"تسيل الدماء لتروى الرمال ولا يدنس أرض الوطن محتل"، تحت هذا الشعار الوطنى الخالص، حمل مئات الشباب السورى السلاح للمرة الأولى، لصد الغزو التركى للأراضى السورية من جهة الشمال، وكون الأرض غالية على أبنائها الذين يضحون بالغالى والنفيس من أجل حفظها من كل عدوان، وإن كان تحقيق ذلك بالتضحية بالنفس، فكان فى انتظار الجيش التركى ما لم يتوقعه وهو النفير العام فى الأوساط الشعبية بمدينة عفرين.
وتجمع فى ساحة وسط مدينة عفرين، بشمال سوريا، عشرات المتطوعين فى صفين منتظمين، يحمل بعضهم أسلحة للمرة الأولى فى حياتهم، ويقسمون بصوت واحد على "مقاومة" الهجوم الذى تشنه تركيا مع فصائل موالية لها فى المنطقة، ولم يقتصر التطوع فى المواجهة المسلحة ضد الأتراك على الرجال فقط، بل انضمت النساء أيضًا إلى صفوف المقاتلين للدفاع عن الأرض والعرض ضد الانتهاكات التركية للأراضى السورية.
الشباب السورى يتطوع للقتال فى مواجهة تركيا
مدينة عفرين تطلق "النفير العام" لمواجهة الغزو التركى
وفى هذا الصدد، تقول فتاة تدعى "أسماء عفرين"، البالغة من العمر 19 عامًا، بعد تطوعها فى صفوف وحدات حماية المرأة الكردية، لوكالة "فرانس برس"، "عفرين هى الأرض التى كبرت فيها كما آبائى وأجدادى، ولأجل ذلك واجب على أن أحارب"، وتضيف الشابة - التى تدرس الإعلام فى جامعة عفرين - "لا أرى نفسى اليوم طالبة، بل مقاتلة فى وحدات حماية المرأة الكردية".
وعلى غرار "أسماء"، لبى عشرات الشبان والشابات فى الأسبوعين الأخيرين دعوة الإدارة الذاتية الكردية لـ"النفير العام" دفاعًا عن منطقة عفرين ذات الغالبية الكردية شمال محافظة حلب، وشارك المتطوعون الجدد فى مسيرة جابت قبل أيام شوارع مدينة عفرين، معظمهم بثياب مدنية، فيما ارتدى آخرون سترات عسكرية وحملوا البنادق، كما رفعوا أعلام الوحدات الكردية مرددين هتافات مناوئة للجيش التركى، وعلى جانبى الطريق، تجمع سكان المدينة وهم يرفعون علامات النصر، وخلال المسيرة، يتجول المتطوعون فى صفوف متراصة فى شوارع المدينة، يحيون المقاتلين والمقاتلات الكرديات ويرددون "يسقط يسقط أردوغان" و"لا لا للاحتلال" و"يعيش المقاومون الأبطال".
شابة سورية تتطوع لمواجهة الغزو التركى لعفرين
الشباب السورى يتطوع للدفاع عن مدينة عفرين
الشباب السورى يتطوع للقتال والدعم اللوجيستى فى عفرين
وخلال تجمع المتطوعين فى ساحة ازادى، يردد المسئول عن تنظيم حركة الشباب فى مقاطعة عفرين، شاهين جودى، البالغ من العمر 28 عامًا، أمام الشباب، شعارات تحيى حماسهم للدفاع عن مدينتهم ومقاومة الهجوم التركى، ويوضح المستشار الإعلامى لوحدات حماية الشعب الكردية فى عفرين، ريزان حدو، لـ"فرانس برس"ن أن "هناك إقبالاً متزايداً على التطوع، ويختار كل شاب أو شابة الجهة التى يرغب بالعمل معها بحسب قدراته وخبرته"، مضيفًا "يتطوع قسم من المدنيين كمقاتلين، وقسم آخر لدى منظمات الهلال الأحمر الكردى، فى حين يفضل البعض التطوع لتأمين الدعم اللوجيستى من طعام ونقل ولباس".
وجاءت تلك التحركات بعدما أطلقت تركيا، عمليتها العسكرية "غصن الزيتون"، يوم 20 يناير الماضى، مصوبة فوهات مدافعها تجاه الأراضى السورية الممزقة بسبب الإرهاب والجماعات المسلحة، كما تحركت الآليات العسكرية التركية تجاه مدينة عفرين السورية، بزعم الدفاع عن الأمن القومى لأنقرة المهدد من قبل مسلحى وحدات حماية الشعب الكردية، متوقعين أن يلقوا دفاعات هشة من قبل القوات الكردية التى انهكها القتال فى مواجهة تنظيم "داعش"، على مدار السنوات الماضية.
إلا أن الإحصائيات الأولية للمعارك الدائرة بين القوات التركية، والأكراد، شمال سوريا، توضح أن خسائر الجيش التركى وصلت إلى 134 قتيلًا، فى مقابل مقتل 108 مسلحًا فقط من الأكراد، بينما جاءت النسبة الأكبر من القتلى بين المدنيين الذين تساقط منهم المئات نتيجة القصف التركى الغاشم على المناطق السكنية، ومن واقع تلك الأرقام ينعكس لنا أن الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، ورجاله، لم يفكروا فى المقاومة الشعبية والنفير العام الذى قد يهب من أوساط المدنيين دفاعًا عن الأرض.
مقاتل سورى يتطوع لمحاربة الجيش التركى بعفرين
تجهيز المتطوعين للدفاع عن مدينة عفرين السورية
شباب "عفرين" يحملون السلاح للمرة الأولى للدفاع عن مدينتهم
ويخضع المتطوعون لدورات تدريبية تسبق انتقالهم إلى جبهات القتال، حيث توضح القيادية فى حركة الشباب الكردية فى مدينة عفرين، جيندا تولهلدان، لـ"فرانس برس"، "نقوم بتدريبهم عسكريًا وتعليمهم على استخدام السلاح خلال أسبوع كامل"، مضيفه "نعلم أن أسبوعًا واحدًا لا يكفى للتدريب، لكن العدو هاجمنا، وعلينا الدفاع عن مدينتنا بكل السبل المتاحة أمامنا".
وفى ذات السياق، انضم فرهاد عكيد، الشاب البالغ من العمر 21 عامًا، إلى صفوف المتطوعين لمقاومة الهجوم التركى، ويقول الطالب فى الهندسة الزراعية، فى جامعة عفرين، لـ"فرانس برس"، "الطائرات الحربية للدولة التركية تقصف عفرين وتقصف المدنيين وتهاجمنا نحن وقواتنا"، مضيفًا "نحن كشباب عاهدنا أنفسنا بروح المقاومة أن نحمى عفرين، ونحمى شعبنا"، متابعاً بحماس، "لن نسمح لمحتل واحد من المحتلين الأتراك أن يدخل أرضنا المقدسة التى رويت بدماء الشهداء، ولن نسمح للدولة التركية باحتلالها".
ويبدو المتطوعون الجدد مُصرين على استكمال المهمة والتصدى للهجوم التركى، وإن كان منهم من يحمل السلاح للمرة الأولى، ويقول الشاب تيريج حسن، البالغ من العمر 22 عامًا، لـ"فرانس برس"، "تلقينا التدريبات على الأسلحة الخفيفة فى مراكز الشباب فى مدينة عفرين"، مضيفًا "إنها المرة الأولى التى احمل فيها السلاح، وأنا سعيد بذلك لأنه سيكون من أجل الدفاع عن عفرين وشعبنا وأطفالنا".
المقاتلون السوريون فى مدينة عفرين
المدنيين فى مدينة عفرين يستقبلون المقاتلين المتطوعين
المتطوعون السوريون يستعدون لمواجهة الجيش التركى
الشباب السورى يتطوع للدفاع عن أرض الأجداد فى مواجهة الغزو التركى
ومن جانبه، يشرح المتحدث باسم وحدات حماية الشعب الكردية، بروسك حسكة، "فى هذه المنطقة، كل الشباب فى متوسط أعمال ما بين 18 و32 عامًا يجب أن ينضموا إلى الوحدات لعام واحد، هذا يعنى أنه لدينا ما يشبه الجيش المدنى الاحتياطى"، موضحًا "انضم المئات إلى جميع وحدات قوات سوريا الديمقراطية، التى تشكل الوحدات الكردية عمودها الفقرى"، مشيرًا إلى أن المؤسسات العامة أغلقت، وحتى أعضاء الإدارة الذاتية يحملون السلاح.
ولا يقتصر الأمر فى المقاومة على حمل السلاح، وفق "حسكة"، فهناك من يساعد فى إعداد الطعام والشاى ويوزعه على الجبهات، وآخرون يعملون فى المستشفيات، ومنذ بدء الهجوم، تتواصل المعارك العنيفة على محاور عدة فى منطقة عفرين، وأسفر القصف والمعارك عن مقتل 68 مدنيًا، بينهم 21 طفلًا، فى منطقة عفرين، فضلاً عن أكثر من 100 من المقاتلين الأكراد و100 آخرين من الفصائل السورية الموالية لأنقرة، كما قتل 14 جنديًا تركيًا فى المعارك، وفق الجيش، بينما تنفى أنقرة، أن تكون عملياتها تستهدف المدنيين، مؤكدة أنها تستهدف المواقع العسكرية للمقاتلين الأكراد.
الشباب السورى المقاتل يتجمع فى ساحة مدينة عفرين
المدنيون فى عفرين يحيطون بالمقاتلين فى مواجهة الأتراك
الشباب السورى يقاتل للدفاع عن مدينة عفرين
مسيرات للمقاتلين السوريين فى شوارع مدينة عفرين
استعدادات سورية لمواجهة الجيش التركى