كنا فى عام 2007، حين بدأ التفكير فى تأسيس مؤسسة صحفية حملت اسم «اليوم السابع»، ولاختيار هذا الاسم قصة، سيأتى ذكرها لاحقا.
جاء التفكير فى وقت كانت الأسئلة مطروحة حول مستقبل الصحافة فى مصر بشكلها ومضمونها، بالرغم من انفجار الإصدارات الورقية التى أقدمت عليها المؤسسات الصحفية الرسمية منذ تسعينيات القرن الماضى، واصطفت إلى جانب الإصدارات التقليدية التى اعتاد عليها جمهور القراء منذ عقود، يعود بعضها إلى نهايات القرن التاسع عشر كجريدة «الأهرام» ومؤسسة «دار الهلال».
كان الحالمون بنهضة الصحافة وإمكانية الإبقاء على تأثيرها بزخمه القديم يشعرون بأنهم يكسبون جولة تدعم حلمهم، منذ أن أعطت الحكومة قبل سنوات مساحة لا بأس بها فى حرية إصدار الصحف، بأطر قانونية تسمح بتكوين شركات تصدر صحف أسبوعية ويومية، مما يؤدى إلى وجود صحف مستقلة لها حرية اختيار الرؤية السياسية والفكرية التى قد تتوافق، أو لا تتوافق مع رؤية النظام الحاكم.
وبحسابات كثيرة فإن هذا التحول كان وقتها مكسبا لا يستهان به، لأسباب متنوعة، فإصدار صحيفة جديدة كان يعنى رفع السقف فى مجال حرية الكلمة لمن يسعون إلى ذلك، وكان يعنى مجالا أرحب لنقل نبض الناس بمشاكلهم وقضاياهم، وكان يعنى فتح مجال العمل أمام مئات من خريجى كليات الإعلام وأقسامه فى جامعات مصر، والمعجونين بموهبة الصحافة.
كان يعنى ثراء فكريا وثقافيا وسياسيا فى وقت كانت الشكوى ترتفع من ضعف الأحزاب بعدم وصولها إلى عامة المصريين فى القرى والنجوع، وتراجع الحوار الفكرى الجاد بين نخب المجتمع التى من المفترض أن تقوده إلى الأمام، وتزايد سطوة القوى الإرهابية التى تنسب نفسها إلى الإسلام، ممثلة فى جماعة الإخوان والجماعة الإسلامية وتكوينات أخرى، وكان لهؤلاء صداهم فى التغطيات والمتابعات الصحفية بحجج مختلفة.
فى هذا السياق شهد سوق الصحافة إصدارات أسبوعية مستقلة منذ منتصف التسعينيات من القرن الماضى، وظل تفكير إنشاء صحف جديدة منصرفا تقريبا إلى «الأسبوعيات» وفقط، حتى جاء عام 2004 ليشهد إصدار «المصرى اليوم» كجريدة يومية، وبعد فترة قصيرة استطاعت أن تقلب الموازين فى سوق الصحافة، مما جعل التحدى مطروحا حول.. هل يمكن الإقدام على إصدار صحف يومية أخرى؟، وما هو الجديد الذى يمكن أن تقدمه؟
خط أحمر.. أسبوعية وموقع
هكذا كانت الأسئلة، لكن إجابتنا عليها حملت تحديا مختلفا، وأول سطر فى هذه الإجابة تم كتابته فى اليوم الذى تلقيت فيه تليفونا من الصديق الأستاذ خالد صلاح يطلبنى للقائه على وجه السرعة، وفى اللقاء أخبرنى فيه بمشروعه الجديد، مشروع مؤسسة صحفية تصدر جريدة أسبوعية، وموقعا إلكترونيا، واختيارى مديرا للتحرير، كان الحديث عن «موقع إلكترونى» جديدا على مسامعى، فسنواتى السابقة فى العمل الصحفى كانت فى الصحافة الورقية.
أطلعنى «خالد» على تصور سريع مكتوب عن مشروعه، وخطوات تأسيسه، وأسماء يرشحها هم، الأساتذة الأصدقاء، عبدالفتاح عبدالمنعم، دندراوى الهوارى، حنان حجاج، وتواصلت اللقاءات للتشاور دون الإعلان رسميا، ودون الاستقرار على الاسم الذى سيكون للجريدة والموقع الإلكترونى، غير أنه كان هناك ترشيح مبدئى للاسم باقتراح من «خالد» لاسم «خط أحمر»، وبالرغم من أن الاسم يبدو للوهلة الأولى غريبا وصعبا على الأذن، إلا أن اختياره لم يأتِ من فراغ، وإنما جاء رد فعل على واقع كان مطروحا بقوة وقسوة وقتئذ، حيث كان مطروحا على الساحة قضايا سخيفة تنال من صميم الوحدة الوطنية، وتؤدى إلى توتر فى العلاقة بين المسلمين والأقباط، ولم يقتصر الأمر فيها على مجرد الجدل فى قضايا نظرية، بل تخطاها إلى ما هو أقسى، وذلك بتكرار العمليات الإرهابية ضد الأقباط، ولأن صميم الأمن القومى فى مصر يبدأ من الحفاظ على التماسك الوطنى، وقطع يد من يعبث فى صميم العلاقة بين المسلمين والأقباط، رأى خالد أن هناك من يعيش بيننا ويكسر عمدا فى الثوابت التى اعتدنا عليها للحفاظ على وحدتنا الوطنية، ومن هنا رأى إطلاق «خط أحمر» تنبيها، وإنعاشا، وتحذيرا، وضربا بيد من حديد إلى كل من يعبث فى أمن مصر.
لم يقتصر «خط أحمر» على قصدية العلاقة بين المسلمين والأقباط، بل تخطاها إلى أشياء أخرى تتعلق بالنظرة إلى أمننا القومى الخارجى، هكذا كان التفكير لكنه بقى بين الجدران، حتى خرج إلى العلن فى حلقة تليفزيونية مع الإعلامية منى الشاذلى فى برنامجها «العاشرة مساء»، دار جانب منها حول مشروعات صحفية مزمع تأسيسها، وتحدث فيه «سمير رجب» عن مشروعه «24 ساعة» كجريدة يومية «تابلويد» توزع بالمجان، وتحدث خالد عن مشروعه «خط أحمر»، وكان هذا أول إعلان رسمى عن المشروع الجديد بما سيشمل من صحافة ورقية وإلكترونية، وأول إفصاح عن الاسم بمبررات اختياره.
تواصلت المشاورات والمناقشات، وبدأت رحلة البحث عن الأسماء التى ستتحمل عبء التأسيس، وبالتوازى مع ذلك كان هناك لقاءات يومية ليلية يمتد بعضها إلى الساعات الأولى من الصباح مع قامات سياسية وفكرية وصحفية وفنية، منهم، الكاتب الصحفى الكبير الراحل محمود عوض، الشاعر أحمد عبدالمعطى حجازى، الدكتور مصطفى حجازى، إبراهيم عيسى، الإعلامى خيرى رمضان، الشاعر إبراهيم داود، الإعلامى أحمد المسلمانى، الكاتب الصحفى ياسر أيوب، وكنا على تواصل مع قامات مثل، خيرى شلبى، محفوظ عبدالرحمن، أسامة أنور عكاشة، إبراهيم أصلان، صلاح عيسى، إبراهيم عبدالمجيد، وآخرين.
كنا نستمع أكثر مما نتحدث، كان خالد يطرح تصوره عن مشروعه بترتيب محرضا كل ضيف على الحديث، فربما ينتهى ذلك إلى فكرة صحفية جديدة، وهو ما حدث فى بعض الأحيان، وحدث مع اسم «خط أحمر» نفسه، وتلك قصة تستحق أن تروى.
«اليوم السابع»
فى لقاء مسائى امتد حتى الساعة الثانية صباحا دعا خالد صلاح إليه كلا من، مجدى الجلاد، إبراهيم داود، محمود الكردوسى، الفنان خالد النبوى، سعيد الشحات، عبدالفتاح عبدالمنعم، ووليد مصطفى رئيس مجلس إدارة المشروع الجديد الذى لم يكن يتدخل فى أى شىء يتعلق بتكوين الصف الصحفى سوى بالمباركة.
وتنوع الحديث فى هذا اللقاء، حتى أخذه «خالد النبوى» إلى موضوع الاسم، كان «النبوى» متوهجا فى هذه الليلة بالرغم من حضوره متأخرا بعض الشىء، وفيما كان يجهز سيجاره للتدخين، تحدث عن حماسه للإصدار الجديد وفقا لتصورات وطموح خالد حسبما أكد، وأضاف: «بصراحة اسم «خط أحمر مش عاجبنى»، وكانت هذه الملاحظة مفتتحا لأن يدلوا الحاضرون بدلوهم: «الشاهد، المشهد، اليقظة، صاحبة الجلالة، اليوم السابع، كل يوم، أخبار الأسبوع، آخر الأسبوع».
لفت اسم «اليوم السابع» الأنظار، لكن أثيرت ملاحظة حول أن هذا الاسم كان لمجلة أسبوعية صدرت من باريس فى منتصف الثمانينيات من القرن الماضى، ومحسوبة على منظمة التحرير الفلسطينية، وذاع صيتها فى الأوساط الثقافية والسياسية العربية بنشرها لمراسلات بين الشاعرين الفلسطينيين الكبيرين، محمود درويش، وسميح القاسم، وبالرغم من أنها توقفت فى مطلع التسعينيات كنتيجة لغزو العراق للكويت، فإن الحديث دار حول منطقية أن يحمل المشروع اسما كان لمطبوعة أخرى والمخاوف من تفسيرات مغرضة قد تنشأ بسبب ذلك، لكن عبر الجميع على تلك المخاوف واستراحوا للاسم الجديد «اليوم السابع»، وبالمصادفة تلقى «خالد النبوى» تليفونا من زوجته، وأثناء حديثهما أبلغها بضحكته: «خلاص خالد استقر على اسم «اليوم السابع» على مشروعه الجديد».
هكذا بدأت أول إطلالة للاسم الجديد، غير أننا فوجئنا بحالة غضب شديدة من الكاتب الكبير «محمود عوض» بالرغم من أنه كان مرجعيتنا القيمة فى المشروع وكنت دائم الاتصال به، وكان جهدنا معه يتركز على إقناعه بالكتابة مع أول عدد، وينقل مقاله فى نفس اليوم على الموقع الإلكترونى.
غضب أستاذنا لأن اسم «اليوم السابع» هو اسم كتابه الجديد الذى يدور حول «حرب الاستنزاف»، تلك التى خاضها ببطولة رائعة جيشنا المصرى العظيم ضد إسرائيل بعد نكسة 5 يونية 1967 حتى توقفت بمبادرة روجرز فى أغسطس 1970، ورأى «عوض» أن هذا سيكون حرقا لكتابه وسبقا له سطونا عليه، واحتاج هذا إلى مناقشات وتوضيحات ولقاءات معه انتهت بأنه اعتبر الاسم إهداء منه للمشروع الجديد الذى يتصدى له شباب يحلمون بالكثير، ويثق فى كفاءتهم المهنية، وهكذا تم العبور على هذه المشكلة التى أقلقتنا لأيام لأنها تخص أستاذا كبيرا وقيمة صحفية نادرة لم يبخل علينا بنصحه.
فى طريق التداول والتشاور بشأن المشروع، كانت هناك تحديات طرحها البعض بمحبة، وطرحها آخرون بمبالغة، وفى هذا المجال دار الكلام حول:
ثلاثة تحديات
- تحذير من الإصدار الأسبوعى، واتفاق تقريبا بين الجميع على أن الفرصة ضاعت تقريبا على الإصدارات الأسبوعية، لأن «المصرى اليوم» عملت حالة جديدة وهى: «اليومى بحالة أسبوعية»، أضف إلى ذلك أن برامج «التوك شو» على الفضائيات، تحرق الأخبار أولا بأول، وتتوسع فى التغطية بفقراتها الحوارية التى تدور غالبا حول أهم أحداث اليوم، كان الكل يسأل: «ولماذا تصرون على البدء بالأسبوعى، لماذا لا تكون البداية بإصدار يومى؟»، وكان خالد يرد بأسانيد ترفض التسليم بمقولة «موت الصحافة الأسبوعية»، وفى نفس الوقت يؤكد أنها طريقنا إلى الإصدار اليومى.
- أما التحدى الثانى فكان حول الموقع الإلكترونى، وفى هذا التوقيت كان هناك موقعان هما «محيط» و«إيلاف»، وبالرغم من شهرتهما النسبية، إلا أنهما افتقدا إلى التنوع الصحفى المشبع، كما أن الحالة الصحفية التى تقوم على حالة «الخبر لحظة بلحظة» فيهما لم تكن موجودة، ومع ذلك لم يفكر أحد جديا باقتحام الصحافة الإلكترونية بحرفية الصحافة الورقية، حتى كان تفكير ومبادرة خالد صلاح.
كان خالد يطرح كلامه فى هذا الأمر مسلحا بزيارات لكبرى دور الصحف الغربية التى سبقتنا فى هذا المجال، وكان يتحدث بفهم عالٍ لجديد تكنولوجيا الاتصالات المتعلقة بحلمه، وبدا فى كثير من الأحيان أنه يغرد وحيدا فى هذا الأمر، وأن لا أحد يذهب إلى نفس رهاناته بأن المستقبل للصحافة الإلكترونية.
كان يتحدث مثلا عن حدث يقع فى قرية أو نجع ويتم بثه حالا إلكترونيا مما يحقق أكثر من فائدة فى وقت واحد، فلو كان يحمل مشكلة ما، سيكون جرسا ينذر المسؤولين، وفى حال معالجته فورا ستكون الصحافة قد حققت دورها الذى ينتظره الناس، غير أن الرد على هذا الطرح كان فى الغالب من عينة: «مسألة صعبة.. المواطن المصرى مش متعود على هذا.. المصريون تعودا على الصحافة الورقية».
لم يستسلم خالد لهذا المنطق، كان يرد بإحصائيات عن تراجع توزيع الصحف لصالح ارتفاع نسبة مشاهدة برامج التوك شو على الفضائيات، وأن الصحافة الإلكترونية وحدها القادرة على منافسة هذه المشاهدة وبالتالى استعادة جمهورها، وكان يرد أيضا بإحصائيات عن نسب توزيع السكان، كفئات اجتماعية موزعة على القرى والمدن، ومقسومة بين شباب وشيوخ وامرأة ورجل، وارتباط هؤلاء بالتكنولوجيا، وتوقعاته بأن يكونوا جمهورا للصحافة الإلكترونية خاصة الشباب بالدرجة الأولى، شرط تقديم الخدمة بجودة وفهم وجاذبية.
خلاصة ذلك أن التفكير فى الصحافة الإلكترونية وإنشاء موقع «اليوم السابع» كان مقرونا باستعدادات ودراسات، واطلاع على تجارب غربية رائدة، والأهم حلم وإرادة، وكان اختيار العنصر البشرى أساسا لكل ذلك.
- كان اختيار العنصر الصحفى هو التحدى الثالث، لأن الأمر يرتبط بصحافة ورقية وإلكترونية، والجميع بينهما لم يكن يسيرا وقتئذ، بما يشمل ذلك من قدرات فى الكتابة والحركة والسرعة، لأن السبق فى الصحافة الإلكترونية يتم حسابه بالثوانى قبل الدقائق، ومن هنا جاء التفكير بالاستعانة بخريجين جدد يتم تدريبهم فى هذا المجال، وليس من قبيل المبالغة التسليم بأن لـ«اليوم السابع» الفضل والريادة فى ذلك.
عبرنا التحديات الثلاثة.. وبدأت العجلة فى الدوران.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة