باتت النجاحات التى حققتها مصر فى ملف غاز شرق المتوسط، تؤرق المضاجع التركية، ولاسيما نجاحها فى تحقيق اكتشاف حقل ظهر بامتياز شروق بالمياه العميقة بالبحر المتوسط على بعد 5 كيلو مترات من الحدود البحرية المشتركة المصرية القبرصية، وإعلانها عن بدء الإنتاج منه فى وقتا قياسيا لم يستغرق العامين، بالإضافة إلى نجاح مصر فى تكوين تحالفا دوليا وإقليما ثلاثيا قويا، وسرعة إنجازها لخططها الرامية للتحول إلى مركز إقليميا للطاقة بالبحر المتوسط.
التحالف الإقليمى يثير القلق التركى
يأتى على رأس الأسباب التى تجعل الأتراك منزعجون من السياسات المصرية هو نجاحها منذ نوفمبر 2014، أن تكون تحالفا إقليما قويا يضم إلى جوارها كلا من قبرص واليونان، يسعى للحفاظ على الأمن والاستقرار فى منطقة شرق المتوسط، ويعمل على تعزيز التعاون الاقتصادى وترسيخ العلاقات السياسية المستقرة بين هذه الدول.
فالتقارب المصرى القبرصى يعد أداة ضغط على تركيا، ويخلق لها حالة من الاستفزاز السياسى وخاصة إنها تحتل الجزء الشمالى من الأراضى القبرصية، ولا تقل العلاقات المصرية اليونانية عن العلاقات القبرصية، وهو ما يمثل تحديا كبيرا أمام تركيا.
وحقق التحالف الثلاثى نجاحات عدة، وأثمر عن تعاونا اقتصاديا وأيضًا فى الجانب العسكرى الذى شهد مناورات دورية بين هذه الدول منذ عام 2015، وهو ما أفرز غضبا عثمانيا للدرجة التى جعلت الخارجية التركية تصدر بيانا فى نوفمبر الماضى لتبدى اعتراضها على المناورات العسكرية المشتركة بين مصر واليونان فى جزيرة رودس اليونانية التى أجريت تحت اسم ميدوزا-5، ووصفتها بأنها خرق واضح للقوانين الدولية.
ترسيم الحدود
أكثر ما يثير غضب الأتراك ضد مصر هو اتفاقية ترسيم الحدود الموقعة بين مصر وقبرص فى 2013، والتى اكتشفت مصر بموجبها حقل ظهر، بالإضافة إلى سعى القاهرة إلى ترسيم الحدود مع أثينا لاستكمال التنقيب عن الغاز فى منطقة شرق المتوسط، وهو ما استدعى غضبا رسميا من تركيا الذى خرج وزير خارجيتها زاعما أن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص لا تحمل أى صفة قانونية، وردت مصر على تلك المزاعم، حيث قال أحمد أبو زيد، المتحدث باسم الخارجية المصرية، إن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص لا يمكن لأى طرف أن ينازع فى قانونيتها، حيث تتسق وقواعد القانون الدولى، وتم إيداعها كاتفاقية دولية فى الأمم المتحدة.
فى فبراير 2003 تم ترسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة لكل من مصر وقبرص، وتضمنت 8 نقاط إحداثية تحدد المساحة البحرية الخالصة لكلا البلدين، ووقع البلدان على اتفاقية لترسيم الحدود البحرية بينهما فى ديسمبر 2013، وصدق عليها الرئيس عبد الفتاح السيسي ونظيره القبرصى نیكوس أنستاسیادس فى سبتمبر 2014.
تحول القاهرة لمركز إقليمى للطاقة يربك خطط تركيا لنقل الغاز إلى أوروبا
أصابت خطط القاهرة للتحول إلى مركز إقليمى لتجارة الطاقة بالبحر المتوسط، الخطط التركية الهادفة إلى تقديم نفسها إلى دول الاتحاد الأوروبى باعتبارها مركزًا عالميًا لنقل الغاز الطبيعى من الشرق إلى الغرب، عبر خط السيل الناقل للغاز الروسى إلى أوروبا عبر الأراضى التركية.
وتعتمد تركيا فى ذلك على مشروع السيل التركى الذى جرى توقيعه بمدينة اسطنبول أكتوبر 2016، وهو مشروع لمد خط أنابيب لنقل الغاز الروسى عبر تركيا وإنشاء مجمع للغاز، لتوريده فيما بعد لمستهلكى جنوب أوروبا.
وتمد روسيا دول الاتحاد الأوروبى بما يتراوح ما بين 30 – 40 % من احتياجاتها من الغاز الطبيعى، وهو ما يمثل هيمنة روسية على صناعة القرار السياسى فى القارة الأوروبية التى تسعى خلال الفترة الأخيرة لتنويع مصادر توريد الغاز إليها حتى لا تتعرض لضغوطا سياسية من قبل روسيا.
لكن ما دخل مصر ودول شرق المتوسط بتعطيل الخطط التركية؟
شجعت نجاحات القاهرة فى اكتشاف حقل ظهر فى 2014 وبدء الإنتاج منه قبل نهاية 2017 وزارة البترول المصرية على التفاوض مع الشركات العاملة بحقول غاز شرق المتوسط لربط الحقول المنتجة بمصانع الإسالة فى إدكو ودمياط، وأيضًا شجعت دول شرق البحر المتوسط التى أعلنت عن اكتشافات غازية على ضرورة الإنفاق على مشروعاتها والإنتاج بشكل أكبر منها لتحقيق عائدات اقتصادية مجزية لها من وراء هذاه الاكتشافات.
قبرص هى الأخرى تسعى لنقل الغاز من حقل أفروديت إلى محطات الإسالة المصرية، لتسييله ومن ثم استخدامه فى السوق المحلية المصرية أو إعادة تصديره إلى أوروبا، ووقعت مصر اتفاق حكومى مع قبرص لتوصيل خط غاز من حقل أفروديت القبرصى بالبحر المتوسط إلى محطات الإسالة المصرية، يأتى ذلك فى ظل وجود شركة شل العالمية شريك فى الحقل القبرصى بنسبة 35 %، بالإضافة كون الشركة نفسها شريك فى محطة الإسالة المصرية، وهو ما يعزز من فرص إنجاز الاتفاق، حيث من المنتظر إنهاء اجراءات التنفيذ حتى يكون الخط جاهزًا للعمل فى 2019 – 2020.
كما أن لبنان طرحت هى الأخرى قبل عدة أشهر عددا من المناطق للتنقيب عن الغاز بالبحر المتوسط.
كل المعطيات المصرية وسعيها للتحول إلى مركز إقليمى للطاقة من خلال تشجيعها لجيرانها على نقل غازهم إلى القاهرة يعطل تركيا التى لن تجد سوى الغاز الروسى الذى تريد أوروبا أن تتخلص من سطوته عليها.
لكن هل يمكن لمصر أن تأخذ مكان روسيا فى توريد الغاز الطبيعى إلى أوروبا؟
من غير المرجح أن تحل مصر ودول شرق البحر المتوسط محل روسيا كأكبر مزود للغاز الطبيعى لأوروبا، لكن يمكنها أن تساعد بشكل كبير فى خفض اعتماد الاتحاد الأوروبى على الغاز الروسى، كما يمكنها أن تقلل من الأهمية التركية لدى أوروبا، كما يمكن للقاهرة الحصول فى الوقت نفسه على نفوذ أكبر بين الأوساط الدبلوماسية الأوروبية.
وقدّرت دراسة لهيئة المساحة الجيولوجية الأميركية فى 2010 حجم احتياط الغاز فى حوض شرق البحر المتوسط، بنحو 345 تريليون قدم مكعب، ويحتوى هذا الحوض أيضاً على احتياطات نفطية تبلغ 3 .4 بليون برميل، إلى جانب كميات كبيرة مِن سوائل الغازات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة