فى 14 سبتمبر 1822 أمسك شامبليون بورقه، وخرج من بيته فى شارع مازارين فى باريس مسرعا إلى محل عمل شقيقه فى أكاديمية النقوش والآداب، قائلا عبارته الشهيرة: "المسألة الآن فى حوزتى، وضعت يدى على الموضوع"، وسقط مغشيا عليه.
يعرف المصريون فضل العالم المصرى جان فرانسوا شامبليون، الذى استطاع أن يحل لغز اللغة المصرية القديمة بعدما تعرف على الخط الهيروغليفى بعد دراسة مطولة لحجر رشيد 1922، لكن كثيرين منا لا يعرفون أن شامبليون جاء إلى مصر فى عام 1828.
وُلِد شامبليون فى 23 ديسمبر عام 1790 فى مقاطعة فيجاك الفرنسية، لأب امتهن بيع الكتب، إذ خصص له عمدة المدينة مكانا لمزاولة مهنته.
لم يتمكّن شامبليون، الملقّب بـ"الصغير" للتفرقة بينه وبين شقيقه الأكبر جاك-جوزيف شامبليون، من الالتحاق بالتعليم الرسمى نظرا لاضطراب الأحوال فى أعقاب الثورة الفرنسية، فتلقى دروسا خاصة فى اللغتين اللاتينية واليونانية، ثم انتقل إلى مدينة جرونوبل للالتحاق بمدرسة ثانوية، وكان شقيقه يعمل باحثا فى معهد البحوث الفرنسى، وبدأ شامبليون فى سن 13 عاما الاهتمام بدراسة اللغات العربية والكلدانية والسريانية والعبرية.
تواصل شامبليون مع العالم جوزيف فورييه، الذى شغل منصب سكرتير البعثة العلمية خلال حملة نابليون بونابرت على مصر (1798-1801)، ودفعه إلى دراسة التاريخ، بعد أن أثارت مجموعته الخاصة وبحوثه العلمية فضول وإعجاب شامبليون، فوقع فى غرام مصر وتاريخها.
وفى عام 1799 استطاعت الحملة الفرنسية العثور على نقش لمرسوم ملكى يعود إلى عام 196 ميلاديا صدر فى مدينة "منف" تخليدا للحاكم بطليموس الخامس، كتبه كهنة بثلاث كتابات ليقرأه العامة والخاصة من المصريين والطبقة الحاكمة اليونانية، فجاء النص مدونا بالكتابات: الهيروغليفية (وهى اللغة الرسمية فى مصر القديمة)، والديموطيقية (وهى الكتابة الشعبية فى مصر القديمة)، واليونانية القديمة (وهى لغة الطبقة الحاكمة).
وقد كتب شامبليون نتائج بحثه فى خطاب شهير يُعرف باسم "خطاب إلى السيد داسييه"، أمين أكاديمية العلوم والفنون ونشر ترجمة كاملة لنص حجر رشيد فى عام 1828، وهو نفس العام الذى تشكلت فيه بعثة فرنسية ضمت 12 عضوا، على رأسهم شامبليون، هدفها زيارة مصر ودراسة آثارها عن قرب، والتأكد من نجاح مشروع شامبليون فى قراءة النصوص المصرية القديمة وجها لوجه.
وطأت البعثة أرض مدينة الإسكندرية فى 18 أغسطس عام 1828، ودامت رحلة شامبليون فى مصر 18 شهرا اكتشف خلالها خمسين موقعا أثريا، وكتب تفاصيل ونتائج رحلته فى ستة مجلدات كبيرة بعنوان "آثار مصر و النوبة"، سجل فيها مشاهداته اليومية عن زيارته للآثار المصرية القديمة.