يقلب كتاب (المشھد التاريخي: كيف يرسم المؤرخون خريطة الماضي) لـ جون لويس جاديس، ترجمة شكري مجاهد، والصادر عن دار نشر منتدى العلاقات العربية والدولية، الجدل القديم بین العلم والتاريخ رأسا على عقب، ملقیا نظرة فاحصة على مھنة المؤرخ وإشكالاتھا، ومقیما الحجة على أھمیة الوعي التاريخي وضرورته في عالم الیوم.
ويجادل جون لويس غاديس بأن المنھج التاريخي أعقد بكثیر مما يدركه حتى المؤرخون أنفسھم، مع أنه لا يصعب فھمه أو تفسیره. فكما يرسم علماء الخرائط المشاھد الجغرافیة مكانیا، يتمثل المؤرخون ما لا يستطیعون استعادته زمانیا، وبفعلھم ذلك يجمع المؤرخون بین منھجیات الفنانین والجیولوجیین وعلماء الحفريات وعلماء الأناسة والأحیاء التطورية؛ وتتوازى مقارباتھم بأشكال مثیرة مع علوم الفیزياء الحديثة ونظريات الفوضى والتعقید ونظمھا؛ ولا تشبه كثیرا ما يحدث في العلوم الاجتماعیة، حیث يبدو البحث عن متغیرات مستقلة في نظم ساكنة منفصلا عن عالم الواقع كما نعرفه.
من يستحق أن نخلع علیه أو نخلع عنه صفة العلمیة؟ يتقصى غاديس ھذا السؤال أيضا، على طريقة مارك بلوخ وإي.إتش كار، وبأسلوبھما الساحر، فیبقى كتابه المشھد التاريخي في آن مقدمة جذابة في المنھج التاريخي للمبتدئین، وتأكیدا لفاعلیة ھذا المنھج وقوته وكفاءته بید ممارسیه المختصین، وتحديثا صارخا لعلماء الاجتماع والعلوم الطبیعیة ونقدا لاذعا لادعاءات ما بعد الحداثة بأننا لا نستطیع معرفة شيء عن الماضي.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة