يتناثر شجر الأرز فى ضواحيها وجبالها ويظل هو الشاهد المعمر الوحيد فى لبنان على سنوات الأزمات التى تعصف بهذا البلد، وتظل هى الأخرى تستمد منه قوتها فى تحمل الأعباء، فبرغم أزماتها السياسية والتناحر الداخلى، لم تغلق لبنان أبوابها أمام جيرانها من السوريين قبل أن تعصف بهم الحرب وتقتل مئات الآلاف منهم.. فعلى مدار 8 سنوات استقبل لبنان العدد الأكبر ونزح إليها أكثر من مليون ونصف المليون سورى ما يعادل أكثر من ربع عدد سكانها البالغ 4 ملايين نسمة الأمر الذى تسبب فى ضغط اقتصادى كبير علي بيروت بخلاف الأعباء الأمنية.
وبعد 8 سنوات، لم يعد لبنان قادرا على تحمل تبعات تواجد مليون ونصف لاجئ تتوزع مخيماتهم فى عموم البلاد، فأجمعت التيارات والقوى والأحزاب السياسية اللبنانية على ضرورة بدء عودة اللاجئين إلى مناطق آمنة فى سوريا، لاسيما بعد استعادة الدولة السورية معظم الأراضى وحققت نجاحات كبيرة ضد التنظيمات الإرهابية والجماعات المسلحة، فضلا عن الانسحاب الأمريكى مؤخرا من سوريا والذى منح له شِبه شهادة أمان بعد تأييده دحر تنظيم داعش الإرهابى.
ورغم ذلك ظل ملف عودة النازحين طواعية ملفا شائكا، بل تم استغلاله وتوظيفه من ناحية لإحراج الجانب السورى وإظهاره بأنه غير مستعد لعودة مواطنيه إلى ديارهم، ومن ناحية آخرى تأزيم الملف داخل لبنان، وأكد الرئيس اللبناني ميشال عون، الأربعاء 21 نوفمبر، "هناك من يعرقل عودة النازحين السوريين إلى بلادهم لأسباب مبيتة، سواء بالحديث عن العودة الطوعية مع استعمال كل وسائل الترغيب والتخويف لدفع النازح إلى اختيار البقاء حيث هو، أو بمحاولة ربطها بالحل السياسي.. جهات لم يفصح عنها لكنه قال فى الوقت نفسه أن بلاده لم تعد تمتلك رفاهية إضاعة الوقت في أزمة تشكيل الحكومة".
ولجأت لبنان إلى مبادرة أطلقتها روسيا لإعادة النازحين السوريين إلى ديارهم، وفى يوليو 2018 أبلغ عون، ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة فى لبنان بيرنيل كارديل، أن لبنان رحب بالمبادرة الروسية التى تؤمّن عودة نحو 890 ألف نازح سورى من لبنان إلى بلادهم، كما أكد وزير الدولة اللبنانى لشئون النازحين، معين المرعبي، على أن المبادرة الروسية بشأن إنشاء مركز لتنسيق عودة اللاجئين السوريين تمثل خطوة مهمة من شأنها أن تخفف من مأساة الشعب السوري، وقد تكون بداية للحلول العملية .
وتفاعلت لبنان مع المبادرة وأعلنت المديرية العامة للأمن العام اللبنانى، أنها ستقوم بتأمين "العودة الطوعية" لمئات من النازحين السوريين المتواجدين داخل الأراضى اللبنانية إلى سوريا، وقال الأمن العام اللبنانى أن النازحين السوريين سيتم تأمين عودتهم إلى بلداتهم فى سوريا من خلال معبرى (المصنع) (والعبودية) الحدوديين، وأنه تم تحديد 5 نقاط لتجمع هؤلاء النازحين لاتخاذ الإجراءات اللازمة نحو تنظيم عملية عودتهم، نظرا لكونهم يقطنون مناطق مختلفة ومتفرقة من البلاد.
ويحمل الأمن العام اللبنانى على عاتقه منذ قرابة 3 شهور عملية تأمين العودة الطوعية لدفعات من النازحين السوريين، بالتنسيق مع مفوضية اللاجئين، حيث يقوم بتسجيل الأسماء والأعداد، والتنسيق مع السلطات الأمنية السورية فى شأن ترتيبات عودتهم على دفعات ومراحل متتالية، وخصص الشهر الماضى 17 مركزا تنتشر فى جميع أنحاء لبنان، لاستقبال طلبات النازحين السوريين الراغبين فى العودة الطوعية إلى وطنهم، مؤكدا أنه سيتم تسوية أوضاع المغادرين مجانا فور إتمام مغادرتهم.
ولم ينقطع التنسيق الأمنى والاستخباراتى مع دمشق فى ملف عودة مواطنيه من لبنان، ففى يوليه العام الجارى، غادر المئات من اللاجئين السوريين فى طريقهم إلى منطقة القلمون السورية، ومنذ أبريل غادرت نحو 4 دفعات على ضوء تكرار مسؤولين لبنانيين مطالبتهم المجتمع الدولى بوجوب تأمين عودة اللاجئين إلى مناطق توقفت فيها الحرب فى سوريا.