أدعو أحزابنا المصرية أن تتأمل ما جرى فى ألمانيا الأسبوع الماضى، فالمستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، اختارت «تقريبا» من سيخلفها فى قيادة الحزب المسيحى الديمقراطى الألمانى، ميركل عينت السيدة انجريت كرامب كارينباور، رئيسة حكومة سارلاند الصغرى فى منصب أمين عام الحزب المسيحى، وهو أقوى منصب تنفيذى داخل الحزب على الإطلاق، وطبيعى أن يؤدى هذا الاختيار الحزبى إلى تحديد شكل المنافسة المستقبلية على قيادة ألمانيا نفسها وتولى منصب المستشارية بعد رحيل ميركل.
السيدة «انجريت كرامب كارينباور» تتمتع بصفات سياسية مميزة وتلقبها الصحف الألمانية «ميركل سارلاند»، إيمانا من الإعلام الألمانى أن كارينبور لديها نفس مقومات القيادة للبلاد، وهو تمهيد مهم وتدريب استباقى على القيادة وإدارة الدولة.
نحن هنا أمام درسين أساسيين:
الدرس الأول: إن ميركل تعتبر إحدى مهامها فى القيادة هو تجهيز قيادة بديلة لها حزبيا ورسميا، وهو ما أتمته بالفعل عبر رعايتها لكارينباور وتجهيزها لقيادة الحزب على مراحل متتالية، وهو درس ينبغى أن يتعلمه قيادات الأحزاب المصرية التى لم يثبت يوما أنها أفرزت قيادة شابة من داخل أحزابها، فما نسمعه هنا هو النفسنة والانشقاق والصراعات، لا البناء والتخطيط والمؤسسية وتسليم القيادة لجيل شاب.
الدرس الثانى: إن تداول السلطة ليس نزهة فى عالم السياسة، تداول السلطة يتم عبر التدريب المستمر فى المناصب، والتأهيل التام للكواد السياسية، فالسيدة كارينباور لم تقفز إلى المناصب، لكنها أثبتت جدارة فى العمل الحزبى، ثم خاضت انتخابات فى الإدارة المحلية، ثم تولت قيادة حكومة إقليم لمقاطعة صغيرة، ثم تصدرت مشهد قيادة الحزب المسيحى الألمانى.
كارينباور هنا لم تتولَ السلطة بتغريدات على تويتر أو بحوار «شتائمى» على شاشة تليفزيون أو بالمشاركة فى مظاهرة تستهدف الفوضى، على العكس، احترمت انجريت كرامب كارينباور القواعد الحزبية وأسهمت فى إدارة نمو بلادها، وتدرجت خطوة بخطوة، وليس مستبعدًا أن تحصد هذا العمل التراكمى فتصبح هى المستشارة الألمانية الجديدة لاحقًا.
أحزابنا فى حاجة لأن تتعلم ذلك، شبابنا يحتاج إلى تأمل آليات الصعود السياسى فى أقوى بلدان أوروبا، نحتاج إلى تعلم كيف يتم تداول السلطة، وكيف تثق أمة فى تسليم السلطة لقيادات مدربة ومؤهلة للحكم، لا للطفيليات السياسية، التى تظن أن الحكم لعبة نتنازع عليها ولا نفوز بها إلا بالصوت العالى، وتجريح الأشخاص وضرب مصالح الأوطان.
لو كنت رئيس أى من الأحزاب السياسية المصرية فسأقرر فورا إرسال وفد للقاء كارينباور والتعرف على تجربتها، والاطلاع على آليات صناعة القيادات السياسية فى الأحزاب الكبرى فى أوروبا، ولو كنت رئيس أى من الأحزاب المصرية سأدعو كارينباور إلى القاهرة لتحاضر شباب الأحزاب، وأؤسس لعلاقة مبكرة مع هذه القيادة الألمانية الشابة الواعدة.
لا ينبغى أن ننتظر حتى تصبح المستشارة فعليًا وتتولى قيادة ألمانيا، نستطيع أن نفهمها وتفهمنا الآن على نحو أفضل قبل أن تتغير الصفات وتتبدل الضغوط والتوازنات.
أمامنا فرصة أن نتعلم.
وأمامنا أفق للتواصل المبكر.
تعالوا نذاكر ما يحدث، ونفهمه بدقة ونطبقه بتروٍ.
وتبقى مصر من وراء القصد.