لم يلق مهرجان القاهرة السينمائى فى دورته الأربعين شهرة رغم ما تضمنه برنامجه من أفلام تخطى عددها 150 فيلما عربيا وعالميا، كما ذاع صيته بعدما خرجت علينا رانيا يوسف بفستانها المثير جدلًا أو شهوةً – سمها كما شئت – لتتصدر حديث الصحف وقوائم التريندات على حساب من هم أولى بذلك، فهذا شريف الدسوقى الفائز بجائزة أحسن ممثل فى أول ظهور له عن فيلم "ليل خارجى" وذاك أحمد فوزى المخرج الشاب الذى حاز فيلمه "ورد مسموم" على 3 جوائز فى أول تجربة درامية له، وكان من باب أولى أن يعلو صوتنا دعما وتشجعيا لهذين النموذجين اللذين ضاعت فرحتهما وسط الضجيج المصحوب بكلمات من الفسق والفجور فى مقابل العفة والطهر.
لن أتوقف عند فستان "الليلة إياها" كثيرا، لكن استوقفنى بيان رانيا يوسف ردًا على ما أثير حولها خلال الأيام الماضية، وتحديدا حينما ذكرت أن ( آراء مصممى الأزياء ومتخصصى الموضة غالبا ما تؤثر على قرارات اختيار الملابس، وقد يكونوا وضعوا فى الاعتبار أننا فى مهرجان دولى ) ويتضح من خلاله أن رانيا اعتمدت على اختيار المصممين ولم يكن لها رأى فى قبول الفستان أو رفضه، بالتالى إن كنا نريد أن نوجه سهام النقد فلنوجهها لمصممى الأزياء وليس لشخصها وكأنه لم يكن لديها مساحة من الاختيار.
ثانيًا؛ ذكرت فى البيان أن "المصممون وضعوا فى اعتبارهم أننا فى مهرجان دولى".. وكأن صفة الدولية والعالمية تقاس بمدى قصر أو طول فساتين ضيوف المهرجان، وهنا نتذكر موقف الفنانة تحية كريوكا حين ظهرت على السجادة الحمراء بفعاليات مهرجان كان السينمائى الدولى عام 1956 وهى ترتدى "ملاية لف" على الـredcarpet خلال مشاركة فيلمها "شباب امرأة" بفعاليات المهرجان، وبسؤالها عن السبب قالت إنها تعتز بكونها امرأة مصرية.
لم يكن البيان إلا محاولة من رانيا لتهدئة حالة الغضب التى انتابت الجميع، بدءا من تقدم عدد من المحامين ببلاغ للنائب العام رقم 15442 لسنة 2018 عرائض النائب العام ضد الفنانة رانيا يوسف - وإن كنا نتحفظ على بعض ألفاظه - وجاء فيه: "الفنانة قامت بالفعل العلنى الفاضح والتحريض على الفسق والفجور وإغراء القصر ونشر الرذيلة التى تخالف الأعراف والتقاليد السائدة فى المجتمع المصرى.. وأن المطالبة بالحريات يقصد بها حرية الفكر والإبداع وحرية الرأى والتعبير وليس حرية العرى والتحريض على الفسق والفجور وإغواء الشباب بهذه الأفعال التى تتنافى مع قيم وتقاليد المجتمع"، كما أصدرت نقابة المهن التمثيلية بيانا جاء فيه أن "المظهر الذى بدت عليه بعض ضيفات المهرجان لا يتوافق مع تقاليد المجتمع وقيمه وطبائعه الأخلاقية، الأمر الذى أساء لدور المهرجان والنقابة المسئولة عن سلوك أعضائها".
قضية فستان رانيا يوسف لا تعنينا بقدر ما يعنينا الهوة أو المسافة الكبيرة بين الفنان والمتلقى، فلا يخفى علينا أن الكثير فى مجتمعنا ينظرون إلى الفن على أنه مصطلح مرادفه العرى والابتذال فى مقابل العفة والطهارة – على عكس حقيقته – وللأسف يساهم سلوك البعض – سواء بقصد أو بدون – فى زيادة هذه الهوة واتساع قطرها، ويغفلون أن الفنان ما هو إلا انعكاس لمجتمعه، فتعالوا نسأل أنفسنا عن القصد من وراء المهرجانات وغايتها، هل هو التبارى بفستان ومصممه أو حتى سعره؟! وهل هو حدث يخلو من أى قيمة تذكر؟! فى اعتقادى – ولهذا نشأت الفكرة – فالمهرجانات انعكاس لنهضة البلدان، وفرصة لتبادل الخبرات بين الضيوف والبلد المضيف، ولهذا تقيم الدول المهرجانات وتدعمها لتعبر عن سياستها فى مجال الثقافة والإبداع، وليست ساحة يمر من خلالها الفنانات عبر"الريد كاربت" وتسعى كل منهن للفوز بجائزة أفضل إطلالة وليذهب المضمون إلى الجحيم.