نقلا عن العدد اليومى..
- الأوراق الرسمية تكشف: المبنى الأثرى محمى بموجب حكم قضائى صادر سنة 2006
- تقارير جامعتى الأزهر والزقازيق تؤكد: المبنى بحالة جيدة وآمن مائة بالمائة ولا ضرورة لإزالته
- أهم رواده الملك فاروق وسعد زغلول ووزراء العهد الملكى والبعثات الرسمية الأجنبية
إذا كنت تبحث عن شىء من رائحة القاهرة القديمة، أو عن حكايات التاريخ المصرى الحديث، فليس أقرب إلى قدميك من أن تتمشى فى منطقة وسط البلد بحثا عن فندق كونتننتال، ذلك المكان الذى شهدت جدرانه وطرقاته وغرفه على أحد أهم فترات التاريخ والحكم فى مصر، منذ بنائه قبل 120 عاما تقريبا ليكون وجهة أهم الزعماء والحكام المصريين أمثال الملك فاروق وسعد زغلول ووزراء العهد الملكى أو حتى المسؤولين الأجانب الزائرين لمصر.
اكتسب الفندق صفته التاريخية من واقع القانون الذى ينص على أن أى مبنى يمر عليه أكثر من 100 عام يصبح مبنى أثرى، ومن واقع ما شهده من أحداث وزوار ورواد على مدار سنوات عمله حتى إغلاقه عام 1985، وأيضا من موقعه المتميز وسط القاهرة، حيث يحيط من جوانبه الأربعة، شارع عدلى وشارع الجمهورية، وميدان الأوبرا وشارع 26 يوليو.
تلك المقدمة قد تثير شجونك وخيالك حول أهمية المبنى وجماله وبهائه المعمارى، إلا أنها لاتعبر أبدا عن الواقع الذى آل إليه ذلك الفندق الآن، خاصة عندما تعلم أن كل دقيقة تمر قبل وبعد كتابة ذلك الموضوع، تشهد سقوط «طوبة وراء طوبة» من أعمدة وحوائط الفندق الأثرى بناء على رخصة هدم كلى صادرة بناء على قرار من رئيس مجلس الوزراء المهندس شريف إسماعيل، بتاريخ 12 يناير 2016، حصلت بموجبها الشركة المصرية العامة «إيجوث» على رخصة الهدم وإعادة البناء للعقار.
لكن يبدو أن خلف هذه الرخصة والقرار الذى سبقها قصص طويلة من الكفاح من أجل عدم هدم ذلك المبنى، لأسباب ترتبط بكونه مبنى أثريا، ولكون مصيره يرتبط بمصير أكثر من 5 آلاف عامل ومن ورائهم أسرهم، هم حجم العمالة والموظفين الموجودين بالمحلات المستأجرة داخل وأسفل ذلك الفندق.
النظرة الأولى إلى القضية تشير إلى أن هناك قرارا صادرا من رئيس الوزراء، تم على أساسه استخراج رخصة الهدم، وأن القرار والرخصة مستندين إلى سوء حالة الفندق وضرورة هدمه وإعادة بنائه، لكن التحقق من القضية يكشف أبوابا ومفاجآت جديدة، يقول المتضررون إنها كانت مخفية، عمدا، عن رئيس الوزراء المهندس شريف إسماعيل حين اتخذ قراره باستخراج رخصة الهدم.
الحقيقة الأولى التى تكشف حجم المخالفات فى قضية هدم الفندق هى أن هناك قرارا سابقا من رئيس مجلس الوزراء عام 2005 يحمل رقم 2964 يحظر هدم فندق الكونتننتال وعدد من المبانى الأخرى معه، باعتبارها مبانى أثرية تابعة للتراث المعمارى لمحافظة القاهرة وكتب بالقرار أمام فندق كونتننتال أنه ذو قيمة معمارية عمرانية متميزة ويمثل حقبة تاريخية، إلا أن ذلك القرار لم يتم أخذه فى الاعتبار ولم يتم عرضه على رئيس الوزراء المهندس شريف إسماعيل، حين تم عرض الأمر عليه لاستصدار قرار الهدم.
الحقيقة الثانية الأكثر خطورة التى قد تورط كل من شارك فى هذا الهدم فى مخالفات كبيرة، هى أن هناك حكما قضائيا نهائيا صادرا عن محكمة الاستئناف يحمل رقم 129 لسنة 118 ق استئناف عالى القاهرة بجلسة 12 سبتمبر 2006 رفض طلب شركة «إيجوث» بهدم الفندق وألزمها بترميمه.
المستند الثالث الذى يمثل رأى مهم فى تلك القضية هو التقرير الفنى الهندسى الصادر عن مركز الأعمال الهندسية والاستشارات الهندسية بجامعة الأزهر بتاريخ 4 أبريل 2004 والذى أكد أن حالة العقار آمنة ولاتستعدى إزالة كاملة، وأن العقار فى حالة اتزان تام ولايمثل أى خطورة على الأرواح ويتحمل جميع الأحمال بما فيها الزلازل والكوارث الطبيعية.
إضافة إلى تقرير آخر صادر عن كلية الهندسة بجامعة الزقازيق صادر فى يوليو عام 1997 أوصت فيه اللجنة المشكلة بأن حالة العقار بصفة عامة جيدة وأنه لايحتاج إلى أى أعمال ترميم تزيد من أمانه وكفاءته وأن تلك الترميمات هى الأمثل فنيا واقتصاديا ولاترى اللجنة ضرورة لإزالة المبانى وإعادة بنائها.
كل هذه الحقائق يبدو أنها لم تعرض على المهندس شريف إسماعيل حين اتخذ قرارا بإصدار رخصة الهدم، والتى تم إصدارها أيضا بالمخالفة للقانون، حسب تصريحات محمد حجازى، محامى أصحاب المحلات بالفندق، والذى أكد أن إصدار الرخصة لم يتم بناء على تقرير هندسى يكشف أو يؤكد ضرورة حاجة المبنى للهدم، وإنما صدرت الرخصة بناء على قرار حكومى مايمثل مخالفة قانونية جسيمة.
وتابع المحامى أن هناك عددا من القضايا تم رفعها أمام النيابة الإدارية ومجلس الدولة تطالب بوقف أعمال الهدم بشكل عاجل بناء على كل الأوراق والقرارات والأحكام التى لم يتم مراعاتها حين اتخذ مجلس الوزراء قرار الهدم، إلا أن كل تلك القضية لم يتم الفصل فيها، رغم خطورة الوضع.
البشر قبل الحجر.. من ينقذ أصحاب المحلات و5 آلاف عامل
بالتوازى مع ذلك الوضع القانونى الذى حمل العديد من المغالطات والمخالفات يبقى الوضع الإنسانى أكثر قسوة، حيث يهدد قرار الهدم أكثر من 5 آلاف عامل وأسرهم مرتبطين بالفندق، ويعملون داخل محلاته المستأجرة التى يبلغ عددها 205 محلات، والأزمة أن هؤلاء العمال لايجدون بديلا ولا حلا ولاتعويضا عما سيلحق بهم من ضرر حال استمرار الهدم.
يضم الفندق العريق بين جنباته أكثر من 250 محلا تجاريا مستأجرا، ويواجه مستأجروه أزمة كبرى بسبب عدم إنصات المسؤولين لهم أو محاولة إيجاد حلول وبدائل عادلة لهم، بعد ما سيلحق بهم من ضرر على خلفية تنفيذ الهدم الكامل.
وقال حسن منصور أحد مستأجرى المحلات التى تعمل فى مجال المصنوعات الجلدية، إن المسؤولين لا يسمعون لهم ولا لشكواهم ولا يسعون لتعويضهم التعويض العادل، وأنه حتى قرارات رخصة الهدم لم يتم مراعاتها، وأن القانون يجبر صاحب قرار الهدم أن يتفاوض مع المستأجرين وتعويضهم قبل الهدم.
وأوضح «منصور» أنه محله على سبيل المثال يضم ديكورات بقيمة 2 مليون جنيه، مضيفا أن قيمته الإيجارية السوقية حاليا تتخطى 20 ألف جنيه، وأن التعويض الذى تعرضه المحافظة لا يرقى لنصف الخسارة التى سيتكبدها من الهدم.
بنفس الحزن يتحدث الحاج عبدالحميد عبدالله مستأجر مجموعة محلات أسفل الفندق تتخطى مساحتها 400 متر، مؤكدا أن حجم استثماراته تصل إلى 30 مليون جنيه، وأن الأزمة ليست فى ذلك، إنما فى حجم الضرر الذى سيلحق بـ25 أسرة تعمل لديه والتى لن تجد مكانا آخر تعمل به، وأنه يريد فقط أن يتم وضع حلول وتعويضات بديلة عادلة، وألا يتم فرض الأمر الواقع علينا لقبول عرض مجحف يظلمنا ويظلم آلاف العمال.
فيما طلب فتحى الصباغ مستأجر أحد المحلات التى تعمل فى مجال الملابس والأقمشة بتشكيل لجنة محايدة لتقدير قيمة المحلات، ووضع تعويضات عادلة، أو أن تتعهد الحكومة بتوفير محلات بديلة عندما يكتمل البناء الجديد وبنفس مواصفات المحلات الحالية.
وطالب المستأجرون بتدخل المهندس شريف إسماعيل، لوقف الهدم وبدء التفاوض والنظر إلى القرارات والأحكام الصادرة السابقة، وتشكيل لجنة محايدة لتقدير قيمة المحلات، مع مراعاة البعد الاجتماعى وتعويض أكثر من 5 آلاف عامل متضررين من الهدم.