وزيرة الثقافة الجديدة لا تتحمل مسؤولية فشل المعرض.. ولكن هل تصمت على الفشل؟
هل نودع إدارة هيئة الكتاب بعد تراجعها بالمعرض.. أم ننتظر لاستكمال القتل فى الدورة 50؟
الهيئة تفتتح المعرض قبل الموعد الرسمى المعلن منها تحت شعار "إكرام الميت دفنه"
ارتباك فى صياغة محور المعرض وعناوينه الفرعية.. ومجاملات وترضيات بالجملة
عشرات الفعاليات تتأخر عن موعدها.. وندوات أخرى بدون ضيوفها أو بضيوف آخرين
الوزيرة إيناس عبد الدايم تتجاهل لقاءيها فى المعرض عن الموسيقى ووزير ثقافة الجزائر
الهيئة تحتسب آلاف التصاريح المجانية "تذاكر" وزيارات يومية تضاعف بها أرقام الزوار
ضيف شرف المعرض غائبة عن البرنامج.. ونجوم الثقافة الجزائرية خارج المشهد تماما
لماذا تحتفى الهيئة بـ150 فعالية للأزهر وتضعها فى برنامجها كجزء من نشاطها؟
اعتذار حجازى ومصطفى الفقى.. وحسن طلب: "إهانة الشعر فى معرض الكتاب"
الشللية والركاكة تسيطران على أنشطة المعرض.. وأصدقاء "هيثم" يتقدمون الجميع
لماذا توسعت الهيئة فى أماكن الطعام وحولت المعرض إلى خروجة فى "حديقة الحيوان"؟
سماعات المطاعم والكافيهات تحول معرض الكتاب إلى حفل مفتوح لمهرجانات شحتة كاريكا
هيئة الكتاب تضلل الجميع بأرقام غير دقيقة عن الزوار.. وتتجاهل الانصراف عن الأنشطة
هل الأفضل إقامة 1000 فعالية سطحية وركيكة أم الاكتفاء بـ100 جيدة ومهمة؟
لماذا غاب رموز الثقافة المصرية والعربية وأبرز وجوه الجزائر "ضيف شرف المعرض"؟
هيثم الحاج على يعاقب ناقديه من المثقفين والصحفيين بالاستبعاد من النشاط والتواصل
هل تعترف إدارة الهيئة بالفشل وتعمل الوزارة على ضبط الأمر.. أم نقرأ الفاتحة للمعرض؟
كان لدينا قديما معرض للكتاب، وأقسى ما يؤلم نفس المحب أن يتحدث عن محبوب بصيغة الماضى، لكنها على ما يبدو إرادة وزارة الثقافة وهيئة الكتاب، والدكتور هيثم الحاج على وفريقه، ونهنئهم على النجاح فى وضع الفعالية الثقافية الأهم فى مصر والوطن العربى، أو التى كانت، تحت لافتة الماضى وفى سجن الحنين لما سلف.
بينما كانت القاهرة تتأهب للاحتفال بألفيتها فى العام 1969، أراد وزير الثقافة النابه ثروت عكاشة أن يُكسب الاحتفال طابعا ثقافيا مميزا، فعهد للدكتورة سهير القلماوى بالتخطيط لمعرض دولى للكتاب، ولم تكن المنطقة العربية قد عرفت هذه المعارض النوعية بعد، فعكفت «سهير» وفريق ضخم من مثقفى مصر الكبار وقتها على وضع تصور وهوية لسوق كتاب مصرية دولية ضخمة، فكان معرض القاهرة الدولى للكتاب، الذى سرعان ما اشتد عوده ووقف على قدمين راسختين، ليشهد عنفوانه فى رئاسة الدكتور سمير سرحان، الذى تولاه فى العام 1985 وظل رئيسا له حتى منتصف العقد الماضى، ويشهد انحداره فى رئاسة أحمد مجاهد ثم هيثم الحاج على، اللذين تولياه فى السنوات الأخيرة، ويقترب من الانهيار التام فى دورته الحالية.
الدكتور هيثم الحاج على رئيس هيئة الكتاب
الدورة 49.. العشوائية والارتباك يتسيدان المشهد
الدورة التى لم تنقض بعد من معرض القاهرة الدولى للكتاب، وتحمل رقم 49، يلاحقها العوار منذ اللحظة الأولى، وبينما يُفترض فى فعالية تتأهب للاحتفال بيوبيلها الذهبى فى السنة المقبلة، أن تكون عروسا فى كامل بهائها اليوم، يبدو أن أولياء أمورها الحاليين يتفننون بكل طريقة للكشف عن شيخوختها، أو بالأحرى إلباسها ثوبا باليا، وتشويه وجهها بالتجاعيد، ثم تصويرها وفضحها على الملأ، وكأن هناك غرضا خفيا - ولا نفتش فى النوايا قدر ما نقرأ حقائق الأرض - لإطلاق رصاصة غير رحيمة على المعرض، وربما على قلب الثقافة المصرية.
منذ اللحظة الأولى لا يبدو أن فكرا ما يحكم حركة المسؤولين عن المعرض، جاء المحور العام باهتا، أُقيم افتتاح سرّى مباغت ومخالف لكل ما دوّنته مطبوعات المعرض وإعلاناته وتصريحات منظميه طوال أسابيع سابقة، سادت خريطته عشوائية لا حد لها فى تنظيم ساحات العرض وأماكن النشاط، تتابعت الأرقام المضللة بشأن الفعاليات والمبيعات والأنشطة والزائرين، ولم يتبق للعرس الكبير عنوانا صالحا لتلخيص المشهد بارتباكه وسطحيته المفرطين، إلا أننا أمام «قتل ممنهج للمعرض»، حتى لو حسنت النوايا، وإن كان لنا أن نشك فى حُسنها وفق ما رأينا ونرى، ولا تفسير إلا سوء الظن، أو محدودية وضحالة من أوسدنا إليهم الأمر.
محور مرتبك وافتتاح سرى.. طريقة ساذجة للقتل
فى كل الدنيا تقريبا يعرف جمهور الكتاب والمهتمون به مواعيد معارضه قبلها بشهور، وربما سنة كاملة، وتُعلن خريطة الأنشطة والفعاليات الكاملة بدقة ولا يعتريها أى تغيير تقريبا، ولكن القائمين على معرض القاهرة الدولى استنّوا سُنّة لم يعرفها إنس قبلهم ولا جان، فبينما أعلن رئيس الهيئة وفريقه أن المعرض يُقام بين 27 يناير و10 فبراير، وطُبعت كل المنشورات والبانرات وكُتيّب الفعاليات بهذا التاريخ، فوجئنا بعد ظهر الجمعة 26 يناير بأنباء على ألسنة مسؤولين بالهيئة عن افتتاح المعرض فى الخامسة مساء، وقبل موعده بيوم كامل، هكذا بعشوائية ودون تخطيط، وزادت العشوائية، التى لم تكن قليلة أصلا، بتأخر الافتتاح السرّى أكثر من ساعتين عن الموعد الطارئ، لينطلق المعرض رسميا فى السابعة والنصف من مساء الجمعة 26 يناير، وكأنك منذ اللحظة الأولى أمام جثة، وتحت لافتة «إكرام الميت دفنه» حتى لو كان فى جنح الليل، وفى يوم غير اليوم.
المحور المختار عنوانا للمعرض لم ينجُ هو الآخر من العشوائية والخفة، إذ اختار مخططو المعرض أن يكون محور الدورة «القوى الناعمة.. كيف؟» وهو بصيغته هذه جاء ملتبسا ولا يُنبئ عن رؤية، فسؤال الكيفية هنا لا يتضح إن كان يخص كيفية الهوية أم كيفية الإجراء، أو بمعنى أكثر وضوحا لا يُفهم من المحور هل نسأل عن كيف تكون لدينا قوى ناعمة؟ أم كيف نصل لتفعيل قوانا الناعمة القائمة بالفعل؟ وحتى فى السؤالين نفسيهما تختبئ فخاخ عديدة، أحسنها ظنّا يشير إلى سطحية وركاكة في التأسيس، فإن كنا نسأل عن ماهية القوى الناعمة فماذا عن عشرات الأسماء التى حشدها البرنامج باعتبارها قوى ناعمة؟ هل أتى بهم تحت لافتة تنفى وجودهم بالكلية؟ وإن كنا نسأل عن كيفية الإجراء فنحن أمام اعتراف مباشر بقصور القوى الناعمة القائمة وعجزها عن الفعل، ومن ثمّ نفى مباشر لجدارة مناقشتها لآليات تفعيل عجزت عن إنتاجها، فكأنك تستدل بأعمى على طريق يحتاج دليلا ليسيره دون تخبّط أو سقوط، وإن دلّ هذا المحور على شيء، بافتراض حسن النية أيضا، فإنما يدل على محدودية الأفق ولجاجة التأسيس والادعاء الصارخ للعمق.
لو تجاوزنا سطحية المحور، التماسا لتداركها فى التنفيذ، فلن نجد إلا تأكيدا عنيدا للوقوع فى التبسيط والتسطيح، إذ جرى اختزال الأمر فى عناوين محدودة ومتهافتة، وغابت الرموز والأسماء المهمة محليا وعربيا، حتى من البلد ضيف الشرف «الجزائر»، وتناسى مخططو الفعالية أن القوى الناعمة فسيفسائية عريضة تشتمل ضمن عديد ما تشتمل على الكتابة وملحقاتها، والفنون بأنواعها، موسيقى وتشكيل وسينما، والإبداع الشعبى بخريطته الواسعة، أدبا شفاهيا وسِيَرا وحكما وأمثالا، بل وعلى الدبلوماسية بمدرستها ورموزها، والمصريين فى الخارج بتنوّعهم المهنى والاجتماعى والثقافى والهوياتى، حرفيين وأكاديميين ومهنيين وعلماء ومبدعين، بل ووجبات وأطعمة مصرية مميزة، تكتسب حضورا فى فضاءات اجتماعية وجغرافية مغايرة، وتحضر سفيرا أو قوة ناعمة مصرية، لا يجوز لنا أن نرتب قوانا الناعمة بمعزل عنها أو بتجاهل كامل لها، وربما كان تجاهلا من باب الجهل بالمدى الواسع لمفهوم القوة الناعمة، لا بالرؤية المؤسَّسة على محددات ومفاتيح لها منطقها ومجالها التعريفى والإجرائى.
معرض طعام ومهرجانات.. الكتب بطعم الكباب و"شحتة كاريكا"
طوال سنوات خلت، اعتدنا على تخصيص مساحة بجوار المقهى الثقافى كمنطقة للطعام والمشروبات، إضافة لمنطقة أخرى فى نهاية ممر صالات العرض الرئيسية، وعلى الجانب القريب من باب المعرض المتاخم لمسجد آل رشدان، ولكن إدارة الهيئة المصرية العامة للكتاب لم تكتف بهاتين المنطقتين، ولم تُحدث أى تطوير فى هيكل المعرض إلا على صعيد المطاعم ومناطق الطعام، فخصّصت مساحة أخرى غير صغيرة للمطاعم مقابلة للباب 6 المجاور للباب الرئيسى على شارع صلاح سالم "باب الصحفيين المطل على محطة مترو الأنفاق"، كما خصصت مساحة أخرى فى المبنى الرئيسى «قاعة ضيف الشرف»، إضافة بالطبع للتوسع فى المناطق القديمة، منتصرة للكباب على الكتاب.
المثير للضيق والسخرية فى الأمر، أن مناطق الطعام فرضت منطقها على المعرض، فأصبح عاديا أن تجد الباعة بأزيائهم الموحّدة يفترشون واجهة المحلات أو يصطادون الزبائن، وزاد الأمر بأن وضعت بعض فروع المطاعم أجهزة صوت ضخمة، أدارتها على أغنيات شعبية ومهرجانات، حتى أصبح من المعهود أن تتجوّل بين الكتب وفى خلفية المشهد أغنيات أوكا وأورتيجا والليثى وشيبة وشحتة كاريكا، وطابور طويل من البذاءات، التى إن كانت تحوز حضورا واسعا فى الشارع، مؤكد أنه لا يليق تسييدها فى المعرض، إلا لو كان الدكتور هيثم الحاج على وفريقه يعتبرونها «قوى ناعمة».
حالة الانفلات التى تسيطر على مناطق الطعام العديدة والمتنوعة، تقترب فى أجوائها من طابع الحدائق والمتنزهات العامة، وإن كان لنا أن نستشف منها شيئا ذا دلالة، فهو أن القائمين على المعرض لم يضعوا تصوّرا لإدارة فضائه، لم يلتقوا بالمسؤولين عن منافذ الطعام ولم يتفقوا معهم على طابع المعرض ومسموحاته، ولم يتابعوا حديقتهم الواسعة ليلحظوا هذه التجاوزات المنفرة ويوجهوا سريعا بإيقافها، والدليل أنها تتكرر منذ يوم الافتتاح حتى الآن.
اللعب بالأرقام.. خفة مضحكة وفشل ذريع بآلاف الزوار
فى اجتماع الحكومة الأسبوعى، الخميس الماضى، قالت الدكتورة إيناس عبد الدايم، وزير الثقافة، إن مليوني شخص زاروا معرض الكتاب حتى الآن، وباعتبار أن الاجتماع عُقد صباح الخميس، والافتتاح جرى بشكل سرّي مساء الجمعة، فالوزيرة كانت تقصد بـ«حتى الآن» الفترة من السبت حتى الأربعاء، بمتوسط يومي 400 ألف زائر، وهو ما تواترت مؤشرات لاحقة، من منظمين ومسؤولين عن المعرض، بخصوص يومى الجمعة والسبت، تتحدث عن معدل زيارة بلغ 400 ألف أيضا لكل منهما، ما يعنى بحسابات الوزيرة والهيئة أن المعرض استقبل حتى أمس السبت زهاء ثلاثة ملايين زائر.
هذا المنطق السطحى هو ما تعمل به الهيئة المصرية العامة للكتاب، منطق الحصر الكمّى بعيدا عن أى مُعطى كيفىّ يخصّ المعرض وطبيعته كسوق للكتاب والثقافة بالأساس، وليس متنزّها أو حديقة عامة، وحتى على صعيد الأرقام فإن مؤشرات الرؤية والمتابعة الميدانية تضرب هذه الأرقام فى مقتل، وربما تصل لوصمها بالاختراع والتلفيق، إذ لا يبدو الإقبال فى الدورة الحالية متجاوزا لزوار الدورة الماضية، ربما فى الحقيقة كان أقل كثيرا، بينما تقفز الأرقام المعلنة قفزات ضخمة وغير بريئة عن مستويات السنة الماضية.
المهم، أننا حتى لو افترضنا صحة الأرقام المذكورة من الهيئة والوزيرة، فإنها تصلح مؤشرا لنجاح حديقة الحيوان أو حديقة الأزهر، كمتنزّهات يتوقف نجاحها على شبابيك تذاكرها، أما معارض الكتب فتُقيّم بأمرين لا ثالث لهما: أولا وثانيا وثالثا ورابعا وخامسا حجم مبيعات الكتب، باعتبارنا فى سوق للكتب بالأساس وفى المقام الأول، وربما الأوحد لو اضطررنا لاختزال الحدث، وأولا وثانيا وثالثا ورابعا وخامسا «مكررا» بحجم حضور النشاط الثقافى المصاحب من ندوات وحفلات توقيع وموائد مستديرة وأماسىّ شعر، وبين رقم الوزيرة والهيئة المُبالَغ فيه، وحالة القاعات والمخيمات المزرية، ستكتشف أن الوزيرة وفريق هيئة الكتاب يتعاملون وكأنهم يديرون حديقة حيوانات الجيزة، ومؤكد أن حصيلة مليونى تذكرة ستضمن علف حيوانات الحديقة فترة لا بأس بها، إن كنا أمام مليونى تذكرة فعلا، ولسنا أمام احتساب آلاف التصاريح "المجانية" الدائمة باعتبارها زيارات يومية متكررة.
الثابت مما رأيته بعينىّ أكثر من مرة، أن ألفى شخص على الأكثر يدورون بين قاعات النشاط، يتبادلون أماكن المحاضرين والمستمعين ويردّون الجمائل لبعضهم، وأن البرنامج الثقافى المصاحب للمعرض فى غاية الركاكة والاهتراء، محشوّ بالمجاملات وترضية الأصدقاء والمحبين، بشكل فاضح، يبدد طاقة المهتمين والمثقفين ويطردهم طردا، صارفا شطرهم الأكبر بكل جبروت عن المتابعة، للجلوس فى المقاهى وعلى الأرصفة، ولذا لا عجب أن ينصرف عوام الناس.
إنزال المعرض من عليائه.. إهانات واعتذارات بالجملة للمثقفين
فى مكالمة هاتفية جمعت الشاعر الكبير أحمد عبد المعطى حجازى بأحد المسؤولين عن تنظيم المعرض، قال الشاعر: «كيف تُنزلون الشعر من عليائه؟!»، واعتذر عن أمسيته الشعرية، التى كانت افتتاح برنامج الشعر بالمعرض، اعتراضا على نقل الأمسيات الرئيسية من القاعة الكبرى إلى مخيم فى ساحة المعرض.
كان تعبير «حجازى» مبعث تندّر بين عشرات الشعراء الذين يحتفظون بموقف حاد من الأسماء الكبرى فى جيل الستينيات، سيّما وأنهم يرون أنها ما زالت تتصدر المشهد الإبداعى على حساب عشرات التجارب المهمة من أجيال لاحقة، ولكن بعدما هبط المُتندّرون لأرض الواقع ورأوا حالة المساحة المخصصة للشعر، اتفقوا بالإجماع تقريبا على تزكية موقف «حجازى» وامتداحه، وقد صرّح بهذا عشرات الشعراء من أجيال واتجاهات وأقاليم عدة، وتحفّظوا على الحديث عن الأمر علنا، تجنّبا لضيق الدكتور هيثم الحاج على وغضبته.
أصبح شائعا فى الوسط وبين الصحفيين العاملين فى حقل الثقافة، أن رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب غَضوب مُتطرّف فى غضبه، فإذا ما انتقده شاعر أو مثقف تجاهله تماما فى أقرب برنامج ثقافى أو خطة نشر، وإذا ما كتب عنه صحفى بما لا يُحب أن يُكتب عنه، عاقبه بالاستبعاد وقطع خطوط الاتصال معه، وهكذا بمنطق العصا والجزرة أصبحت كثير من أمور المعرض والهيئة تسير، وأصبح من العادى وغير المستهجن أن يُقدّم رئيس الهيئة كتابا لناقد صديق، نشرته الهيئة فى طبعة ثانية، لمسابقة المعرض الرسمية التى تشترط أن يكون الكتاب المُتسابق طبعة أولى، فإن سألته عن إقرار الناقد بعدم سبق النشر، قال لك إن الكتاب قدمته جهة النشر، متجاهلا أنه جهة النشر، وإذا ما انتقدت الأمر عاقبك ومنعك من عملك، بالامتناع عن التواصل معك، أو توجيه مسؤولى الهيئة والمعرض بتجاهلك.
دعك من ممارسات الدكتور هيثم الشخصية، رغم أنها ليست شخصية وإنما خلطا للشخصى بالعام، ولاسمه المجرّد فى بطاقته بموقعه الوظيفى الذى لا يُجيز له المنح أو المنع، ولكن دعنا من هذا تماما، ولنَعُد إلى البرنامج وأمسيات الشعر، قد يرد «هيثم» مفسّرا اعتذار عبدالمعطى حجازى بأنه من باب التعالى المعروف عن الرجل، ولكن ماذا قد يقول عن اعتذار الدكتور مصطفى الفقى، مدير مكتبة الإسكندرية، غير المتعالى، عن لقائه الفكرى، وبقاء الجمهور فى القاعة أكثر من ساعة انتظارا للضيف، دون إشارة أو توضيح أو إخطار بإلغاء اللقاء، وماذا سيقول عن عشرات الفعاليات التى تأخرت أو أُلغيت أو حل فيها ضيوف غير مستعدين محل ضيوف غائبين أو لم يُخطَروا بها، وماذا سيقول عن اعتذار الشاعر الكبير حسن طلب، الذى كتب عبر صفحته على فيس بوك تحت عنوان إهانة الشعر فى معرض الكتاب: «اختلط الحابل بالنابل وطغى الغثّ والركيك والمُبتذَل ممّا لا علاقة له بالشعر! ولا أعرف وسيلة تدفع الجمهور إلى (القرف) من الشعر والشعراء أنجع من تلك التى نفذها هيثم الحاج على رئيس الهيئة ومعاونوه! إذ لم يكتفوا بنفى الشعر خارج القاعة الرئيسية إلى مخيمات هائجة مائجة يحاصرها الضجيج من كل صوب؛ بل خطّطوا لحشد مئات الشعراء عبر برنامج صاخب قدّم الكمّ على الكيف، وانتصر للثرثرة السقيمة على القيمة! والحق أن تدهور أنشطة المعرض وأمسياته الشعرية على الخصوص؛ هو مجرد مظهر من مظاهر التدهور فى هيئة الكتاب عامة؛ حيث سادت المجاملات الفجة فى تشكيل اللجان المشرفة على الأنشطة؛ بل وفى النشر عامة».
الكتب ملقاه على الأرض بمعرض الكتاب
لن أُعدد عشرات الأسماء التى غابت عن الفعاليات، حتى أنه لا تكاد توجد ندوة أو لقاء اكتمل عقد انعقاده حسبما ينص البرنامج، ولكن ألخص هذا الأمر بواقعتين تخصان وزيرة الثقافة، إذ اعتذرت الدكتورة إيناس عبد الدايم عن المشاركة فى لقاءين رئيسيين بالقاعة الكبرى: الأول مع وزير الثقافة الجزائرى عز الدين ميهوبى فى أول أيام المعرض، والجزائر ضيف شرف الدورة، بدعوى السفر للمشاركة فى احتفالية البحرين عاصمة للثقافة الإسلامية، والثانى فى الثالثة عصر الخميس الماضى مع راجح داود ومحمد سلطان، تحت عنوان «الموسيقى والغناء والقوى الناعمة»، والغريب أن الجمهور والصحفيين انتظروا الوزيرة إلى ما بعد انطلاق اللقاء، ولم يُعلن أحد اعتذارها فى اللقاء الأول، بينما أعلنوا قبل انتهاء الثانى أنها غابت بسبب اجتماع مجلس الوزراء، الذى انتهى بالمناسبة قبل موعد بدء اللقاء بوقت طويل، فهل لم تكن الوزيرة تعلم أن لديها ارتباطين فى البحرين ومجلس الوزراء؟ والمفارقة أن اجتماع الحكومة يُعقد بشكل أسبوعى ثابت ومعروف سلفا، وإن كانت تعلم فلماذا ظل اسمها فى البرنامج الذى طُبع قبل المعرض بساعات؟ ولماذا لم يُعلَن غيابها للحضور قبل بدء اللقاءين؟ والأهم ماذا يقول هيثم الحاج على عن هذا الغياب الذى يُضاف لعشرات الغيابات الأخرى فى كل لقاءات المعرض وفعالياته؟ إلى حد أنك لن تكون متجنّيا لو قلت إن أنشطة معرض الكتاب فى مجملها «توقيع بالغياب»، إما غياب حصة غير قليلة من المحاضرين، وإما الغياب التام للجمهور والمتلقين.
مسألة لقاء وزير الثقافة الجزائرى عز الدين ميهوبى تستدعى التوقف مع أمر آخر، يخص ضيف الشرف، فالجزائر شبه غائبة عن فعاليات معرض الكتاب، أغلب المحاور لا تخصها، الدعاية لأنشطتها محدودة للغاية، الأسماء البارزة فى الثقافة الجزائرية وصاحبة الحضور العالمى الواسع غائبة، الحضور ضعيف بشكل مخجل، ومسؤولو هيئة الكتاب ومنظمو المعرض أنفسهم غائبون عن فعاليات ضيف الشرف، ليُضاف هذا المحور المهم والرئيسى ضمن محاور "التوقيع بالغياب" أيضا.
دعنا نتجاوز التوقيع بالغياب أيضا، ونعود لأمسيات الشعر المثيرة لغضب الشعراء والجمهور، والناقضة لكل ما قيل أو أُعلن من قبل، فبحسب مصادر بالهيئة، كان مخططا إقامة مخيّم ضخم بفخامة القاعة الرئيسية، ليكون مساحة للشعر فى قلب المعرض، بعيدا عن انعزال قاعة ضيف الشرف، لكن الصورة النهائية التى وجد الشعراء أنفسهم أمامها، مجرد مخيم فقير وبائس، ضيق وسيئ الشكل والأرضية، يشتمل على منصة فقيرة وما لا يزيد على ثمانين كرسيا حديديا من "كراسى الفِراشَة"، مع أجهزة صوت مفرطة فى السوء وإضاءة باهتة وضبابية وحشر لاثنى عشر شاعرا فى 90 دقيقة، بصورة لم تكن مُحصلتها النهائية مُرضية للشعراء المشاركين، ولا مستجلبة للجمهور الذى نزل الشعر من عليائه استهدافا له، حسبما روج مسؤولو المعرض المبجلون.
جعجة ولا طحن.. مئات الفعاليات بمنطق «العدد فى الليمون»
فى الدورة الماضية تباهى الدكتور هيثم الحاج على وفريقه باشتمال برنامج المعرض على زهاء 800 فعالية، وتجاهلوا تماما عشرات الملاحظات والانتقادات والتصويبات والتوجيهات التى أطلقها مثقفون كثر على خريطة الفعاليات المزدحمة، ازدحاما لا تُثقله جدة أو رصانة، ولا يهتم بمجانبة الخفة والركاكة، وسجلت بشكل شخصى عشرات الملاحظات فى هذا المكان على دورة السنة الماضية، وبينما كان يُفترض بمسؤول يستهدف الصالح ويسعى لتقويم هناته وأخطائه، أن يأخذ كل انتقاد بجدية وبعين الاعتبار، ويتخلّى عن رغبة «الشو» كرنفالية الطابع بحشد عشرات الفعاليات التى لا قيمة لها ولا وزن، متجاهلا دوره ودور المعرض الأساسى كسوق للكتاب، تحضر الفعاليات فيه فى ضوء هذه الرؤية الأم، وكإضافة لا عبء، سار الدكتور هيثم وفريقه فى مسار آخر، مُكدّسين مزيدا من الفعاليات، ربما رهانا على أن فى الزحام قد تضيع الركاكة وتُغفَر الكوارث والخطايا.
الكتب ملقاه على الأرض بمعرض الكتاب
فى الدورة الحالية رفعت الهيئة رصيدها من الأنشطة «المسلوقة»، فأصبحت تتباهى بإنجاز برنامج يتجاوز 1000 فعالية برقم آخر لا تشتمل عليه فعاليات بعض المعارض الكبرى والشهيرة إقليميا ودوليا، لا يهم إن كانت فعاليات جادة أو اعتباطية، وإن كانت نشاطا ثقافيا حقيقيا أو حشرا للأسماء وتعبئة للوقت، وبينما يفترش الأزهر الشريف الجناح الخاص الأكثر فخامة واتساعا فى المعرض، بشكل لا يتناسب مع وضعه كناشر أو مؤسسة ثقافية، ضمّن القائمون على الهيئة برنامجهم الرسمى قرابة 150 فعالية ينظمها الأزهر، بين وِرَش وجلسات قراءة قرآن، بشكل يثير التساؤل عن تبعية هذه الأنشطة، وعن فرص الإتاحة التى توفرت لمؤسسات أخرى، رسمية وأهلية، للتمتع بالمزايا والتسهيلات التى تمتّع بها الأزهر، وصولا إلى تدشينه قبل يومين مسرحا أمام جناحه الفخم، دون سابق تخطيط، وفيما يبدو بإرادة فردية وخارج ولاية الهيئة نفسها.
حصة الأزهر من نشاط المعرض، تقترب من 15% من مجموع الفعاليات التى يباهى بها هيثم الحاج على وفريقه، مقابل 85% لباقى أجنحة وزارة الثقافة، هيئة الكتاب وقصور الثقافة وثقافة الطفل وصندوق التنمية الثقافية وقطاع شؤون الإنتاج الثقافى وقطاع الفنون الشعبية والمركز القومى للترجمة والمجلس الأعلى للثقافة، وجهات أخرى متعاونة: بيت الشعر بالأقصر، ومؤتمر أدباء مصر، ومهرجان طنطا الدولى للشعر، وأندية الأدب بكل مدن ومحافظات مصر، والمضحك أن الـ15% أزهرية الطابع تشهد حضورا يفوق حضور الـ85% الباقية، التى لم تختلف فى شىء عن ركاكة وسطحية فعاليات العام الماضى، وطردها الواضح للجمهور، إذ يندر أن تجد قاعة من قاعات الأنشطة «الصغيرة بالمناسبة إذ لا يتجاوز بعضها خمسين مقعدا» ممتلئة أو نصف ممتلئة، الوجوه مكرورة ومُستدعاة من كل الدورات السابقة، تتحدث وكأنها تستعيد أحاديث قديمة، رغم تبدّل المحاور والعناوين، والأداء العام لا يشير بأية حال إلى أنك أمام دورة جديدة، أو لجنة عليا اجتمعت وخطّطت، وطابور من المنظمين والموظفين رعوا وأشرفوا ونظّموا، كل شىء قديم حدّ الملل، رثّ حد الإشفاق والحزن، وخفيف كما يليق بهواة ومُحدثى ثقافة، لا بمصر وهيئة كتابها ومعرضها الأول، عمدة المعارض العربية وطليعتها.
عاشت دولة المنوفية.. الإدارة بالشلة والأصدقاء والمقربين
أفدح ما فى الدورة الأخيرة لمعرض القاهرة الدولى للكتاب، العمل وفق منطق الشلّة والمقربين، هذا الأمر كان اللافتة العريضة فى دورة العام الماضى، وتكرر الآن، فقط أدر عينيك بين وجوه الدائرة المحيطة بالدكتور هيثم الحاج على فى إدارة المعرض، اللجان المسؤولة عن إعداد محاور الأنشطة، أو اللجان التنفيذية المسؤولة عن متابعتها ميدانيا، ثم اسأل عن علاقة الموجودين بـ"هيثم" وستفاجئك الإجابات.
أغلب القائمين على محاور النشاط وقاعاته من المقربين من الدكتور هيثم الحاج على، بعضهم بلدياته من أبناء المنوفية، وبعضهم من أصدقاء الجامعة والساحة الثقافية، حينما كان ناقدا حاضرا فى فعاليات قصور الثقافة وأندية الأدب، وبعض ثالث من الجميلات والظريفات والطيبين فى حقل الصحافة الثقافية، ممن يمتدحون إدارة الهيئة، أو على الأقل ينقلون عنها ما تريد حكايته عن نفسها، هكذا تتوزع خريطة الاختيارات فى وجهها الأوسع، بجانب قدر من ميراث أحمد مجاهد حافظ عليه هيثم ورعاه، كما يرعى "مجاهد" فى مكتبه يوميا حتى الآن، أبرزه استمرار إقطاع المقهى الثقافى للشاعر شعبان يوسف، صاحب حفل توقيع "زاب ثروت" الشهير قبل ثلاث دورات.
الاختصار المفيد لهذه الأجواء أن الشللية تقدمت كل معيار لاختيار مُنظّمى المعرض، وسيطرت الأجواء الكرنفالية على الحدث، ما سحبه من دوره الأساسى كسوق للكتاب والنشر، ووضعه فى موضع المهرجان، تماما كمهرجانات أوكا وأورتيجا وشحتة كاريكا المدوية فى أرجاء المعرض، وفى هذا شبهة هواية وارتباك وغياب للرؤية والفلسفة، برنامج المعرض مُستنسخ ومكرور ومعاد الإنتاج، بأفكاره ومحاوره وأسمائه وتفاصيله، كما أسلفنا، وفى هذا شبهة استهتار ومجاملة وشللية وتحزّب وقلة كفاءة ونقص وعى، والمحصلة أننا أمام حدث ظاهره يأخذ العين بازدحامه وضوضائه، وباطنه يضرب فى الجوهر وصميم القلب بخفّته وخوائه، وينحرف بالمعرض انحرافا ضارا، وربما كان الصمت فى هذا المقام تواطؤا على المعرض والثقافة المصرية، بل وعلى هيثم الحاج على ومجموعته أنفسهم، فمن المحبة الحقيقة أن تُبصّر غير المُبصر بعيوبه، وأن تنهى المسىء عن سيّئاته وسوءاته.
الرحيل يستر العورات أحيانا.. متى نقول وداعا «هيثم»
لا أحتاج فى هذا المقام لتأكيد أنه لا وجه للشخصنة فى الأمر، ولا موقف من هيثم الحاج على وفريقه إلا موقف متلقى الخدمة من مُقدّمها، وقد شاركت فى أنشطة المعرض هذا العام، بعد عشر سنوات من المقاطعة الاختيارية، آملا فى انصلاح الحال، وساعيا للمساهمة الإيجابية فى الحدث، وإن كان الأمر يقبل بُعدا شخصيا لكان أولى بى المدح والاستحسان، أو على الأقل الكفّ عن الانتقاد، خاصة وأن قدرا كبيرا من المودة يجمعنى بالدكتور هيثم الحاج على، وأعتبره صديقا جميلا ودمث الخلق، ولكن ما تعرفه القلوب وتُجيده لا يصلح لغفران الذنوب، لا سيما إن اتصلت بشأن عام، وبثقافة بلد وسمعته ووجهه المعروض على الناس إقليميا ودوليا، وهو ما تدق أفاعيل الإدارة الحالية للهيئة والمعرض ناقوس خطر بشأنه، محذّرة من مسخ ممنهج ومتصاعد، ليس فقط لراهن الثقافة المصرية، وإنما يطال الأمر ميراثا راكمه طابور من مثقفى مصر وقواها الناعمة عبر عقود، ويُبدّده القائمون على إرثهم الآن.
من الظلم الفادح أن أُحمّل الدكتورة إيناس عبد الدايم مسؤولية تراجع المعرض وانحداره وفشل دورته الحالية وانزلاقه بكامله نحو الهاوية، السيدة الفاضلة لم تُكمل شهرا فى منصبها، وليست مسؤولة عن ارتباك هيئة الكتاب وخفّة القائمين عليها، حتى لو تورّطت - بثقة وحُسن نية - فى إعلان أرقام ومؤشرات غير دقيقة عن المعرض ومبيعاته وزائريه، ولكن من المؤكد أن حداثة المنصب لا تعفى من الإشارة إلى أن عبئا كبيرا ينتظر الوزيرة، لفرز التجربة وتقييمها وحصر الآراء والانطباعات بشأنها، واتخاذ موقف تصحيحى تجاه المعرض والثقافة المصرية.
ليس من الثقافة أن يصمت المثقفون على حالة من التردّى تسرى فى أوصال حدثهم الثقافى الأكبر، وليس من العقل والمنطق إعفاء الدكتور هيثم الحاج على وفريقه من المسؤولية، وليس من الإنصاف تحميل إيناس عبد الدايم مسؤولية التردى، وأيضا ليس من الحق، حق مصر ومثقفيها وجمهورها، أن يبقى الوضع على ما هو عليه، فهل سنستقبل اليوبيل الذهبى لمعرض القاهرة الدولى للكتاب، فى العام المقبل، بإدارة تجيد استجلاب المطاعم وحشد الفعاليات الرخيصة وتطفيش المثقفين والجمهور واختزال المعرض فى حصيلة التذاكر؟ أم نقول قريبا "شكرا هيثم الحاج على"، شكرا ووداعا، وسنتشفّع لك عند معرض القاهرة ليغفر ما فعلته فيه، ودعنا نقول إنك فعلته بحُسن نيّة، حتى لا تغضب وتعاقبنا بالمنع من المشاركة فى فعاليات المعرض، وربما المنع من الجلوس فى ساحة المطاعم مع أوكا وأورتيجا وشحتة كاريكا.
عدد الردود 0
بواسطة:
د.محمد صلاح
هذه السنة شهدت تواجد مبدعين مهمين كواسيني
فأنا ازور المعرض كل سنة وهذه السنة شهدت تواجد مبدعين مهمين كواسيني الاعرج وسعود السنعوسي الذي شهد بان معرض الكتاب المصري كرنفال كبير وليس حدث ثقافي فحسب كما يكفي التواجد القوي للشباب