لا توجد أمة بدون معامل تفكير قوية «Think Tanks»، تتمثل فى مراكز الدراسات والأبحاث التابعة للجامعات والمؤسسات العلمية والصحف، أو تلك القائمة بذاتها كمؤسسات مجتمع مدنى تعمل على جمع وتصنيف المعلومات وإعداد الدراسات والبحوث التى تناقش قضايا الحاضر، وتحلل مشكلات المجتمع والدولة، أو تجرى دراسات مستقبلية تؤهل فيها الإدارات السياسية للدول على تصور مشكلات المستقبل، ووضع حلول استباقية لهذه المشكلات لتكون الأمم مستعدة لعواصف الزمن أو تغيرات الجغرافيا أو تقلبات الصراعات الإقليمية والدولية.
قل لى أنت، ما مراكز الدراسات الحالية التى يمكن أن نضع فيها هذه الثقة بالكامل، أو تقوم بهذا الدور على الوجه الأكمل؟
فى الماضى كانت لدينا بعض المؤسسات التى أتيح لها تمويل ملائم، مثل مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية فى الأهرام، ثم طرأ على المركز موجات من حقبة التمويل الخارجى للأبحاث، ثم بدأ هذا التمويل الخارجى ينفصل عن المركز الأم ويميل بعض الباحثين إلى تأسيس مراكز دراسات مستقبلية معتمدة على التمويل الخارجى، وبدلا من أن يتدفق التمويل على مؤسسة كبرى لتنمو وتزداد ازدهارا، فضل بعض الباحثين فى هذا المركز أن يستقلوا بمشروعات ومراكز صغيرة لم تظهر لها بصمة حقيقية علمية، أو حتى إعلامية، كما بدأت هذه المراكز تعمل فى خدمة جهات التمويل فتناقش القضايا التى يظن الممولون أنها الأولى بالرعاية.
لم يعد مركز الدراسات هو هذه المنارة العلمية الساطعة التى كان الناس تنظر إليها بكل التقدير فى الماضى، ولم تعد المراكز التى أسسها باحثون فى هذا المركز بتمويلات خارجية لها أى قيمة بعد أن نظرت إلى البحث العلمى «كوظيفة تدر دخلا كبيرا»، وليس كدور وطنى ينير للأمة ظلمات الحاضر والمستقبل، والنتيجة أننا لم نعد نرى دراسة وافية شاملة وجامعة ومانعة لأى من قضايانا بعد 30 يونيو مثلا، ولم نعد نرى قامات علمية تؤسس آراءها السياسية والاقتصادية على منهج واضح يعتصم به قادة الرأى ونواب البرلمان والصحفيون والكتاب وغيرهم من الذين يمارسون العمل العام، أو يتولون عملية الاتصال الجماهيرى بصوره المختلفة.
النتيجة أننا نعمل وننشر ونكتب ونتكلم أكثر مما نفكر فى الحقيقة.
نتحرك أكثر مما نتأمل، نصرح أكثر مما ندرس، نكتب آراء فى الصحف، أو نعلن، نشارك فى الصخب التليفزيونى أكثر مما نقف أمام حقيقة أو معلومة أو دراسة علمية محايدة تصنف لنا الحقائق، أو تتأمل لنا الحاضر، أو تضع سيناريوهات حركة الأمة فى المستقبل.
والنتيجة أيضا أن مراكز الدراسات الغربية فتحت على بلادنا بورصة «الدراسات مدفوعة الأجر»، و«الأبحاث سابقة التجهيز حسب رغبة الممولين أيضا»، دون أن تكون لدينا مراكز دراسات مستنيرة ووقورة ولها حضور دولى فاعل ومصداقية فى الأوساط الأكاديمية يمكن الاستنصار بها، أو الاستناد على بياناتها، أو المواجهة بما توصلت إليه من نتائج علمية.
نحن فى حاجة إلى إعادة نظر فى أوضاع مراكز الدراسات المصرية، خاصة فى المؤسسات الوطنية، مثل مركز الأهرام للدراسات الذى تعلمنا فى مدرسته فى الماضى، ونحن فى حاجة أيضا إلى توجيه كثير من التمويل الوطنى الموجه للإعلام نحو تأسيس مراكز دراسات حقيقية، لا مشروعات وظيفية وهمية، أو «سبوبة» متطورة تحت مسمى علمى، وهى فى الحقيقة لا تختلف عن الصحف العامة بأجندتها الصاخبة بالتفاصيل والاشتباكات.
نحتاج لمن يفكر معنا، ويفكر لنا، ونحتاج لمن يدرس لنا السيناريوهات، ويضع جداول المقارنات بين ما كنا عليه، وما نحن عليه، وما ينبغى أن نكون عليه، نحتاج إلى عقول تكشف لنا الطريق على صعيد كل مؤسسات الدولة، وعلى صعيد المجتمع بقطاعاته المتعددة، نحتاج لمراكز تعمل بقواعد علمية كمنارة حقيقية كاشفة للأمة.
مراكز الدراسات ومعامل الفكر ليست عملا ترفيهيا فى أمة مثقلة بالتحديات مثل أمتنا، والاستثمار فى هذا النوع من المراكز هو استثمار يؤتى ثماره بقوة، ويمنع أزمات محتملة، ويساهم فى تطوير أداء الدولة والمجتمع.
تعالوا ندرس كيف أثر التمويل الخارجى على وضع مراكز «كانت مرموقة» فى الماضى.
وتعالوا نذاكر كيف يمكن أن نؤسس مراكز دراسات تكون مصر ومصالحها العليا على رأس أجندة أولوياتها فى العمل.
وتبقى مصر من وراء القصد.
عدد الردود 0
بواسطة:
حفاة الوطن
اتمنى ان يكون لدينا مركز ابحاث سياسية يراسه شخصية وطنية كبيرة مثل الاستاذ عماد اديب
اعتقد ان الشخصية الاقرب لادارة مثل هذا المركز شخصية لديها دراية بالاحداص الخارجية والداخلية ولديه القدرة على تحليل هذه الاحداث بموضوعية بعيدا عن اى مجاملات بهدف معرفة الحقيقة والتغلب على السلبيات حتى لاتتكرر مرة اخرى ويحدث تخبط في اتخاذ القرار فالمعلومات السليمة تؤدى الى قرار سليم والخاطئة تؤدى الى كوارث
عدد الردود 0
بواسطة:
سمير
الدور المنتظر لمراكز الفكر
-1-تحديد المشاكل ورصد ملامحها وتقديم مقترحات بالحلول -2-تلبية احتياجات التنمية من خلال نظرة مستقبلية شاملة -3-الاعتماد على فريق عمل يعكس الخبرة