أعدت الهيئة العامة للاستعلامات تحليلا حول تطور الإرهاب فى مصر والحرب التى تشن ضده من قبل الدولة والمجتمع، خلال السنوات الأخيرة عموماً وعام 2018 المنصرم خصوصاً، جاء فيه أن هناك ثمة تغيرات وتحولات كبيرة ورئيسية بخصوص هذا الملف، تقع كلها تحت عنوان عريض وهو تراجع الإرهاب ودخوله مراحله النهائية.
وجاء فى التحليل، أن الإرهابيين يحتفلون بأعياد رأس السنة على طريقتهم الخاصة بسفك الدماء وإزهاق الأرواح البريئة، متابعا: "هكذا فعلوا قبل يومين بهجومهم الخسيس فى المريوطية بمحافظة الجيزة، والذى أسفر عن وفاة 4 أشخاص من بينهم مصرى وثلاثة سائحين فيتناميين وإصابة 12 آخرين".
وتابع التحليل: لكن القراءة الدقيقة لتطور الإرهاب فى مصر والحرب التى تشن ضده من الدولة والمجتمع خلال السنوات الأخيرة عموماً وعام 2018 المنصرم خصوصاً، تظهر أن هناك ثمة تغيرات وتحولات كبيرة ورئيسية بخصوص هذا الملف، تقع كلها تحت عنوان عريض وهو تراجع الإرهاب ودخوله مراحله النهائية، ويمكننا إجمالها فى الآتى:
فشل الإرهاب فى مصر
أولاً: فشل خطة الإرهاب الرامية إلى خلق حالة من الخوف والهلع والاضطراب المجتمعى بين المصريين. إذ يلاحظ أن العمليات الإرهابية خلقت الأثر العكسى تماما، والذى تمثل فى ردود أفعال المواطنين الإيجابية فى مواجهته، مثل دعم أسر شهداء جريمة مسجد الروضة ببئر العبد، ومواجهة منفذ عملية كنيسة مارمينا بحلوان، وإلقاء القبض عليه، بما يلفت الانتباه لدخول أفراد الشعب البسطاء والعزل على خط المواجهة مع الإرهاب والتصدى له بلا خوف من سلاحه أو وجل من فتكه.
العملية الشاملة ضد الإرهاب
ثانياً: أجبرت العملية الشاملة التى يقودها الجيش المصرى ضد التنظيمات والجماعات الإرهابية على التراجع الكبير فى نشاطاتها وبالتالى فى عدد عملياتها الإرهابية.
فالحصيلة النهائية لها فى عام 2018 كانت الأقل طوال السنوات الخمس السابقة. فقد وقعت خلال 2018 ثمانى عمليات إرهابية فقط، جاءت خمس منها بعبوات ناسفة غير متطورة الصنع، وفشل عدد منها فى تحقيق أهدافه الدنيئة. ويظهر هذا مدى التراجع الكبير لعدد العمليات الإرهابية عام 2018 مقارنة بالأعوام الماضية.
فعام 2014 شهد ما يقرب من 222 عملية إرهابية، تراجعت إلى 199 عملية عام 2016، فى حين لم تتجاوز الـ 50 عملية إرهابية فى 2017. وبالتالى لم يكن عدد ضحايا العمليات الإرهابية كبيراً خلال عام 2018 (مع التأكيد على أن استشهاد أو إصابة فرد واحد هو فى حد ذاته أمر يستوجب الرفض والإدانة) الأمر الذى يثبت نجاح العملية الشاملة التى يقودها جيشنا العظيم، نجاحاً هائلاً.
سيناء.. العملية الشاملة 2018
ثالثاً: أجبرت العملية الشاملة (سيناء 2018) المجموعات الإرهابية على إحداث تغييرات رئيسية فى كيفية تنفيذ عملياتها الإرهابية وفى طبيعة أهدافها، وبدت عملياتها تنم عن ضعف ووهن شديدين. فمن ناحية التنفيذ اضطرت هذه المجموعات الإرهابية فى عام 2017 إلى اللجوء للعمليات الانتحارية، مما يعطى مؤشراً على مدى النجاح الأمنى فى مواجهتهم مما دفع بهم للتضحية بأرواحهم فى سبيل عمليات تثبت فقط أنهم مازالوا موجودين.
وفى عام 2018 عادت هذه التنظيمات فى عملياتها القليلة لاستخدام العبوات الناسفة ضعيفة التأثير والأثر، فضلاً عن فشلها فى تنفيذ عمليتين من العمليات الثمانى التى قامت بها فى 2018.
تدمير البنية التحتية للارهاب
رابعاً: نجحت العملية العسكرية الشاملة (سيناء 2018)، فى تدمير البنية التحتية للعناصر الإرهابية من الأوكار والخنادق والأنفاق ومخازن الأسلحة والذخائر والعبوات الناسفة والاحتياجات الإدارية والمراكز الإعلامية ومراكز الإرسال، واكتشاف وضبط وتدمير أعداد كبيرة من العربات والدراجات النارية وكميات كبيرة من المواد المتفجرة، والأسلحة، والذخائر، والقنابل، والعبوات الناسفة، والقضاء على أكثر من (500) إرهابى، وإلقاء القبض على أعداد كبيرة من الأفراد ما بين عناصر إرهابية وداعمة للإرهاب أو مشتبه فيها بذلك، وعناصر جنائية هاربة من تنفيذ أحكام صادرة عليها، وتم إحالة العناصر الأولى لجهات التحقيق القضائية المسئولة بينما سلمت العناصر الثانية لجهات تنفيذ الأحكام القضائية.
كما تم تدمير العديد من الأوكار والمخابئ التى تستخدمها عناصر الإرهاب للاختباء بها وإخفاء أسلحتهم، واكتشاف وتدمير أكثر من (1200) عبوة ناسفة وأكثر من (1086) عربة و(1000) دراجة نارية و(420) مزرعة للنباتات المخدرة و(120) طناً من المواد المخدرة و(25) مليون قرص مخدر، فضلاً عن اكتشاف وتدمير أكثر من (16) فتحة نفق على الشريط الحدودى بشمال سيناء، فضلاً عن الحد من محاولات التسلل والهجرة غير الشرعية. وقد شملت عملية سيناء الشاملة (سيناء 2018) ليس فقط سيناء، ولكنها امتدت إلى المحاور الثلاثة الاستراتيجية على الحدود الشرقية والغربية والجنوبية للبلاد.
فعلى مدار عشرة أشهر من بدء العملية العسكرية الشاملة سيناء 2018 تمكنت القوات المسلحة من تحقيق العديد من الأهداف الإستراتيجية والتى لها علاقة بالمحاور الثلاثة الخاصة بإستراتيجية مكافحة الإرهاب، وذلك على النحو التالى:
1- على مستوى الرصد والقضاء على قيادات التنظيمات الإرهابية:
تمكنت العملية الشاملة من استهداف العديد من قيادات الصف الاول والثانى بتنظيم بيت المقدس الإرهابى منذ بدئها فى فبراير 2018، وكان آخر نجاح لها فى هذا المجال القضاء على قائد التنظيم أبو أسامة المصرى والعديد من قيادات الصف الأول منهم خيرت سامى السبكى المسئول الإدارى بتنظيم بيت المقدس، والإرهابى محمد جمال مسئول الهيئة الإعلامية للتنظيم، والإرهابى إسلام وئام مسئول جهاز الحسبة، بجانب العديد من العناصر الإرهابية بالتنظيم، وهو ما أثر بشكل مباشر على بنية التنظيم الإرهابى من حيث الفاعلية والقدرة على تنفيذ عمليات إرهابية.
2- تأمين الحدود وتجفيف منابع التمويل المادى والدعم اللوجستى:
تتشكل العملية الشاملة (سيناء 2018) من كافة الأسلحة الرئيسية والأفرع العاملة بالقوات المسلحة مع جهاز الشرطة المصرية، وهو ما جعل من تلك العملية تشمل أبعاداً مختلفة بجانب عملية المواجهة المباشرة مع العناصر والتنظيمات الإرهابية، حيث تمكنت قوات حرس الحدود والبحرية المصرية من إحكام السيطرة على الحدود البرية والبحرية سواء المرتبطة بنطاق العملية شرقى البلاد أو على الحدود الغربية والجنوبية لها، مما أدى إلى إغلاق مسارات نقل الأموال والأسلحة والمعدات والأفراد للمجموعات الإرهابية بشمال سيناء.
3- تعاون أهالى سيناء مع القوات المسلحة والشرطة:
كشفت مذبحة مسجد الروضة ببئر العبد التى قام بها تنظيم ولاية سيناء فى نوفمبر 2017 وأسفرت عن سقوط ما يزيد عن 300 شهيد، عن حماس كبير فى تعاون المواطنين مع أجهزة الأمن المصرية فى مواجهة العناصر الإرهابية فى سيناء، مما ساعد وبشكل كبير فى تمكن هذه الأجهزة من تحقيق ضربات كبيرة فى بنية التنظيم الإرهابى والعناصر المتطرفة، ليس فقط على مستوى قتل قيادات وعناصر من التنظيم، بل التمكن من إفقاد التنظيم والعناصر الارهابية القدرة على التحرك السهل بالمنطقة.
فى المجمل وبتحليل مسار العمليات الإرهابية فى سيناء ونتائج العملية العسكرية الشاملة (سيناء 2018) يمكن استنتاج ملمحين رئيسيين لنجاحها هناك:-
انخفاض عدد العمليات الإرهابية
أ- حدوث انخفاض كبير فى عدد العمليات الإرهابية فى سيناء خلال عام 2018 مقارنة مع الأعوام الأربعة السابقة عليه، بجانب تراجع كبير فى العمليات الإرهابية الكبرى من حيث الكيف والتى كانت تشهدها سيناء خلال الأعوام السابقة وخصوصاً خلال عامى (2015/2016).
تراجع العمليات الإرهابية
ب- تزامن مع تراجع العمليات الإرهابية تراجعا واضحا فى عدد الشهداء من قوات الجيش والشرطة فى سيناء خلال عام 2018 مقارنة مع الأعوام الأربعة السابقة عليه.
انهيار تنظيمات الإخوان الإرهابية وفشلها فى مواصلة جرائمها
خامسًا: تمكنت الأجهزة العسكرية والأمنية، وخصوصاً القوات الشرطية، فى العمق المصرى (الوادى والدلتا) خلال عام 2018 من تحجيم وإضعاف بنية التنظيمات الإرهابية الجديدة التابعة لجماعة الإخوان والمتمثلة فى تنظيمى حسم ولواء الثورة، نتيجة الضربات الاستباقية التى قامت بها سواء من حيث القبض على عناصرها أو استهداف أماكن تجمعها ونقاط ارتكازها وخصوصا فى الظهير الصحراوى الغربى وبعض المدن الجديدة على أطراف القاهرة.
وعلى الجانب الآخر أتى الحد من تمويل هذه التنظيمات بتمكن البنك المركزى والجهات الأخرى المعنية من وضع العديد من الإجراءات والسياسات المالية التى أحكمت الرقابة على تحويلات الأموال من الخارج إلى الداخل المصرى، بجانب تحفظ الدولة المصرية على أغلب المنشآت الاقتصادية والتجارية التابعة لجماعة الإخوان المسلمين، وهو ما قلل بشكل كبير من الموارد المالية اللازمة للقيام بعمليات إرهابية بما أدى إلى انخفاض معدلاتها فى مصر خلال عام 2018 مقارنة بالأعوام الأربع السابقة عليه.
كذلك فقد اختفى أيضاً فى عام 2018 تنظيم لواء الثورة، والذى أعلن عن نفسه فى شهر أكتوبر عام 2016 بعد قيامه بعملية اغتيال العميد أركان حرب عادل رجائى، ولم ينفذ فى عام 2017 سوى عملية واحدة أخرى، وذلك بعد تلقيه ضربات موجعة قتل فيها أغلب قادته وتم القبض على آخرين منهم ومن أعضاءه.
سادسًا: انعدام استهداف بنية الدولة مثل (شبكات الكهرباء والمياه،.. الخ) والمنشآت الاقتصادية خلال عام 2018 وخصوصا فى العمق المصرى (الوادى والدلتا)، كما كان يحدث من قبل التنظيمات الإرهابية خلال الأعوام السابقة عليه.
سابعاً: اعتمدت أغلب العمليات الإرهابية فى عام 2018 على العناصر العشوائية أو ما يطلق عليه (الذئاب المنفردة)، حيث ظهرت ملامح هذا المسار خلال بعض العمليات الإرهابية التى حدثت نهاية عام 2017 مثل الهجوم على محل لبيع الخمور بمنطقة العمرانية بمحافظة الجيزة والتى أسفرت عن سقوط ضحيتين من المدنيين ثم العملية الأخيرة فى المريوطية.
الضربات الاستباقية ... كلمة السر فى إجهاض خطط الارهابيين
ثامناً: ضمن التأثير القوى والمباشر للعملية الشاملة (سيناء 2018)، فقد شهد عام 2018 قيام وزارة الداخلية، بتنفيذ سلسلة من العمليات الأمنية الناجحة، قام خلالها رجال الشرطة بعمليات استباقية أجهضت مخططات الإرهابيين فى مهدها استنادا إلى كفاءة عالية فى التتبع والملاحقة وجمع المعلومات:
ففى أبريل 2018 تمكنت أجهزة الأمن من قتل 7 من عناصر داعش بالظهير الصحراوى الشرقى بأبنوب.
وفى 22 يونيو تم استهداف وكر للإرهابيين، مما أسفر عن مقتل سبعة عناصر إرهابية متورطة فى استهداف دور العبادة المسيحية.
وفى 28 يونيو من تمكنت القوات من قتل 6 إرهابيين متورطين فى محاولة اغتيال مدير أمن الإسكندرية.
تم مداهمة وكر إرهابى فى يوليو 2018، مما أسفر عن مقتل 6 عناصر إرهابية فى ديروط بمحافظة أسيوط.
وفى 27 أكتوبر تمكنت قوات الأمن من قتل 13 إرهابياً فى الكيلو 74 بطريق أسيوط ـ الخارجة.
وفى 4 نوفمبر أسفرت المواجهات الأمنية عن مقتل 19 إرهابيا فى محافظة المنيا قبل تنفيذهم أعمالاً تخريبية.
وفى 28 نوفمبر أسقطت أجهزة الأمن خلية إرهابية فى سيناء، حيث أسفرت هذه العملية عن مقتل 11 إرهابيا وضبط 6 آخرين، وضبط أجهزة لاسلكى.
وفى 8 ديسمبر أسقطت الشرطة الخلية المسئولة عن الهجوم الإرهابى على حافلة الأقباط المتوجهة لدير الانبا صموئيل فى بداية نوفمبر السابق، وأسفر ذلك عن مقتل 19 إرهابياً متورطين فى استهداف الحافلة اختبئوا فى الظهير الصحراوى الغربى لمحافظة المنيا.
فى 23 ديسمبر تمكن قطاع الأمن الوطنى من رصد بؤرة إرهابية تخطط لتنفيذ سلسلة من العمليات الإرهابية ضد المنشآت الهامة والحيوية ورجال القوات المسلحة والشرطة بإحدى المناطق النائية بمدينة العريش. وبمداهمة تلك البؤرة حدث اشتباك بإطلاق النيران مع العناصر الإرهابية لبضعة ساعات أسفر عن مقتل 14 من العناصر الإرهابية، وعثر بحوزتهم على العديد من الأسلحة النارية والذخائر والعبوات الناسفة.
وفى 29 ديسمبر، وبعد ساعات من حادث المريوطية الإرهابى، داهمت وزارة الداخلية، عدداً من الأوكار الإرهابية بمحافظتى شمال سيناء والجيزة، ووجهت عدة ضربات أمنية لعناصر إرهابية كانت تجهز لتنفيذ سلسلة من العمليات العدائية، تستهدف مؤسسات الدولة خاصة الاقتصادية ومقومات صناعة السياحة، ورجال القوات المسلحة والشرطة ودور العبادة المسيحية، مما أسفر عن مصرع 40 إرهابياً فى تبادل لإطلاق النار.
لقد تضاعفت جهود مكافحة الإرهاب فى مصر، وحققت نتائج كبيرة ومؤثرة قصمت ظهر الارهابيين وأجهضت مخططاتهم، فتراجع عدد العمليات الارهابية وعدد ضحاياها وآثارها فى عام 2018 إلى أقل مستو منذ نحو 5 سنوات، وهو نفس العام (2018) الذى شهد فيه عدد كبير من دول العالم عمليات إرهابية متنوعة المصادر والضحايا.