عشت أيام موجعة ما كانش فيه حد يصرف عليا.. ويسرا وأنوشكا وصبا مبارك أول ناس هنأونى بالجائزة
تركت وظيفتى فى وزارة الثقافة وعملت "فنى إضاءة" لأصرف على التمثيل.. وجيل اليومين دول مستعجل وعايز بطولة مع يسرا على طول
بوجه ممتلئ وملامح مصرية جدا، كأنها منحوتة طينية انتهى نحات مصرى قديم منها للتو، يجلس الرجل الحاصل على جائزة أفضل ممثل فى الدورة الأخيرة من مهرجان القاهرة السينمائى الدولى، يبدو عاديا كآلاف الناس الذين تصادفهم فى الشارع، لا تشعر وأنت جالس معه أنك تجلس إلى نجم، لكن ما إن يتحدث حتى يتطاير الشرر المتوهج من عينيه وفمه، صانعا هالة مضيئة حول وجه الأسمر المكتنز.
لا يأتى النجاح صدفة، حتى لو بدا للمتابعين من بعيد أنه تعلق فى شباكك دونما جهد منك. فى الحقيقة يحتاج الأمر طاقة واجتهادا وثقة والتزاما أمام النفس والعالم، وهذا ما يبدو أن شريف دسوقى فعله، ووجه شطرا عظيما من روحه وإيمانه وموهبته لاقتناصه، فمرت عليه السنوات كما تمر على غيره، يسير على مسرح الحياة بملابس عادية وهيئة لا تلفت الأنظار، لكنه كان ينتهز لحظات الخروج إلى كواليس المسرح لإعادة ترتيب المشهد التالى، والاجتهاد لأن تكون إطلالته المقبلة أكبر وأكثر تميزا وإدهاشا. وبعد ربع القرن من العمل فاز شريف بالمشهد الذى يليق به، اقتنص جائزة مهمة فى أعرق مهرجان سينمائى بالمنطقة، عن دوره فى فيلم "ليل خارجى"، مقدما جواز عبوره لأضواء السينما بعدما قضى الشطر الأكبر من عمره متنقلا بين المسارح، ممثلا ومخرجا ومؤلفا وفنى إضاءة. عن الجائزة والرحلة والحلم كان لنا معه هذا الحوار..
ماذا غيرت الجائزة فى شريف دسوقى؟
لا غيرت ولا هتغير.. أساتذتى فى أكاديمية الفنون وآداب مسرح علمونى لما آخد جائزة أحتفل مرة واحدة بس، وتانى يوم أفكر فى اللى بعد كده، وأبدأ من أول وجديد، وأنا الحمد لله عندى عدد من الجوائز قبل "ليل خارجى"، وعلى مدار 25 سنة من العمل فى المسرح حصدت 16 جائزة فى مسابقات وزارة الثقافة، ما بين التمثيل والإخراج والسينوغرافيا والكتابة، إضافة إلى حصول فيلمى القصير "حاوى" على جائزة أفضل فيلم على مستوى العالم فى أحد مهرجانات المغرب.
هل كنت تتوقع فوزك بجائزة أحسن ممثل فى مهرجان القاهرة؟
نهائى.. مش بحب أسرح بخيالى عشان ما أتصدمش لو ما أخدتش الجائزة.. أتذكر إنى كنت فى الأوبرا منتظر ردود فعل الجمهور بعد العرض، وناس كتير قالوا لى هتاخد جائزة، والموضوع نفسه حصل من منافسين فى المسابقة من مختلف دول العالم، توقعوا إنى أفوز بالجائزة، والحمد لله ده نتاج سنين طويلة من الاجتهاد والمثابرة.
من أول المهنئين بالجائزة من النجوم الكبار؟
يسرا وأنوشكا وصبا مبارك وأحمد داود وأحمد مجدى، وأتذكر أننى سافرت المغرب بعد ساعات من حفل ختام مهرجان القاهرة السينمائى للمشاركة بفيلم "ليل خارجى" فى مهرجان مراكش السينمائى، واستقبلنى الإعلام والصحافة المغربية بحفاوة بالغة منذ وطأت قدماى أرض المغرب، احتفالا بحصولى على جائزة أحسن ممثل.
ما أكثر الجمل العالقة بذهنك من عبارات التهنئة؟
الفنان أحمد مجدى قال لى "إحنا بنشتغل المهنة، إنما انت حد بجد، وعندك مصداقية". وفضلت وقت طويل متأثر بالكلام ده، ودلوقتى أحب أوضح إن أساتذتى تعبوا معايا ودربونى كتير على المصداقية دى.
شريف دسوقى مع جائزة افضل ممثل
تذكر أساتذتك باستمرار.. فمن هم الأساتذة الذين تدين لهم بالفضل؟
أدين بالفضل للدكتور سامى عبد الحليم، الأستاذ بالمعهد العالى للفنون المسرحية، وأعتبره أستاذى وأبويا اللى دايما بيدعمنى، والراحل الدكتور سامى صلاح أحد أعمدة أكاديمية الفنون، وأخيرا الدكتور أشرف زكى نقيب المهن التمثيلية ورئيس أكاديمية الفنون.
منحك أشرف زكى عضوية النقابة بعد بالجائزة.. هل تحب أن توجه له رسالة؟
كل كلمات الشكر لا يمكن أن تكفى الدكتور أشرف زكى. عمرى ما فكرت أطارده مثل البعض من أجل عضوية النقابة، وكنت طول الوقت منزعج وخايف إن مجهود السنين يروح هدر، لكن الحمد لله ربنا عوض مجهود 30 سنة شقاء واجتهاد وعمل.
بالطبع منحتك الجائزة تذكرة عبور للاحتراف.. فماذا عن أعمالك المقبلة؟
أتعاقد خلال أيام على مسلسل من بطولتى للعرض فى موسم رمضان المقبل، وهذه هى الخطوة التى انتظرتها سنوات طويلة.
ماذا قال لك المخرج الدنماركى بيل أوجيست بعد مشاهدة ليل خارجى؟
بيل أوجيست ليس فقط رئيس لجنة التحكيم، وإنما هو أيضا مخرج كبير وحائز على جوائز أوسكار، وأكيد ما يعرفش المجاملة، وعرفت عن طريق حد متواجد معاه طوال الوقت إنه قال عنى "ممثل واعد، وأمهر ما فيه أنه يجمع أداءه التمثيلى من الناس فى الشارع" وبالفعل أنا طول الوقت شغال على ده.
الفنان شريف دسوقى
اتهموك بتقليد الفنان الراحل محمد شرف.. فما تعليقك؟
متعود على النوع ده من الصحفيين اللى "يضرب كرسى فى الكلوب"، لكن أنا مش هرد على حدّ شافنى شبه حد بلدياتى وعشرة عمرى وكنا أكتر من الإخوات، بس فعلا أنا مختلف عن محمد شرف، أنا شخص قائم بذاته ومش شبه شرف شكلا أو موضوعا، وللأسف إحنا عندنا موروث ثابت فى المشاهدة ولما بنشوف فنان صاعد بنجرى نقول ده شبه فلان.
تحدث البعض عن سيطرة لهجتك السكندرية على حوارك بالفيلم دون مبرر
ده كان مقصود، وبالاتفاق مع المخرج أحمد عبد الله، أنا بلعب دور سائق فى لوكيشن إنتاج، ومعروف إن العمال فى كواليس أى عمل بيبقوا من محافظات مختلفة، ونادر لما تلاقى الفنيين فى اللوكيشن من القاهرة.
لا يمكن الاعتماد على المسرح كمصدر رزق.. فما هى مهنتك الأساسية؟
أنا كنت موظف فى الهيئة العامة لقصور الثقافة، ولم أستطع تحمل أعباء وروتين العمل الوظيفى، فقررت الاتجاه إلى العمل الحر؛ حتى أستطيع الإنفاق من عوائده على التمثيل.
هل كنت تصرف من عملك على التمثيل؟
نعم، أصرف على التمثيل؛ لأننى أشعر بالمتعة وأنا على خشبة المسرح، وحتى أحافظ على هذه المتعة والطاقة الكبيرة التى تمدنى بها، أضطر للإنفاق من جيبى عليها.
شريف دسوقى فى مشهد من ليل خارجى
وماذا بعدما تركت وظيفتك فى وزارة الثقافة؟
مع ظهور تيار السينما المستقلة فى العام 2002 فيه نجوم وأسماء كبيرة عرفونى كويس، بعدها اترشحت للفيلم القصير "حاوى"، وده كان السبب المباشر فى ترشيحى لفيلم "ليل خارجى"، وطول السنوات دى كنت بشارك فى أعمال كتيرة مع فرق فى تونس والمغرب والنمسا وألمانيا.
ألم تكن لديك مهنة غير التمثيل طوال هذه السنوات؟
أنا فنى إضاءة، اكتسبت المهنة خلال عملى فى المسرح، لأنى متربى فى مسرح إسماعيل يس بالإسكندرية، ووالدى كان مديرا للمسرح، وشربت كل ما يتعلق بالمهنة، ومنها الإضاءة، فكنت أجهز المسارح وأصمم إضاءة العروض، ما كانش فيه حد يصرف عليا، وعشت معاناة شديدة وأيام موجعة، لأن مش كل وقت بيكون فيه شغل، لكن ربيت نفسى على التحمل، وكنت عارف إن ربنا هيكرمنى فى يوم من الأيام، ووظفت المعاناة دى فى صقل موهبتى، وطوعت آلامى لخدمة الفن وتطوير أدائى، وده خلّا الناس تقول لى وشّك مليان شجن مصرى.
هل لجأت لـ"مكاتب الكاستينج" للحصول على فرصة للظهور؟
مكاتب الريجيسير والكاستينج ظهرت فى أوائل الألفية، ووقتها عرفت إن الموضوع "مش fair"، وعشان واعى لموهبتى ما رضيتش أروح وأقف فى طوابير طويلة، وفى الآخر أقرا مشهد فى 10 دقائق وعلى أساسه يقبلونى أو يرفضونى، فكنت بفضّل المشاركة فى أفلام قصيرة، وفى مونتاجها يرشحونى لأعمال أخرى، وطول الوقت أقول لنفسى اصبر واتحمّل لحد ما ربنا يريد.
مشهد من فيلم ليل خارجى
لا تخلو الحياة من إحباطات.. فما أبرز مواقفك المحبطة؟
مررت بعشرات من المواقف المحبطة.. أتذكر أننى شاركت فى عروض عديدة مع مؤسسات المسرح الحر، عرفوا إن شريف دسوقى ممثل وبيكتب وبيبنى مسرح، استغلونى فترة لحد ما حققوا مصالحهم، ورغم إن المؤسسات دى بتدعى إنها "داعمة الفنون" لكنها فى الحقيقة بتستغل كتير من الموهوبين وتئذيهم، وده عطلنى كتير فى إسكندرية وخد من عمرى سنين.
وهل نصحك أحد بالابتعاد عن هذا المجال للتخلص من الإحباط؟
لما تكن نصيحة بالمعنى، وإنما كانت إحباطا آخر مضافا إلى الإحباطات السابقة. فى 2010 كنت أقدم عرضا مسرحيا بالقاهرة، وخرج الجمهور قائلا للمخرج "أفضل ما فى المسرحية شريف دسوقى"، والكلام ده استفزه جدا لأنه كان مستنى الناس يخرجوا يقولوا له "انت مخرج جامد"، بعدها قال لى "ما تصدقش الكلام ده.. دول بيجاملوك عشان شبه إسماعيل يس، وعشان ما تتعبش نفسيا أديك قدمت عروض، فكر بقى فى حاجة تانية غير التمثيل، وأكيد هتلاقى نفسك وتعرف تعيش". وده بالمناسبة ما كانش الموقف الوحيد، أنا اتعرضت لمواقف كتير مشابهة، لكنها كانت بتزيدنى إصرار، لأنى بطبعى ثورى فى مهنتى، ممكن أزعل شوية لكن بعرف أهدا وأقوم بسرعة.
كنت مدرب تمثيل.. فهل تخرج على يديك نجم معروف؟
خرّجت نجوما كثيرين، وآخرين يشقون طريقهم نحو النجومية، ومن أبرز طلابى النجم مصطفى أبو سريع، والإعلامية إيمان سليم المذيعة فى قناة المحور، وهى خريجة كلية الآداب قسم المسرح، وكنت أدربها على فنون الإلقاء ومخاطبة الجمهور.
شريف دسوقى
لماذا لم تتجه إلى دراسة التمثيل فى بداياتك؟
كنت أتمنى الالتحاق بالمعهد العالى للفنون المسرحة، لكن ظروفى المادية حالت دون ذلك.
وبعدما أصبحت معروفا وناجحا هل ترى أنك تحتاج الآن لدراسة التمثيل؟
بمجرد حصولى على قيمة أول عقد مع شركة إنتاج هقول لك اكتب "شريف دسوقى طالب فى المعهد العالى للفنون المسرحية".. وده ما يمنعش إنى بتعلم وأشتغل على نفسى طول الوقت، ويوميا بمارس الرياضة والفوكاليز، وعندى 3 أيام ارتجال كجزء من تدريبات الممثل، ومواظب على البرنامج ده اللى اتعلمته من الأحانب، وأتذكر ما قاله النجم العالمى روبرت دى نيرو خلال حضورى مهرجان مراكش للفيلم فى المغرب، حينما سُئل عن سر نجاحه فأجاب: "لا أفقد تدريبى اليومى".
هل فى رحلتك الطويلة لجائزة أحسن ممثل كواليس تحب إعلانها؟
كانت الرحلة طويلة وشاقة، وبالتأكيد لا تخلو من مئات التفاصيل والحكايات. كانوا بيقولوا لى فى مسرح إسماعيل يس "ما تحددش لنفسك عايز تتشاف إزاى أو توصل امتى للاحتراف.. ما تقولش لازم أبقى نجم.. اجتهد وربنا هيوفقك"، عمرى ما كان هدفى السينما، لكن خلقت لنفسى مساحة حكى استوحيتها من البيوت والشوارع.. وقدرت أنحت لنفسى طريق عشان ما أبقاش فى طابور المليون موهوب، وبندهش دلوقتى لما أسمع إن 7 آلاف ممثل راحوا "كاستينج" فى استاد القاهرة للمشاركة فى عمل درامى، الزحمة دى خلتنى قلت لنفسى "دوّر على مساحة تانية اتشاف منها"، لقيت مفيش حد بيحكى حكايات الشارع، كله بيحكى السيرة الهلالية وكام كتاب سيرة شعبية، فقررت أحكى تجاربى الشخصية، وحصلت على جائزة أحسن ممثل.
شريف دسوقى يتسلم جائزة مهرجان القاهرة
كم شريف دسوقى لا نعرف عنهم شيئا فى مسارح مصر؟
فاكر عبده البقال اللى اكتشف الخطيب وطاهر أبو زيد ونجوم الكرة زمان، كان بينزل المحافظات يدوّر على المواهب، ويرجع يقول لرئيس الأهلى "الواد ده هيبقى لاعب كويس".. جيل السينمائيين المستقلين عملوا كده، وللسبب ده أنا اتعلقت بيهم من أول الألفينات، أحمد عبد الله مخرج "ليل خارجى" مثلا نزل الإسكندرية مخصوص عشان يراقبنى، على طريقة عباقرة الزمن الجميل اللى كانوا بينزلوا يدوروا على المواهب بنفسهم. الطريقة دى مبتكرة ومهمة، وبقترح إننا نفتح مكاتب "كاستينج" فى كل محافظات مصر علشان ندور على الموهوبين ونختارهم ونرعاهم، بشرط يكون الموضوع بشفافية وعدالة، وده هيكون مفيد وهيفرق جدا مع الفن وصناعة السينما والدراما.
هل تعتقد أن لدى المخرجين وقتا وطاقة للبحث عن المواهب بالأقاليم؟
عشان أكون منصف، مروان حامد وتامر محسن بيروحوا يدوروا على الممثلين بنفسهم، وفاكر قبل ترشيحى للفيلم إن المخرج شريف البندارى رشحنى لفيلم قصير بطولة ناهد السباعى، وقتها كنت مقيم فى إسكندرية، كلمنى واحد من الفنانين المستقلين وقال لى شريف البندارى نازل لك إسكندرية مخصوص عشان يقابلك، وفعلا جالى وقعد معايا على قهوة فى المنطقة الشعبية اللى أنا ساكن فيها، ولما مخرج "ليل خارجى" قابلنى فى 2017 قال لى "أنا شفت كل شغلك على مدى 10 سنين". طول الوقت كنت بتحرك صح، وكنت متأكد إن فيه أسماء مهمة هتشاور عليا فى وقت من الأوقات، بس الصبر.
أنت ابن لعالم السينما المستقلة.. فهل توافق مثلا على المشاركة فى أفلام السبكى؟
لو السبكى كلمنى أكيد هوافق، أنا ممثل اتربيت على إنى أكون طيّع فى السوق، عارف هوافق ليه؟ عشان عندى هدف إنى أغير الخلطة السبكية دى، حتى لو على مستوى دورى بس، ولو كان المردود إن الناس تشاور وتقول ده ممثل مختلف جو البرواز ده.
رسالتك لكل الموهوبين الذين لا نعرف عنهم شيئا فى أنحاء مصر
ربنا وهبنى الجائزة دى عشان أكون نموذج لكل الموهوبين، وأدعوهم يتحملوا ويجاهدوا. ياريت مفيش حد يطلع يقول الدولة مقصرة معانا، وبدل كه يشتغلوا على نفسهم ويطوروا مهاراتهم، أنا مش بوجه لهم اتهام، لكن بعضهم نفسهم قصير ومستعجلين، مفيش صبر ولا مقاومة، وعايزين بطولة مع يسرا على طول، أنا قدمت عروض مسرح فى الشارع، وعملت أراجوز فى محرم بيه سنة 2011، عشان أتواصل مع الناس وأمد جسور مع الشارع، وكل موهوب لازم ينزل للناس، ويفتح صدره ويطول وباله، والمكافأة أكيد هتيجى فى ميعادها الطبيعي.
شريف دسوقى
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة