خرج الضابط عزيز المصرى من فندق «توكطليان» فى «إستانبول» بعد ظهر الاثنين 9 فبراير «مثل هذا اليوم» عام 1914، فاقترب ثلاثة من البوليس الملكى منه، ودعوه إلى دائرة البوليس، حسب تأكيد صبرى أبوالمجد فى كتابه «عزيز على المصرى وصحبه.. بناة الوحدة العربية الإسلامية» عن «الهيئة المصرية العامة للكتاب - القاهرة»، مضيفا: «لما ذاع الخبر فى الأستانة، قام له أبناء العرب وقعدوا، وذهب كثيرون منهم إلى مركز البوليس مستعلمين عن السبب، فقابلهم مدير الأمن العام بكل بشاشة وتلطف، وقال لهم: إن عزيز بك لم يوقف ولكنه يستوجب عن أمور لا دخل له فيها، وسيطلق سراحه فى المساء».
يضيف «أبوالمجد»: «لما أزفت الساعة العاشرة مساء، ولم يخرج عزيز بك من دائرة البوليس، طلب أحد الضباط العرب المرحوم عبدالحميد الزهراوى باسم الضباط العرب أن يبحث عن سبب الاعتقال، معلنا استياء العرب ملكيين وعسكريين من تلك المعاملة، لأن عزيز بك لا دخل له فى سياسة الأستانة وشؤون أحزابها»، كان «المصرى» وقتئذ واحدا من الضباط المرموقين فى الجيش العثمانى، الذى التحق به باعتباره مصريا، وكانت مصر جزءا من الدولة العثمانية، غير أن «المصرى» ممن عملوا على استقلال الدول العربية ووحدتها، وخاض فى سبيل ذلك معارك وطنية كبيرة، وحاز على ألقاب مثل «أبوالثوار» و«أبوالضباط الأحرار» و«أحد رواد القومية العربية».
هو الطالب الذى ذهب لتأدية الامتحان بمدرسة الحقوق أمام أمير الشعراء أحمد شوقى فى اللغة الفرنسية، وبدلا من الإجابة على الأسئلة توسل إلى أمير الشعراء أن يذهب معه إلى على باشا ذو الفقار، صديق «شوقى» ليتوسط عنده للسفر إلى تركيا كى يدرس فى مدارسها الحربية، وبعد إلحاح وافق «ذو الفقار باشا»، حسب تأكيد صفاء خليفة فى «عزيز المصرى- تاريخ مشرف من العمل الثورى» «مجلة ذاكرة مصر المعاصرة-مكتبة الإسكندرية»، مضيفة: «ولد فى القاهرة عام 1880، والده هو زكريا أفندى على، جركسى الأصل، ولم يكد أن يبلغ الساسة حتى توفى الأب، وعندها تعهدته شقيقته الكبرى بالرعاية والحفاظ على إرثه، ثم أكمل تعليمه الثانوى بمدرسة التوفيقية الثانوية بشبرا، وكان اسمه فيها عبدالعزيز زكى، واتخذ لنفسه اسم عبدالعزيز على، وكان الأتراك يطلقون عليه اسم «قاهرة- لى- عزيز-على «أى» عزيز على المصرى»، وظلت أخته ترعاه حتى تخرج فى مدرسة التوفيقية ونال منها شهادة البكالوريا، والتحق بمدرسة الحقوق».
تؤكد «خليفة»، أن «المصرى» أنهى دراسته العسكرية بنجاح مبهر، وأصبح ضابطا فى الجيش العثمانى وشارك ضمن الجيوش التركية فى بلغاريا، ليقمع الثوار البلغار الذين أطلقوا عليه اسم «الثعلب الأسود» لدهائه الشديد ولارتدائه سترة سوداء دائما، وتضيف: «منذ ذلك الوقت بدت عليه علامات التمرد، وكانت المدارس العسكرية التى التحق بها وقتئذ تموج بالدعوة للحركات الإصلاحية، والتقى خلال وجوده فى كلية أركان الحرب بعدد من الشباب العربى والأتراك الساخطين على الحكم العثمانى، ومن هؤلاء كان نورى السعيد وجعفر العسكرى وجميل المدفعى، ومصطفى كمال أتاتورك، واجتمع حوله عدد من الساخطين على السلطان عبدالحميد، فكون فى أكتوبر 1906 «جمعية الوطن» بهدف إنشاء وطن عربى مستقل».
ووفقا للمجلد الأول من «الثورة العربية الكبرى- تاريخ مفصل جامع للقضية العربية فى ربع قرن»، تأليف «أمين سعيد» عن «مكتبة مدبولى-القاهرة» أنشأ «المصرى» جمعية العهد فى الآستانة يوم 28 أكتوبر سنة 1913، وضم إليه نخبة من الضباط العرب فى الجيش العثمانى، وكانت سرية، وأقسم أعضاؤها على ألا يبوحوا بشىء عنها، ويعملوا لإدراك أغراضها ونص برنامجها على أن غايتها هى السعى لاستقلال الداخلى لبلاد العرب، على أن تظل متحدة مع حكومة الآستانة، وأحدث إنشاء هذه الجمعية ضجة شديدة فى دوائر الأستانة لما عرف به منشئوها من الصلابة والقوة، مما جعل الحكومة الاتحادية «العثمانية» تخشاها وتحسب حسابها، وتفرق رجالها قبل أن يشتد ساعدها».
يؤكد «أمين سعيد» أنه فى 24 يناير 1914، عقد اجتماع خاص فى دار وزارة الحربية بالأستانة حضره الصدر الأعظم سعيد حليم باشا، ومحافظ الأستانة العسكرى أحمد جمال باشا، ودرسوا التدابير الواجب اتخاذها لمقاومة الحركة العربية خاصة، وجمعية العهد عامة، وقرروا إقصاء ضباط عرب مقيمين فى الأستانة، وعددهم كبير كما ظهر من كشوف وزارة الحربية 490 ضابطا ينتمى منهم 315 لجمعية العهد، وتولية القيادة فى البلاد العربية إلى الضباط الترك، وإقصاء الضباط العرب عنها والاستغناء عن خدمتهم فيها بقدر الإمكان، وإقصاء العرب الذين يعملون ضد الترك من الأستانة، واستمالة من يمكن استمالتهم منهم».
فى هذا السياق تم اعتقال عزيز المصرى يوم 9 فبراير، وتفاعلت الأحدث فى اليوم الثانى.