- شركات أجنبية من دول أخرى لها أجندتها رفضت امتياز حقل "ظهر"
-رئيس الشركة قال لى "أنا مذهول من سرعة الاتفاق والإنجاز"
عملا بمبدأ عدم نكأ الجروح آثر السفير المصرى السابق فى إيطاليا عمرو حلمى، عدم الخوض مجددا فى قضية مقتل الباحث الإيطالى جوليو ريجينى، باعتبارها كانت جُرحا غائرا فى جسد العلاقات المصرية الإيطالية التى بدأت تتعافى، ومنعا من أن يُعيد الحديث إحياء الذكريات الأليمة لدى بلدان بينهما علاقات استراتيجية عميقة.
السفير حلمى الذى عاصر وقائع أحداث سياسية مهمة على مدار الأربع سنوات الماضية بين البلدين بداية من ثورة 30 يونيو، ومرورا بقضية ريجينى والنجاح فى التعاون الاقتصادى عبر حقل «ظهر»، اعتبر أن البلدين حليفين استراتيجيين بينهما علاقات راسخة لايمكن أن تهتز لأزمة عابرة، فى حين رأى أن التناول الإعلامى غير المسؤول لبعض تلك الأزمات فى كثير من الأحيان أضر بالعلاقات.
وكشف السفير عن أن هناك أطرافا إقليمية حاولت ضرب العلاقات أكثر من مرة بعد أن أعلنت إيطاليا دعمها السياسى والاقتصادى لمصر عقب 30 يونيو، وشدد على أن إنجاز حقل ظٌهر ودخوله حيز الإنتاج فى هذا الوقت القليل، وفى ظل وجود أطراف حاولت ضرب العلاقات يعد قصة نجاح كبيرة للقيادة السياسية فى القاهرة وروما.
وأوضح أن روما كانت من أوائل العواصم الأوروبية التى دعمت مصر عقب ثورة 30 يونيو، واستطاعت التعرف سريعا على حقيقة الأوضاع وأظهرت انفتاحا غير مسبوق على القاهرة فى ظل أوصدت عواصم أخرى أبوابها فى وجه مصر غضبا من إسقاط الشعب المصرى للإخوان، مذكرا بأن إيطاليا كانت أولى وجهات الرئيس عبدالفتاح السيسى الأوروبية والتى كانت بداية لصفحة تعاون جديدة بين البلدين.
بعد مغادرتك لروما التى عاصرت فيها أصعب لحظات مرت فى تاريخ العلاقات بين البلدين.. هل ترى أن القيادة السياسية فى مصر وإيطاليا استطاعت تخطى العقبات التى اعترضت طريق تعاونهما الثنائى؟
نجاح مصر فى إتمام التعاون مع شركة إينى الإيطالية فى افتتاح حقل ظهر يؤكد على عمق العلاقات المصرية الإيطالية، هذا الاتفاق الذى أفشل محاولات مجموعة من الدوائر التى سعت لضرب العلاقات بين البلدين، واستغلال الأزمات الطارئة لوقف التعاون مع الشركة الإيطالية فى هذا الموضوع.
فدخول حقل «ظهر» إلى حيّز الإنتاج قبل الموعد المقدر بـ6 أشهر يعد بمثابة قصة نجاح كبيرة للحكومة ولوزارة البترول المصرية فى التعامل مع أحد أهم نتائج مؤتمر شرم الشيخ الذى أعقبه التوقيع على منح امتياز التنقيب على الغاز لشركة إينى الإيطالية، فبالإضافة إلى الإنجاز الفنى الهائل الذى قامت به وزارة البترول المصرية بالانتهاء من جميع مشروعات البنية الأساسية فى فترة زمنية قياسية والتى ضمنت دخول هذا الحقل إلى حيّز الإنتاج، هناك أيضًا النجاح الذى حققته كل من مصر وإيطاليا وشركة إينى فى إجهاض جميع المحاولات التى قامت بها مجموعة من القوى الدولية والإقليمية لضرب العلاقات المصرية الإيطالية ولوقف تعاون شركة إينى معنا فى هذا المشروع الذى يكتسب أهمية استراتيجية كبيرة تفوق عوائده الاقتصادية الهائلة.
معنى هذا أن مشروع حقل ظُهر كان مهددا بالتوقف؟
طبعا.. كان فى ناس بتحاول تضرب العلاقات كلها لحصار مصر اقتصاديا، وتحقيق هدف يتمثل فى محاولة وقف تعاون شركة إينى مع مصر، ووقف التنسيق المصرى الإيطالى فى ليبيا، ولو لم تكن شركة إينى هى من أخذت الامتياز فى هذا الحقل لما تم هذا المشروع على الإطلاق.
لماذا؟
لأنها شركة إيطالية حكومية ليس لها أى أجندات سياسية خاصة، لذلك استمرت فى عملها وأنجزت المشروع قبل الموعد المقرر، وفى أسرع وقت ممكن، ودخل حيز الإنتاج بالتدريج هذا التطور لم تكن أطراف إقليمية ودولية ترحب به على الإطلاق، وأنا التقيت بالرئيس التنفيذى لشركة إينى كلاوديو ديسكالزى عدة مرات، وقال لى «إحنا توصلنا للاتفاق الخاص بعملية استكشاف الغاز فى شهر ونصف وهذا يأخذ فى دول أخرى سنوات، أنا لم أكن أتوقع أن الحكومة المصرية هتقدر تنجز كل هذا العمل بهذه الكفاءة، أنا مذهول من سرعة الاتفاق والإنجاز فى دول ثانية اتفاق كهذا كان يحتاج لسنين»، فالحكومة ووزارة البترول تعاملت بشكل احترافى.
ولم يكن من الممكن تحقيق هذا الكشف فى هذا التوقيت دون التعاون الوثيق القائم بين مصر وإيطاليا، حيث تحملت شركة إينى الحكومية مخاطر تحقيق هذا الكشف الذى تحقق على عمق 6500 متر تحت سطح البحر، فى الوقت الذى تقاعست فيه شركات أجنبية من دول أخرى لها أجندتها عن الاقتراب من منطقة الامتياز الذى استحوذت عليه الشركة الإيطالية منفردة، خاصة أن إيطاليا كان لها مواقف مغايرة تماما لما شهدته منطقتنا من أحداث، اعتبارا من عام 2011 جسدته فى تعاونها معنابمعدلات إنجاز غير مسبوقة رغم المحاولات التى تمت للإضرار بعلاقاتنا مع أحد أهم الحلفاء الاستراتيجيين لمصر.
متى بدأ غضب بعض الأطراف الإقليمية فى الظهور لضرب العلاقات؟
عند إعلان الاكتشاف فى 30 أغسطس 2015 بعدها بدأت عملية ردود الأفعال، فكان هناك أطراف إقليمية غير سعيدة بالمرة بالتعاون بين مصر وإيطاليا وكان هناك مراقبة مع تململ، لأن هذا الكشف جاء فى وقت حاولت بعض الدول فرض حصار اقتصادى على مصر بعد إزاحة الإخوان من الحكم، وبالتالى فهو جاء ليخفف من الضغط الاقتصادى والسياسى على القيادة السياسية، فضلا عن أهميته الاقتصادية فمصر هى الدولة الوحيدة فى دول المتوسط التى لديها اكتشافات غاز طبيعى ولديها منشآت تسييل الغاز لأنه يحتاج إلى عملية تسييل قبل تصديره، وبالتالى مصر ستتحول إلى مركز للطاقة فى المنطقة.
حقل ظهر هو أكبر كشف للغاز الطبيعى فى منطقة البحر المتوسط ويعد من بين أهم اكتشافات للغاز الطبيعى التى يتم تحقيقها على مستوى العالم طوال الأعوام العشر الماضية، وهو كشف سيمنح مصر مزايا تنافسية إضافية لها ارتباطاتها بمشروع قناه السويس الجديدة، وبالمنشآت البترولية المصرية القائمة فى منطقة الجميل ببورسعيد وبمنشآت تسييل الغاز LNG فى أدكو ودمياط، ويمهد هذا الكشف إلى المزيد من الاكتشافات المماثلة فى المياه العميقة للمنطقة الاقتصادية الخالصة المصرية، الأمر الذى من شأنه أن يساعد على تحول مصر لتكون بمثابة القوة الصاعدة الإقليمية الكبرى فى مجال الطاقة فى منطقة شرق المتوسط التى تتزايد أهميتها النسبية الاستراتيجية فى مجالى البترول والغاز.
معنى ذلك أن محاولات ضرب العلاقات بدأت بعد اكتشاف الحقل؟
محاولات ضرب العلاقات تمت على مرحلتين الأولى عندما حاولوا تفجير القنصلية الإيطالية فى القاهرة، وهذه فشلت تماما وثانيا استغلال قضية الطالب جوليو ريجينى.
متى بدأ دعم إيطاليا لمصر بعد ثورة 30 يونيو؟
موقف إيطاليا من مصر عقب 30 يونيو كان يختلف عن باقى العواصم الأوروبية، فهى كانت أول دولة تحولت فى موقفها وقررت دعم القيادة المصرية الجديدة.
هل هذا الدعم كان فوريا عقب إعلان بيان 3 يوليو؟
لا ليس فورًا.. فى البداية كانت موجودة حكومة رئيس الوزراء انريكو ليتّا وكان موقفه سلبيا من الأحداث فى مصر، وكانت وزيرة الخارجية فى حكومته من الحزب الراديكالى اسمها ايما بونيو كانت ضد ثورة 30 يونيو.
كيف كانت اتصالاتك مع تلك الحكومة؟ وماذا كانت رسالتهم لك فور قيام الثورة وسقوط الإخوان؟
كان فى تواصل مع الخارجية بشكل مستمر، وطوال الأشهر الأولى كنا نقوم بنقل الصورة الصحيحة، ولكن كان هناك إصرار على انطباعهم.
وما مصدر تلك الانطباعات؟
كانوا متأثرين بالصورة التى تنقلها الأجهزة الأوروبية المختلفة، إلا أن الأجهزة الأمنية الإيطالية وبعض الشخصيات السياسية الكبرى وبعض قيادات الأحزاب التى كانت خارج الحكومة كانوا متفهمين الأوضاع فى مصر وأنها لايمكن أن تكون إيران ثانية.
ومتى بدأ التحول فى الموقف الإيطالى؟
بعد تغيير حكومة ليتا مباشرة، وتولى ماتّيو رينزى رئاسة الحكومة فى فبراير 2014، وتم تعيين فيدريكا موجرينى وزير خارجية إيطاليا آنذاك.
ماذا قالت لك فى أول لقاء بينكما؟
فى أول لقاء بينى وبينها قالت«انسى كل اللى حصل، من اليوم إيطاليا تدعم مصر سياسيا واقتصاديا»، ومنذ وصول ماتيو رينزى الأمور تغيرت تماما تعدلت بشكل فورى، وكان هناك حظر على تصدير الأسلحة لقوات الشرطة وسيارات مكافحة الشغب، كل ده اترفع، وتم دعوة نبيل فهمى وزير الخارجية المصرى إلى زيارة روما، وأصبح هناك انفتاح على مصر ترتب عليه زيارة الرئيس.
كيف تم الترتيب لزيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى لروما؟
أول جولة أوروبية قام بها الرئيس السيسى فى نوفمبر 2014 كانت لإيطاليا، وقبل الزيارة رئيس الوزراء الإيطالى زار مصر عقبته زيارتان لوزيرة الخارجية عقبته زيارة لوزيرة الدفاع ثم وزير الداخلية، جميع تلك الزيارات حملت دعوة رسمية للرئيس.
ما الذى دفع إيطاليا لتقديم كل هذا الدعم؟
أولا لأن كان هناك تخوف إيطالى من الربيع العربى وتوابعه التى ستحول البحر المتوسط إلى معبر للاجئين والإرهاب والأصولية والتطرف، وسيؤثر على مصالحهم، وثانيا لأنه لم يكن هناك دولة مستقرة إلى حد ما فى المنطقة، وخرجت من عباءة الإسلام السياسى بسلام وأخذت الخطوة الأولى غير مصر.
معنى ذلك أن الحكومة الإيطالية كانت ضد الإسلام السياسى؟
طبعا لم تكن محبذة لقيام حكم إسلامى، لدرجة أن أحد الشخصيات الكبرى، قال لى فى إحدى الاجتماعات أن مشهد يوسف القرضاوى وهو بيصلى الجمعة فى ميدان التحرير قد زاد من مخاوفى من أن تتحول مصر إلى إيران جديدة على ساحل البحر المتوسط الأمر الذى سيمثل تغيرا فى هوية مصر الثقافية والدينية ودورها كحلقة رشيدة للحوار والتعاون بين مختلف المعتقدات والثقافات، وأضاف لى «لما شوفت يوسف القرضاوى قلت هذا خومينى جديد»، ومنذ ذلك الحين توصلوا إلى استنتاج بضرورة دعم مصر سياسيا واقتصاديا وتحركوا فورا فى هذا الاتجاه، وبدأ الحديث عن مصر بأنها حليف استراتيجى فى المنطقة وخاصة فى الملف الليبى.
هل حاولت روما القيام بدور لدى دول الاتحاد الأوروبى لتصحيح الصورة عن الوضع فى مصر؟
لا لم يقوموا بوساطة.. قد يكونوا حاولوا فى بعض اللقاءات توضيح الصورة فى العموم لكن كل طرف كان له مصالحه.
ولكن كيف أن إيطاليا كانت غير مرتاحة لقيام حكومات إسلامية فى جنوب المتوسط فى حين أنها تتعاون مع حكومة طرابلس التى يسيطر عليها إسلاميون؟
الملف الليبى له وضع مختلف، والجانب الإيطالى لا يٌقصر تعاونه على الشرق أو الغرب، وإنما يتعامل مع جميع الأطراف السياسية فى ليبيا لحماية مصالحه خاصة النفطية، والمشير خليفة حفتر قام بزيارة إيطاليا، ووزير الداخلية الإيطالى ماركو مينيتى التقى حفتر فى بنغازى.
ولكن هناك تعارض فى المصالح بين مصر وإيطاليا فى ملف ليبيا؟
مفيش اختلاف فى الرؤى ولا تعارض فى المصالح، إحنا عندنا قواسم مشتركة فى الملف الليبى أولا الحفاظ على وحدة التكامل للأراضى الليبية وعدم تفككها لدويلات، ومنع تحول ليبيا لمعبر للهجرة غير الشرعية ومنع تحويلها لقاعدة للأصولية والتطرف، واحنا كنا بنتقاسم مع الإيطاليين فى الثلاث نقاط، ولكن وسائل تطبيق هذا قد تكون مختلفة، وهذا لا يعنى تعارض للمصالح.
وهل اختلاف تطبيق تلك الأسس لا يعنى وجود تضارب فى المصالح؟
ليس تضارب مصالح بل على العكس هناك تنسيق كامل بين القاهرة وروما، وإيطاليا عندما فتحت قنوات اتصال مع الغرب الليبى حتى تكون على دراية بالأوضاع على الأرض وليكون لديها علاقات متوازنة حتى لا تخسر البترول فى ظل تنافس بين إيطاليا وفرنسا وبريطانيا.
فالحرب الدائرة فى ليبيا ليست مجرد خلافات بين القوى السياسية، وإنما هناك خلاف أكبر على البترول والغاز والمصالح الدولية، صحيح أن هناك خلافا بين الفرقاء الليبيين وإنما الأزمة الأعمق على توزيع الثروة بين القوى الدولية.
كان هناك تصريح شهير لوزير الخارجية الإيطالى هاجم فيه مصر بسبب دعم حفتر؟
هذا التصريح تم نقله بشكل خاطئ إعلاميا فى إطار محاولات النيل من العلاقات المصرية الإيطالية، فوزير الخارجية الإيطالى كان يتحدث عموما عن الوضع فى ليبيا وتحدث عن دعم قطر وتركيا للإسلاميين وعن دعم مصر لحفتر دون أى هجوم. وإيطاليا مدركة أن ما تم فى ليبيا من الإطاحة بحكم القذافى بهذا الأسلوب خطأ ولم يأخذ فى الاعتبار النتائج المترتبة على ذلك مما أثر سلبيا على الأمن القومى فى منطقة المتوسط عموما وإيطاليا بوجه خاص، لأنها أكثر دولة تضررت خاصة فى أزمة اللاجئين.
إذا كانت العلاقات تتعافَ بشكل كبير.. فلماذا لم تتعافى السياحة الإيطالية؟
السياحة تأثرت بالفعل خلال السنوات الأخيرة، ولكن ليس فقط نتيجة الأزمة السياسية على خلفية قضية ريجينى بل على العكس إرشادات السفر فى الخارجية الإيطالية كانت لصالح لمصر وليس ضدها، ولكن السياحة الإيطالية للمنطقة تأثرت بالكامل بسبب اشتعال الحروب فى عدد من المناطق فى سوريا وليبيا، وسجلت انخفاضات ملحوظة أيضا لتركيا وتونس، إلا أن خطوة إدراج مصر ضمن رحلة العائلة المقدسة ستجلب لنا 2 مليون سائح أوروبى.