انفجر حسين الخلف (13 عاما) بالبكاء وهو يجلس فى غرفة الدراسة بمدرسة أحمد بهاء الدين رجب قرب العاصمة السورية دمشق بينما كان يروى السبب الذى جعله يبدأ تعلم القراءة والكتابة للمرة الأولى فى حياته.
كان حسين يبلغ من العمر خمسة أعوام عندما بدأ الصراع فى سوريا عام 2011 ليدمر حياته وحياة أسرته فى مدينة البوكمال التى سرعان ما تحولت إلى معقل لتنظيم داعش.
وحسين هو واحد من آلاف الأطفال السوريين الذين التحقوا ببرنامج منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) للتعليم فى حالات الطوارئ وهو مخصص لمن يولدون أثناء الحروب ولا يستطيعون الالتحاق بالمدارس. وتعمل المدرسة على فترتين فى اليوم للسماح لأكبر عدد ممكن من الأطفال باللحاق بركب أقرانهم.
طفل سورى يبكي
قال حسين: "أهلى قالوا لى يجب أن أدرس فى الصف الأول لكن كنت أريد أن أكون فى الصف الخامس، الأولاد كانوا يسخرون منى لأنى فى الصف الأول لكنى لا أرد".
وأضاف: "لم أذهب إلى المدرسة منذ أن ولدت. الدواعش كرهونا فى حالنا. كانوا يأتون إلينا ويريدون منا الانضمام إليهم".
وتابع وهو يغالب دموعه "رفاقى كلهم راحوا، وجدت رقم رفيقى وقال لى مات رفيقى ماجد كان يلعب معنا . كنا مجتمعين ما أحلانا قبل أن يأتى الدواعش . أنا لا أريد شيئا. أريد فقط أن أرى رفاقى مرة أخرى".
لم يرسل كثير من الأهالى أطفالهم إلى المدارس خوفا من التعرض لقصف عنيف من الطائرات السورية أو الروسية إلى جانب الخوف من أن يزرع تنظيم داعش تعاليمه فى نفوس الأطفال أو يسعى لضمهم إلى صفوفه.
ومعظم الأطفال فى مدرسة أحمد بهاء الدين رجب من مناطق مزقتها الحرب مثل الرقة وحلب ودير الزور وإدلب والبوكمال وقد تشردوا جميعا بسبب المعارك المستعرة.
وهؤلاء الأطفال على رأس قائمة ضحايا الحرب التى تقترب من عامها الثامن، وتتجلى الصدمة مما عانوه على وجوههم وصمتهم المرتبك وعيونهم التى يملؤها الحزن ونوبات البكاء التى تنتابهم.
أطفال سوريا
لقد دفع هؤلاء الأطفال ثمنا باهظا فى صراع يستعصى على فهمهم. كما دمرت الحرب حياتهم وتسببت فى تشريد وتفريق شمل أسرهم وحرمانهم من التعليم وبناء مستقبل واعد.
وتقول هيئة إنقاذ الطفولة وهى منظمة دولية غير حكومية إن ما يقدر بنحو 7.5 مليون طفل يكبرون دون أن يعرفوا شيئا آخر سوى الحرب.
يقول صالح الصالحى (12 عاما) الذى هرب من شرق حلب التى كانت معقلا للمعارضة وشهدت قصف مكثفا "كل ما كان هناك حرب وتدمير.. قتل أخى وقاموا بإلقاء البراميل المتفجرة علينا والصواريخ".
ويقول صالح إنه ينتابه شعور غريب وهو ذاهب للمدرسة للمرة الأولى فى حياته.
وتحمل المدرسة نفسها بصمات الحرب. ففصول الدراسة شديدة البرودة والتدفئة ضرب من الرفاهية فى ظل ارتفاع أسعار الوقود بشكل جنوني.
أما المقاعد والمناضد ففى حالة متهالكة ولا توجد فى المدرسة أى من الأغراض الشائعة فى المدارس العصرية مثل أجهزة الكمبيوتر المحمول ومراكز الأنشطة الرقمية أو حتى مكتبة أو مقصف.
الحرب في سوريا
بل إن مدير المدرسة كان يهرع إلى وظيفته الثانية التى يجنى منها مالا إضافيا يعينه على إعالة أسرته. وبعد 25 عاما تقول إحدى المدرسات إن راتبها الشهرى 80 دولارا وإنها لم تحصل على زيادة فى سبع سنوات.
وتبدو علامات سوء التغذية واضحة على الكثير من الأطفال الذين ظهرت هالات سوداء تحت أعينهم بينما لا تعينهم ثيابهم البالية وأحذيتهم الممزقة على تحمل البرد القارس.
ورغم أن معظم الأطفال قالوا إنهم سعداء لإتاحة الفرصة لهم للحاق بركب أطفال آخرين فقد كانوا يشعرون بالحرج والارتباك بشأن أعمارهم وبيئتهم الجديدة.
ويقول على عبد الجبار بدوى "كنت احلم بالمدرسة. لم أكن أذهب إلى المدرسة أبدا. سقط صاروخ على المدرسة فى حينا ودمرها. أريد اللحاق بالأطفال الآخرين من عمري".
وتقول آية أحمد (13 عاما) من الغوطة الشرقية قرب دمشق، التى تشهد قتالا عنيفا، إنها خائفة من الذهاب للمدرسة لأنها لا تعرف أحدا ولا أصدقاء لها.
وتقول: "لم أكن اعرف أقرأ وأكتب أو أكتب اسمي. فى الغوطة كان لدى أصدقاء. أشعر بالحرج عندما يسألنى الناس فى أى صف ؟ ينظرون إلى ويقولون كل هذا الطول وفى الصف الأول؟ تأخرت جدا فى الدخول إلى المدرسة ولكن أريد أن ادرس وأصبح شخصية مهمة. أريد أن أصبح محامية".
وقال مدير المدرسة ثائر نصر العلى "الأزمة أثرت على الحجر والبشر ولكن الأطفال دفعوا ثمنا باهظا وانقطعوا عن الدراسة وتأذوا نفسيا. أغلقت المدارس وتوقف التعليم".
وتابع قوله "طبعا نحن صادفنا الكثير من الحالات النفسية السيئة ونلاحظ أن بعض الطلاب عندهم عنف واضح بسبب الحرب والعنف الذى شاهدوه. العديد من الأطفال فقدوا الآباء والأقرباء ورأوا الرعب والموت أمام أعينهم".
وذكر العلى ومسؤولون من الأمم المتحدة أنه إضافة للحرمان من التعليم يضطر الكثير من الأطفال للعمل لمساعدة أسرهم أو تجندهم الفصائل والمقاتلون.
وضعت يونيسيف خطة طوارئ لتسريع وتيرة التعليم بالتنسيق مع وزارة التعليم حتى يتسنى للتلاميذ اللحاق بركب الأطفال الآخرين.
وتدمج الخطة كل عامين فى عام واحد وتتضمن العمل فترتين فى اليوم. ويعمل فى كل فترة 64 مدرسا بينما يضم كل فصل دراسى ما بين 40 و50 تلميذا. وتضم المدرسة 1750 تلميذا أى مثلى العدد قبل الحرب.
وتقول يونيسيف إن سوريا كان بها 20 ألف مدرسة قبل الحرب لكن 11 ألف مدرسة فقط هى التى تعمل الآن أما الباقى فقد دمر كليا أو جزئيا أو تستخدمه القوات المسلحة أو الفصائل.
وخلال سبعة أعوام من الحرب الأهلية التى شهدت عمليات حصار وتجويع ومقتل نحو 400 ألف شخص، نزح نصف سكان البلاد وعددهم 23 مليون نسمة أو أجبروا على الرحيل للخارج. ويمثل النازحون داخليا ثلث سكان البلاد.
وتقول يونيسيف إن هناك 2.5 مليون طفل سورى لاجئ يعيشون خارج البلاد بينما يبلغ عدد النازحين داخليا منهم 2.6 مليون مشيرة إلى أن تأثير الصراع على هؤلاء الأطفال هائل على المدى البعيد.
وقال مسؤول إغاثة فى دمشق طلب عدم نشر اسمه "الدراما التى يعيشها السوريون لم تنته. حتى لو انتهت الحرب غدا سيظل التأثير محسوسا لأجيال".