حالة جديدة من الجدل أشعلها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، بعدما امتنع، هو وزوجته ميلانيا، عن ترديد "قانون الإيمان" المسيحى، أثناء جنازة الرئيس الأمريكى الأسبق جورج بوش، على عكس الرؤساء السابقين، باراك أوباما وبيل كلينتون وجيمى كارتر وزوجاتهم، والذين كانوا بجواره، ربما ليثير تساؤلات حول ما إذا كان ترامب يعتنق المسيحية حقا، أم أنه يحاول استخدام شعارات دينية لتحقيق مآربه السياسية لمغازلة الطائفة الإنجيلية، والمعروفة بمواقفها السياسية الداعمة لإسرائيل، وهو ما بدا واضحا فى تأييدها الكبير لقرارات ترامب الداعمة للدولة العبرية، وعلى رأسها الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
ولعل صمت الرئيس الأمريكى عن ترديد الصلوات والأناشيد الدينية خلال جنازة بوش الأب كان بمثابة فرصة لخصومه الديمقراطيين، من أجل التشكيك فى عقيدته، بهدف تقليص شعبيته بين ما يمكننا تسميته بـ"تيار المسيحية السياسية" فى الولايات المتحدة، خاصة وأن أنصار هذا التيار كانوا بمثابة الداعم الأكبر للرئيس الأمريكى فى انتخابات الرئاسة الأخيرة، والتى تمكن فيها ترامب من الوصول إلى البيت الأبيض، على حساب منافسته آنذاك هيلارى كلينتون.
حديث ليس جديدا.. النزعة الدينية تطغى على السياسة الأمريكية
ويعد الحديث عن ديانة الرئيس الأمريكى ليس بالأمر الجديد تماما على المجتمع الأمريكى فى السنوات الأخيرة، حيث حاول قطاع كبير من معارضى الرئيس السابق باراك أوباما للتشكيك فى ديانته، مؤكدين أنه مسلم، بسبب جذوره عائلته التى تمتد إلى عائلة كينية مسلمة، وذلك بالرغم من نفيه لتلك المزاعم مرات عدة، سواء خلال حملاته الانتخابية، أو حتى إبان وجوده فى البيت الأبيض، وهو ما يمثل انعكاسا لحالة سياسية جديدة فى الداخل الأمريكى يحاول أصحابها إيجاد مدخل للخلط بين الدين والسياسة، وهو الأمر الذى يتنافى مع النهج الليبرالى التى حملته الولايات المتحدة على عاتقها عبر تاريخها.
ترامب وزوجته يصمتان أثناء ترديد الصلوات خلال جنازة بوش
الرئيس ترامب نفسه تبنى لهجة تبدو معادية إلى حد كبير للمسلمين سواء خلال خطابه الانتخابى، أو بعد ذلك، حيث دعا إلى منع دخولهم إلى الولايات المتحدة، كما تبنى قرارا بحظر دخول مواطنى عدة دول ذات أغلبية مسلمة إلى الأراضى الأمريكية، بالإضافة إلى موقفه من أوباما نفسه، حيث سبق وأن وصفه بأنه مسلم و"ليس أمريكى"، فى تصريح يبدو عنصريا، وهو الأمر الذى مكنه من استقطاب قاعدة كبيرة من أبناء الطائفة الإنجيلية فى الولايات المتحدة، والتى بزغ نجمها بدرجة كبيرة فى السنوات الماضية على الساحة السياسية الأمريكية.
"قانون الإيمان".. فرصة الديمقراطيين للدفاع عن أوباما
وبالتالى كان ترديد أوباما للصلوات، فرصة للديمقراطيين للدفاع عن رئيسهم السابق، الذى شكك ترامب فى عقيدته يوما ما، فى الوقت الذى كان فيه صمت ترامب وسيلة لتنهال عليه سهام الانتقاد من قبل خصومه السياسيين، والذين وجدوا فرصة لمحاربة الرئيس الأمريكى بنفس السلاح الذى تمكن من خلاله الوصول إلى البيت الأبيض على حساب مرشحتهم فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة، والتى شغلت منصب وزيرة الخارجية فى الإدارة السابقة.
تغريدة من أحد الإعلاميين الديمقراطيين يسخر من ترامب وادعاءاته حول أوباما
من جانبه علق الإعلامى جون زيجلر، على حسابه بموقع "تويتر"، بقوله "يبدو أمرا عجيبا أن باراك أوباما (المسلم) يحفظ قانون الإيمان، بينما دونالد ترامب (البطل الإنجيلى) لا يعرفه بل وحتى لم يكلف نفسه بقراءتها".
وهنا يصبح الحديث عن معتقدات ترامب الدينية امتدادا لتمدد "المسيحية السياسية" فى الولايات المتحدة فى المرحلة الراهنة، على الرغم من كونه متعارضا مع مبادئ الديمقراطيين، والذين يتشدقون بنهجهم الليبرالى، فى إطار محاولاتهم ضرب شعبية الرئيس بين أحد أكبر الكتل الداعمة له، وهو ما يمثل اعترافا ضمنيا بقوة هذا التيار وقدرته على تحويل المشهد السياسى الأمريكى، إذا ما قرروا تقديم الدعم لأى تيار على حساب الآخر.
"المسيحية السياسية".. رهان ترامب الذى ألهم الديمقراطيين
ويبدو أن رهان الرئيس ترامب على تيار "المسيحية السياسية" حقق نجاحا غير متوقعا، حتى أنه ألهم خصوم الديمقراطيين، حيث كان اعتماده الرئيسى على هذا القطاع، منذ ما قبل قراره بخوض المعارك السياسية، وهو ما بدا واضحا فى حرصه الشديد على التواجد بمركز "فاينز"، والذى يحشد قطاع كبير من الطلاب المتدينين من جامعة "ليبرتى"، وذلك لتقديم مزيج يجمع بين التبشير ومتابعة القضايا السياسية، حيث تمت استضافة ترامب مرتين، الأولى فى 2012، كرجل أعمال ونجم تلفزيونى، بينما كانت المرة الثانية كمرشح للرئاسة فى عام 2016.
ترامب بين الطلاب وأحد القائمين على المركز المسيحى
وتمثل مشاركة ترامب فى هذا الحدث سببا رئيسيا فى نجاحه، حيث حرص قياداته على تقديم الدعم الكبير لترامب فى انتخابات الرئاسة الأخيرة، والذى ساهم فى حصوله على أكثر من 50% من الأصوات التى حصل عليها، وهو الأمر الذى استمر بعد ذلك، حيث نشرت عدة استطلاعات رأى، فى شهر أكتوبر الماضى، أن 72% من تابعى الكنيسة الإنجيلية الأمريكية يشعرون بالرضا تجاه سياسات الرئيس الأمريكى