الرئيس حسن روحانى حائرا بين وعود انتخابية لم تر النور بعد وازدياد الضغوط الخارجية والداخلية على حكومته، فالنظام أصبح مثخناً بالعقوبات، أما روحانى الذى احتفى يوما ما خلال ولايته الأولى فى 2015 برفع العقوبات عندما وقع الاتفاق النووى، ووعد شعبه بعدم العودة للوراء، وقع فى خطأ إستراتيجى بعدها، ووضع كل بيضه فى سلة واحدة، فربط مصير حكومته وبرنامجه ووعوده الانتخابية بالصفقة الدبلوماسية الوليدة آنذاك، وعمل هو وفريقه على الترويج له بشكل كبير فى وسائل الإعلام المحسوبة على التيار الإصلاحى ورفع من سقف الطموح لدى الجماهير الإيرانية وحلق عاليا بأحلام لطالما داعبته هو والتيار الإصلاحى مثل الانفتاح على الغرب والتعامل البناء مع العالم، وإفشال هذه الصفقة أصبح يعنى فشل الرئيس المعتدل وانخفاض شعبيته.
أما التيار الاصلاحى والمعتدلين ممن دعموا روحانى واستغلوا رصيدهم الاجتماعى والسياسى لإنجاحه كان انهيار الصفقة النووية أمام أعينهم بمثابة ضربة كبرى يدرك جيدا أنه سيكون لها تداعياتها فى المستقبل فقد تقصيه من المشهد السياسى الإيرانى ويتم تهميشه مجددا السنوات المقبلة، ففشل هذا الاتفاق الذى دعمه منذ الأيام الأولى لتوقيعه سيترتب عليه الإضرار بمكانته السياسية فى الداخل وانهزامه أمام خصومهم السياسيين من التيار المتشدد بل وفقدان الإصلاحيين رصيدهم السياسى، وسيشكل أيضا فرصة كبرى للمعسكر المحافظ لتشويه صورة التيار الإصلاحى، خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة 2021، والذى من المتوقع أن يلعب بورقة الاتفاق النووى لهزيمة مرشحى هذا التيار.
وقبل عامين من الإنتخابات الرئاسية، بدا الحديث فى الداخل الإيرانى يتجه مبكرا نحو السؤال حول التركيبة الانتخابية للمرشحين، والكوادر التى سيقدمها كل معسكر لخوض السباق، وبدأت تلوح فى الأفق مؤشرات تنبأ بها منظرى كلا التيارين، صادق زيباكلام السياسى الإصلاحى وأستاذ الجامعة المعروف بجراءته السياسية، تنبأ بصعود التيار الاصولى مجددا لرئاسة إيران فى انتخابات 2021 الرئاسية، وخسارة الإصلاحيين لهذه الانتخابات إضافة إلى مقاعد البرلمان فى 2020.
وفى مقابلة مع صحيفة "شرق" الإصلاحية، أكد زيباكلام على افول نجم التيار الإصلاحى قائلا "أصبح لدى هذه التيار مشكلات هيكلية، وباتوا غير قادرين أو لا يرغبون حلها".
واعتبر الشعار الذى رفعه المحتجون فى ديسمبر 2017 "الإصلاحيين والأصوليين انتهى الأمر "دلل على أن الإيرانيون أصبحوا لا يفرقون بين التيارين وأن الإصلاحيين فقدوا رصيدهم الاجتماعى العام الماضى.وأكد المحلل الإيرانى، على أن الشعارات التى كانت ترفع والمطالب السياسية والاجتماعية التى كانت تطرح باسم التيار الإصلاحى منذ عهد خاتمى فقد الكثير منها معناه لدى شباب اليوم.
ورأى أن التيار الإصلاحى فى إيران أغمض عينيه عن المطالب السياسية والاجتماعية للجماهير الإيرانية، أو لم يروا أو خافوا، وأكد على أن أحد أهم المطالب اليوم فى إيران الحرية والديمقراطية. ودعا زيباكلام الإصلاحيين لإعادة بناء حقيقية داخل معسكرهم، معتبرا أن هذا التيار يحتاج إلى كوادر وأفكار شابة، ويرى أن القلة القليلة من بين هذا المعسكر تتحدث بشجاعة عن حاجة البلاد للديمقراطية، قائلا "لأنهم يخشون أن يتهمون ويوصمون بالتغريب وموالاة الغرب".
وبخلاف زيباكلام، حذر السياسى الإصلاحى الإيرانى بهزاد نبوى، المعسكر الإصلاحى مما أسماه خطر تكرار انتخابات 2005 الرئاسية والتى أفرزت فوز الرئيس السابق المتشدد أحمدى نجاد، داعيا لإقامة ائتلاف بين المعتدلين من الأصوليين والإصلاحيين لتفويت الفرصة على التيار المتشدد فى انتخابات 2021، وقال نبوى فى مقابلة مع صحيفة سازندجي، الإيرانية التى تعد منبرا إعلاميا لحزب كوادر البناء المعتدل، إن الفرقة والتشتت فى المعسكر الإصلاحى فى عام 2005 أدت إلى فوز أحمدى نجاد، لافتا إلى أن الجماهير الإيرانية "خاصمت" صناديق الاقتراع آنذاك.
ودعا المنظر الإصلاحى للاتحاد بين المعتدلين من التيار الإصلاحى والمعتدلين الأصوليين حتى لا يخسر الإصلاحيين انتخابات 2021، وسيكون الأمر مقلق جدا للشعب وأصل النظام على حد تعبيره. وصرح نبوى بأن الضغوط التى تمارس على حكومة روحانى، أكبر بمراحل من الضغوط التى كانت تمارس على حكومة الرئيس الإصلاحى الأسبق محمد خاتمى. لافتا إلى أن كتلة الأمل الإصلاحية وقعت فى أخطاء حقيقية وعليها الوقوف أمام تراخيها. وصرح بأن احتجاجات ديسمبر 2017، خلقت فجوة بين حكومة روحانى والإصلاحيين، لأن الجميع (الحكومة وروحانى والتيار الإصلاحى) التزم الصمت ولم يتخذ موقف من الأحداث وقتها.
تقارير صحفية أيضا بدأ تتحدث ما يدور خلف الكواليس من صراعات ربطتها بانتخابات 2021، وتحدثت هذه التقارير عن تركيبة المرشحين، فقد كتبت صحيفة "آفتاب يزد" الإصلاحية فى تقريرا لها فى 2 ديسمبر الجارى كشفت فيه النقاب عن منافسة محتملة بين الشخصية الأمنية فى حكومة روحانى وزير الاتصالات الشاب محمد جواد آذرى جهرمي، وعزت الله ضرغامى الرئيس السابق للإذاعة والتلفزيون.
كما كشفت بعض الشخصيات السياسية فى مقالاتها عن مساعى مسبقة تدور خلف الكواليس بين التيارين لتشويه وإضعاف ما يمكن تسميته بالـ "مرشح محتمل"، وفى السياق، اعتبر رجل الدين الاصولى محسن غرويان فى مقاله بافتتاحية عدد الأحد الماضى بصحيفة اعتماد الاصلاحية تحت عنوان "استجواب ظريف ذريعة"، أن الهجمة الشرسة للمتشددين ضد وزير الخارجية محمد جواد ظريف على خلفية تصريحاته عن غسيل الأموال، تأتى مبكرا من أجل إضعاف الوزير الذى تثار حوله احتمالات قوية للترشح للانتخابات الرئاسية 2021.
رئيس البرلمان هو الأخر كان هدف نيران المتشددين، ففى نوفمبر الماضى وقع عددا من نواب البرلمان لإستجوابه بسبب دعم مواقف فريق روحانى فى إقرار قانون مكافحة تمويل الإرهاب والانضمام لمعاهدة مجموعة العمل المالى لمكافحة غسيل الأموال FATF، ولعل أراد هذا التيار القضاء عليه مبكرا، بعد أن برز اسم لاريجانى مؤخرا بين أوساط إصلاحية، وتحدثت تقارير عن وجود احتمالية كى يخلف حسن روحانى فى انتخابات 2021 الرئاسية وأن يكون مرشح هذا التيار القادم، وترأس لاريجانى البرلمان 8 سنوات فى دوراته الـ 8 والـ 9 على التوالى والدورة العاشرة الحالية، وهو شخصية محسوبة على التيار المحافظ المقرب من المعتدلين الذين أصبحوا معروفون بجماعة رفسنجانى المعتدلة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة