يومًا بعد يوم، تثبت المرأة الريفية بصعيد مصر، قدرتها على تحدى العادات والتقاليد وصناعة المعجزات وتحدى الصعاب وذلك بالعزيمة والإرادة.
ففى بيت صغير بقرية بنى سميع التابعة لمركز أبوتيج فى أسيوط، ولدت "بركة" وسط ثلاث شقيقات، إذ حرمتها إعاقتها وعدم امتلاك ذراعين من التمتع بطفولتها مقارنة بأقرانها إلا أن الإرادة لا تعترف بالإعاقات، فاستطاعت التغلب على إعاقتها وتحويلها لمصدر قوة تستمد منها طاقتها فى التعلم والنجاح.
"بركة كمال شنودة" ابنة الـ34 عاما، تتحدث عن حلمها، إذ تقول: "منذ صغرى وأنا أحلم بتعلم القراءة والكتابة كمثل الكثير من الفتيات فى سني، وكان عمر آنذاك لم يتجاوز الـ8 سنوات، ولكن ظروفى منعتنى من الالتحاق بالمدرسة، وظللت أبكى وشاهدنى والدى فتأثر بذلك، فقام باصطحابى للمدرسة ولكن مدير المدرسة رفض استقبالى بحجة أن عمرى أكبر من سن القبول، بعدها قررت الالتحاق بمركز التأهل المهنى الخاص بالفتيات بمدينة أسيوط، ولكنى تركته بعد فترة نظرا لبعده عن مركز أبوتيج وعدم قدرتى على مفارقة أسرتى".
"أنا أخت لـ3 بنات وكنت أشاهد شقيقاتى أثناء كتابتهم للواجبات المدرسية"، تتحدث بركة عن سر حبها للتعليم ورغبتها فى الكتابة بقدميها، فلم تيأس وظلت تتابع شقيقاتها وهن يقمن بكتابة الواجبات المدرسية الخاصة بهن وأخذت فى تقليدهم مستخدمة قدمها اليمنى حتى أتقنت الكتابة والقراءة دون مساعدة من أحد مع تشجيع أسرتها".
تضيف الفتاة: قررت الالتحاق بفصول محو الأمية لتعلم الكتابة والقراءة و الحصول على شهادة محو الأمية وفى كل مرة كنت أدخل امتحانات محو الأمية ولكن هذه المراكز لم تكن تمنحنى أى شهادات، حتى كان القرار الأخير بضرورة حصولى على شهادة محو الأمية وحصلت عليها، بعد المشاركة فى مبادرة قريتى بلا أمية وهذا ليس نهاية المطاف بل هو بداية الطريق لتحقيق حلمى وإكمال تعليمي.
تذكر بركة،: " أنها ولدت فى أسرة مكونة من 4 بنات ترتيبها الثاني، وفور ولادتها ومعرفة أسرتها أنها بدون أطراف علوية قرر والدها تسميتها بـ"بركة" لتكون بركة البيت فيما بعد، وسعى جاهدا ومعه أمى لتحقيق رغباتى وفقا لقدراته المادية البسيطة حتى لا يشعرنى بأى نقص عن شقيقاتى البنات .. والحمدلله ربنا أكرمنى بكثير من النعم التى ربما حرم منها كثير ولدوا أصحاء وبأطراف كاملة".
حول عملها فى المنزل كأى فتاة، تقول بركة: أقوم بمساعدة أمى بكل خدمات المنزل بنفسي، كما أننى تعلمت حرفة حياكة الملابس، وذلك لحبها لوالدها والرغبة فى مساعدته، حيث أنه فلاح بسيط يعمل بالأجر ومع تقدم السن بات غير قادر على العمل ويعيش من بعض الجنيهات التى يحصل عليها من معاش الضمان الاجتماعى منذ نحو عام بعد بلوغه الـ65 عاما، فكان الدافع الأساسى لعمل بركة فى حياكة الملابس البسيطة باستخدام قدمها، وكانت تعمل فى صيدلية لفترة، فيما تتمنى أن يساعدها أحد فى إعادة بناء منزلهم".
بوجه بشوش لا يعبأ بمتاعب الحياة تتابع ابنه بنى سميع حديثها: " أشكر ربنا على كل حاجة، كنت فى فترة فكرت فى الأطراف الصناعية لأنى كنت رافضة الأمر، حيث ترددت على أحد المراكز المتخصصة ولكنه أخبرنى بأنها ستتكلف كثيرا لأنها مستوردة من الخارج".
توجه بركة رسالة للشباب فى نهاية حديثها: الإعاقة ليست فى الجسد، بل فى العقل، بإيدك تعمل أى حاجة، بس الأهم العزيمة والإرادة دول اللى بيصنعوا المعجزات".
من جانبه أكد المحاسب حسين كشك، رئيس مركز ومدينة أبوتيج، أنه تنفيذا لتوجيهات اللواء جمال نور الدين، محافظ أسيوط، بتفعيل مبادرة "قريتى بلا أمية" وفتح فصول جديدة لمحو الامية وتعليم الكبار وأيضا فتح فصول لذوى الاحتياجات الخاصة والمكفوفين بالتنسيق مع هيئة محو الاميه وتعليم الكبار باسيوط، وخطة الدولة للقضاء على الاميه وإعلان مصر خالية من الأميه عام 2030م.
وأعلن العميد مصطفى عبد الله رئيس فرع الجهاز التنفيذى لمحو الامية وتعليم الكبار بأسيوط": عن توفير فرص عمل جديدة لشباب الخريجين وجميع العاملين بالدولة من خلال فتح فصول محو الأمية وتعليم الكبار بجميع قرى ومراكز المحافظة والاستفادة من المنح والمكافآت المقدمة للمعلمين بتلك الفصول وقدرها 300 جنيه عن الدارس الناجح بحد أدنى 10 دارسين بالفصل الواحد فى دورة مدتها 3 أشهر بالتنسيق مع مديريات الخدمات بالمحافظة.
وقال رئيس فرع الجهاز التنفيذى لمحو الامية وتعليم الكبار بأسيوط، أنه تم تسليم شهادة محو الأميه لـ" بركة كمال شنودة" بعد تعلمها القراءة والكتابة بقدميها، حيث تم تنظيم احتفاليها لها بمقر مجلس مدينة أبوتيج بحضور المحاسب حسين كشك، رئيس المركز، وتم تكريمها لعزيمتها وإرادتها فى تحدى الإعاقة والأمية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة