الكتاب المقدس فى المسيحية يحذرنا من الخلط ما بين الحق والباطل، فيقول لنا «مبرئ المذنب ومذنب البرىء كلاهما مكرهة أمام الرب»، والآية واضحة جدا، ولا مجال للفلسفة أو الفذلكة المشهور بها بعض المفكرين، والمعنى ببساطة ضرورة الوصف الصريح للمذنب أو البرىء، وعندما تبرئ المذنب بحجة المجاملة أو النفاق أو الرياء، فهذا الأمر مكروه أمام الله، ولأننى لا أريد أن أجلب على نفسى غضب الله، لذلك أكتب هذا المقال الصريح كالعادة الذى يتناول سلبيات كنيستنا الأرثوذكسية فى محاولة لإشعال شمعة بدلا من لعن الظلام، وللتنبيه والبحث عن الحلول لمشاكلنا بمشاركة جماعية للعقول المستنيرة الراغبة فى الإصلاح، وهذا ما يجب على المسؤولين أن يفعلوه لو أرادوا التقدم والنمو فى إدارة المؤسسة دينية كانت أو اجتماعية، هذا أولاً، أما ثانيًا فأعرض على القارئ العزيز قصة ما نطلق عليه بالكنيسة «الأيقونة»، وهى صورة غير عادية تمثل بعض الأشخاص أو الأحداث التاريخية وليست المعاصرة، كما فى مشكلتنا هذه، ثم يتم تدشين هذه الأيقونة بزيت الميرون المقدس، وهو مأخوذ من بعض الحنوط والأطياب التى كانت على جسد السيد المسيح بعد موته، فقام التلاميذُ بالاحتفاظ بها، ثم مع مرور الأيام والسنوات بدأ الآباء البطاركة فى إجراء طقس الميرون المقدس، وهو من أندر وأهم أنواع الزيوت فى كنيستنا، وأضافوا إليه خليطًا من الأعشاب الطببعية، وجميعها مذكورة فى الكتاب المقدس، حيث كانت تستخدم لدهن الملوك فى العصر القديم، ولكن بعد انتشار المسيحية لجأت الكنيسة إلى هذا الميرون ليتم به استكمال الطقوس المهمة والتى يحل من خلالها الروح القدس على الطفل بعد المعمودية مثلا وغيرها، كما يتم تدشين الكنائس والمذابح والأيقونات السابق ذكرها والتى لابد من وجودها داخل الكنيسة فقط لا غير، ولا يسمح بوجودها خارجها، لأنها دشنت بزيت الميرون المقدس، وأصبحت بالتالى صورة مقدسة نطلق عليها اسم «أيقونة»، ومنذ أيام قليلة تم تدشين الأيقونات ومذابح الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، وكانت المفاجأة المذهلة قيام البابا تواضروس بتدشين وشم بالميرون المقدس لأيقونة تحمل صورته وخلفه بعض الأساقفة!!! وبمنتهى الصراحة والوضوح، وتبعًا لتعليمات الكتاب المقدس السالف ذكرها بالمقدمة فلابد وحتمًا، والأسى يملأ قلوبنا، التنبيه لهذه المخالفة لتعليمات ووصايا الكتاب المقدس الذى لم يترك عشرات وعشرات الأنبياء والملوك والرؤساء دون ذكر سلبياتهم وأخطائهم، بل وخطاياهم، ونحن نفتخر بهذا ونطمئن لأننا نحتمى فى مراحم الله وعفوه ومغفرته لخطايانا، لأننا جميعا كبشر تحت الضعف، وكما يقول الكتاب المقدس: «ليس أحد بلا خطية حتى لو كانت حياته يومًا واحدًا على الأرض»، وهذه حقيقة أيضًا لا يمكن إنكارها أو تجاهلها، ولذلك ذكر العهد الجديد خطايا التلاميذ والرسل الملاصقين للسيد المسيح أيضا أثناء حياتهم على الأرض، والمؤسف أن بعضهم ضعف أمام الخطيئة ومات بها مثل يهوذا الخائن، ورتبته حسب تقليد ونظام الكنيسة «بابا وبطريرك» مثله كمرقس الرسول الذى لقبه «أول بابا وبطريرك» فى كنيستنا القبطية الأرثوذكسية، وكذلك دبماس المبشر الذى كان رفيق بولس الرسول وذكره فى إحدى رسائله مرسلا تحياته وسلامه للمسيحيين، ولكن للأسف ترك الخدمة وقال عنه بولس الرسول: «ديماس تركنى وأحب العالم الحاضر..»، ولذلك، يا أحبائى، فلا يصح إطلاقًا ولا يجوز أن نطلق لقب «القديس أو الحبر الجليل أو مثلث الطوبى أو صاحب القداسة..» واللقب الأخير القديس يا إخوتى لابد ألا يكون وهو على قيد الحياة حاملا لهذا اللقب، بل يلحق به بعد وفاته «نياحته» فى حالة إذا ثبتت هذه القداسة للكنيسة من خلال التحقيقات واللجان والشهود على مدى حوالى ٥٠ سنة، ولذلك فقد تعجبت وذهلت ذهولا عجيبا عندما شاهدت البابا تواضروس يدشن أيقونته مع الأساقفة بالميرون المقدس، والعجيب والغريب والمدهش والمذهل أن هذا يتم فى وجود عشرات الآباء المطارنة والأساقفة هم غالبية أعضاء المجمع المقدس وقادة الكنيسة الأرثوذكسية القبطية فى العالم كله.. يا ترى ألا يعلم أحدهم هذا القانون الكنسى؟ ألم يقرأ أو يسأل هذا السؤال البرىء.. هل يجوز تدشين أيقونة بالميرون لشخص على قيد الحياة؟ وبالطبع فإن مراجعة الآيات السابقة تثبت أن الإجابة بالنفى التام والمطلق، ولن أعدد ذكر الآيات الأخرى التى تؤيد هذا المبدأ والقانون الإلهى: لا يطلق لقب قديس إلا بعد الموت وإكمال الجهاد على الأرض وتنفيذ الوصايا للنفس الأخير، وهذا الكلام ليس طعنا أو تجريحا لأحد، لأن الكتاب المقدس يعلن لنا عن بعض أشخاص بدأت حياتهم بالقداسة والبركة وتنفيذ وصايا الرب وبطهارة وبر ولكن.. انتهت حياتهم بالخطية وذهبوا إلى الجحيم، ويصفهم الإنجيل وصفا رائعا: «بدأوا حياتهم بالروح، أى روحانيين مباركين، ولكن أكملوها بالجسد، أى الخطايا والأخطاء»، والخلاصة فى هذه السلبية المرعبة والمؤسفة التى حدثت، تدفعنا لطرح التساؤلات الآتية: س١: هل يحق للأسقف الذى يدشن كنيسة أن يضع أيقونة له مع الكهنة المعاصرين له داخل الكنيسة ويدشنها بيديه الطاهرتين بزيت الميرون المقدس تشبهًا بالبابا؟ س٢: للمؤيدين والمباركين والمشتركين فى هذه الاحتفالية المقدسة: ما قولكم فى الآيات السالف ذكرها فى هذا المقال الصغير وهل الرتب الكنسية معصومة من الخطأ أثناء حياته؟ س٣: من أين علمتم أن صاحب الأيقونة المدشنة بالميرون سوف يكمل حياته- أطال الله عمره- بطهارة وبر وقداسة وبركة ونقاوة وبدون خطأ أو شر أو حتى شبه شر؟ س٤: وهو أخطر سؤال يا آبائى الموقرين الأجلاء: الكاهن أو الأسقف أو البابا أثناء دورته بالشورية المملوءة بالبخور يقف وينحنى أمام أيقونات القديسين بالكنيسة، ويقول مثلا: السلام لك أيها الشهيد مارجرجس.. أو السلام لأبينا القديس الأنبا بولا أول السواح، أو السلام للقديس صموئيل المعترف، فالأول مات شهيدا على اسم السيد المسيح، أما الثانى فلاحقه الموت الطبيعى، والثالث تم تعذيبه كثيرًا ولكنه تمسك بالإيمان المسيحى وأطلق عليه لقب «المعترف». وأسأل الآن عندما أقف بالشورية والبخور يتصاعد منها أمام أيقونة البابا تواضروس، فماذا أقول؟ السلام للقديس؟ أم للشهيد؟؟ أم للمعترف؟؟ من منكم يخبرنى ويوضح للشعب كيفية انتقال البابا تواضروس من العالم، أطال الله عمره، فى ظل ظروف الإرهاب والاستشهاد للكثيرين، فهل سيأخذ هذا الإكليل؟ كلنا نتمنى ذلك الإكليل لنا.. أم لقب «القديس»؟ أم لقب «المعترف»؟ س5: من هم الأساقفة المجهولون بالأيقونة خلف البابا؟ وما مصير الذين لم يحضروا للتدشين؟ وهل أقول لهم أثناء التبخير أمامهم «السلام للأساقفة فقط الذين شاركوا والغايب ملهوش نايب؟». أخيرًا يا إخوتى الأحباء فقد نشرت لكم «والحمد لله حرف ن بدون علامة تشكيل جبنا منى أو حلاوة» بمواقع التواصل الاجتماعى فيديو رائع للبابا شنودة الثالث عندما وجد صورة له داخل إحدى الكنائس «صورة عادية وليست أيقونة» وطلب بإلحاح وإصرار نقلها إلى إحدى القاعات أو المكاتب، معلنًا أنه من الخطأ وجود صورة له داخل الكنيسة وهو على قيد الحياة، ولذلك فقد أرسلت للبابا تواضروس ولبعض الآباء الاساقفة بعض الرسائل بهذا الشأن مطالبا إياهم تصحيح هذا الخطأ الطقسى، وأتمنى تداركه بتواضع وهدوء، وليس فى هذا أى إهانة أو تقليل من الشأن، بل بالعكس فالرجوع للحق فضيلة، وأعتقد أن الاعتراف بالخطأ فى حد ذاته قوة مش كده ولا إيييييه؟؟؟
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة