- رئيس لجنة تقصى حقائق نقابة المهندسين: هذه الورش كارثة وتعتمد على مواد غير مطابقة للمواصفات.. ومصعد مستشفى بنها تم تصميمه فى واحدة منها
- الورش لا تكتفى بالتصنيع ويمتد نشاطها للتركيب على يد صنايعية غير متخصصين- محافظة القاهرة: لا توجد إدارة مركزية لمراقبة عمل المصاعد والأحياء منوط بها هذه المهمة... والجيزة: مهمتنا تنتهى عند منح الرخصة
- تصنيع كبائن المصاعد والشاسيهات بطرق بدائية ومواد غير مطابقة للمواصفات فى ورش بير السلم بالوراق
لم تكن وفاة سبعة أشخاص وجرح 4 آخرين نتيجة انهيار مصعد مستشفى بنها الجامعى فى شهر يناير الماضى هو الحادث الأول من نوعه فعلى مدار عدة أشهر تواترت الأخبار عن إصابة العشرات، نتيجة سقوط المصاعد أو تعطلها فجأة.
فى هذ التحقيق تكشف «اليوم السابع»، عن صناعة كبائن وشاسيهات المصاعد التى تتم بعيدا عن الرقابة أو مواصفات الجودة فى ورش بدائية غير مرخصة تفتقد للمواصفات والاشتراطات اللازمة والمنصوص عليها بقرار وزير الإسكان والمرافق رقم 167 لسنة 1997 بشأن الكود المصرى لتحديد أسس تصميم وشروط تنفيذ المصاعد الكهربائية والهيدروليكية فى المبانى، وذلك بعدما تواصلنا مع عدد من القائمين على تلك الورش تحت ستار امتلاكنا عمارة نرغب فى شراء مصعد لها.
- الوراق.. مركز ورش الموت
فى شارع ضيق ينتهى ببوابة حديدية ضخمة وسط أحد التجمعات السكنية فى منطقة الوراق، تقع إحدى الورش التى تعمل فى الخفاء على صناعة الشاسيهات وكبائن المصاعد، وخلف تلك البوابة تراصت العديد من الشاسيهات وكبائن المصاعد وسط الآلات البدائية، والأخشاب وعشرات الألواح المعدنية.
فى الداخل جاء تواصلنا مع القائمين على تلك الورشة باعتبارنا نرغب فى شراء أحد المصاعد وبناء عليه تباهى مالك الورشة أمامنا بالشهرة الواسعة التى حققتها ورشته على حد قوله فى اقتناء ممتلكات عالية الجودة وبأسعار مخفضة لا ترهق «الزبون»، على عكس المصانع الكبرى التى تعمل على استغلال المستهلك ولكنها وتبيع نفس المنتج ولكن بسعر مضاعف.
سعر الكابينة فى هذه الورشة يبدأ من 8500 جنيها ويزداد بزيادة المساحة، وتتعامل الورشة مع عدد من الشركات فى الباطن بسبب عدم امتلاكها الأوراق والتراخيص التى تؤهلها من التعامل مع الهيئات والمصالح الحكومية بشكل مباشر وبالتالى يصبح القائمون عليها أكثر عرضة للاستغلال من قبل مالكى تلك الشركات.
ويوضح مالك ورشة الوراق الاختلاف بين الكبائن التى تُصنع فى ورشته ومنتجات باقى المصانع «صاحبة الشهرة والصيت»، قائلا: مجرد فوارق ضئيلة سواء فى بعض المواد المستخدمة فى عملية التصنيع أو وزن الكابينة نفسها، لكن بشكل عام منتجاتنا أضمن لأننا «شاربين الصنعة» من جدودنا.
لا يقتصر عمل الورشة على تصنيع الشاسيه والكابينة فقط، وإنما يمتد إلى الإشراف على تركيب المصعد وتشغيله، وذلك من خلال بعض العمال التابعين للورشة ايضًا وهو ما أشار إليه بقوله: «نتولى كل ما يتعلق بالمصعد من باقى المستلزمات، التركيب والصيانة، وذلك من خلال بعض العاملين التابعين للورشة ودول عيال بقى تربية إيدينا عارفين شغلهم كويس، علشان نبعد الزبون عن استغلال الشركات».
الزبائن فى مصانع بير السلم.. النقود مقابل الأرواح
فى إحدى الشوارع الضيقة الهادئة، القريبة من منطقة الورش بشارع 10، توجد ورشة مختلفة تماما عن نظيراتها المخصصة لبيع الخشب والمنتشرة حولها فى الشارع نفسه، تتراص أمامها ألواح من المعدن، هذا المكان عبارة عن محل صغير يمتلئ بألواح معدنية وعدد من كبائن المصاعد.
أمام الورشة وقف رجل ستينى برفقة ابنه يتابعان معا شحن بضاعتهم أعلى إحدى السيارات النصف نقل، وبسؤاله عن سعر منتجاته ومدى جودتها أجاب الحاج «محمود»: الورشة تصنع كبائن وشاسيهات وأعمدة تضاهى جودتها منتجات المصانع الضخمة. وسعر الكابينة والشاسيه يبدأ من 10 آلاف جنيه بالنسبة للكبائن المصنوعة من المعدن غير المنقوش ويزيد حسب الحجم، أما سعر الكابينة فيصل إلى 13 ألف جنيه وهو سعر لا يقارن بثمن الكابينة والشاسيه التى تنتجها المصانع الأخرى ويصل إلى 27 ألف جنيه».
مساحة البئر «بئر سلم العمارة»، هى التى تحدد مساحة الكابينة ومن ثم السعر.. هذا ما أكد عليه مالك الورشة السابق وأثناء عرضه لمنتجات ورشته سألنا الحاج «محمود» عن متانة الكابينة فى ظل ما نسمعه عن سقوط المصاعد هذه الأيام، فقال: «مفيش أسانسير بيقع هو بس ممكن يقف قبل الباب بشوية فيقولوا عليه وقع».
الورشة لا تكتفى بصناعة الأجزاء المعدنية للمصاعد، بل يمكن أن توفر لنا أحد الأشخاص ذى خبرة - كما عرض صاحبها - يذهب معنا إلى السوق المتخصص فى بيع أجزاء المصاعد فى منطقة حلمية الزيتون لنشترى قطع وأجزاء المصعد بحسب ميزانيتنا، ويقوم بعد ذلك بتجميعه وتركيبه وتشغيله، وعما إذا كان هذا الشخص متخصصا قال: «لا ده صنايعى تمام وتبعنا نضمنه بعنينا».
مهمة هذا «الصنايعى»، كما أوضح صاحب الورشة تتمثل فى تجميع أجزاء المصعد وتركيبه وتشغيله، دون الحاجة إلى شركة حتى لا نتحمل تكلفة كبيرة، وبهذه الطريقة يمكن أن يصل سعر المصعد المجمع إلى حوالى 110 آلاف جنيه، فى حين تصل تكلفة المصعد المجمع من خلال شركة إلى حوالى 130 - 150 ألف جنيه، أى أن التوفير يتراوح بين 20 و40 ألف جنيه «نحن أولى بها»، بحسب صاحب الورشة، متعهدًا بأن يختار «الصنايعى»، أجزاء ذات جودة.
- نقابة المهندسين: كارثة حقيقية
«ورش بير السلم لتصنيع المصاعد كارثة حقيقية».. بهذه الكلمات بدأ المهندس محمد النمر، رئيس لجنة تقصى الحقائق بنقابة المهندسين فى حادث مستشفى بنها الجامعى، حديثه، مشيرًا إلى أن هذه الورش التى تعمل فى تصنيع كبائن وشاسيهات المصاعد تستخدم مواد غير مطابقة للمواصفات وغير معتمدة من أى جهة، كما أنها لا تعتمد على معايير علمية فى التصنيع.
ولا تتبع هذه الورش اشتراطات وكود المصاعد المنصوص عليها بقرار وزير الإسكان والمرافق رقم 167 لسنة 1997 بشأن الكود المصرى لتحديث أسس تصميم وشروط تنفيذ المصاعد الكهربائية والهيدروليكية فى المبانى الذى نص على ضوابط معينة لا بد من مراعاتها فى التصنيع، ومنها وجود نقاط حسابية يجب الأخذ بها عند حساب الأحمال، بالإضافة إلى العلاقة الحسابية بين المساحة و«الحمولة»، وهذه معايير دقيقة يقوم عليها فنيون مختصون ويتم تجاهلها فى ورش «بير السلم»، وهو ما يؤدى لوقوع العديد من الحوادث، بحسب رئيس لجنة تقصى الحقائق.
- التعاقد من الباطن وسيلة ورش بير السلم للانتشار
تندرج صناعة المصاعد ضمن المهن الخطرة التى يفترض أن يقوم بها مصانع مرخصة تخضع للرقابة والتفتيش الدورى، للتأكد من تطبيقها قواعد السلامة والأمان التى نص عليها كود المصاعد، للحفاظ على أرواح مستقليها، ولكن ذلك لم يمنع «مصانع بير السلم»، من أن تجد لنفسها مساحة للعمل والانتشار ليس فقط على مستوى الأفراد، وإنما امتد نطاق عملها ليشمل تنفيذ أعمال فى بعض الجهات والمنشآت الحكومية، عن طريق العمل من الباطن.
هذا ما أكد عليه المهندس محمد النمر بقوله: «طرق التحايل كثيرة، ومنها أن يكون حجم الأعمال المكلفة بها الشركات المرخصة كبيرا فتضطر للاستعانة بهذه الورشة، لتقليل النفقات أو لاختصار عامل الوقت، ومن الوارد أن تتصدى هذه الورشة لكامل الأعمال عن طريق العمل باسم شركة أخرى مرخصة، مقابل بعض الأموال». وكشف رئيس لجنة تقصى الحقائق، فى تصريحات خاصة لـ«اليوم السابع»، أنه لم يتم التعرف إلى الآن على الشركة المصممة لمصعد مستشفى بنها الذى تسبب فى مصرع 7 أفراد وإصابة 4 آخرين نتيجة سقوطه، وهو ما يؤكد أن تلك الأعمال تم تنفيذها بواسطة شركات غير متخصصة، مشددًا على أن أغلب العاملين والفنيين الذين يتولون عملية التركيب غير مختصين، بجانب أن أغلب قطع الغيار تباع فى أماكن غير مختصة ولا تخضع للرقابة.
أسواق قطع غيار المصاعد.. بيع وأشياء أخرى
فى المجمع الصناعى فى منطقة الزاوية توجد عشرات المحلات المتجاورة التى تشترك جميعها فى نشاط واحد هو بيع وتجميع المصاعد، جميعها تتنافس فى عرض أقل الأسعار لجذب الزبائن.
«عاوزه تجارى ولا سكنى» هذا هو السؤال الذى وجهه أحد أصحاب المحلات لنا لتحديد القطع التى نحتاج لشرائها، ففى حالة كان العقار «تجارى»، وجهنا صاحب المحل لشراء قطع غيار متوسطة الأسعار أو بحسب قوله «يعنى لو حاجة عاملها عشان أكل عيش متكلفش نفسك وكله بيمشى»، ولكن لو كان العقار «سكنى» قال التاجر، إنه يجب شراء أجزاء المصعد بأسعار قد تكون مرتفعة قليلا «لأنها لبيتك» بحسب قوله.
وعن معيار الأفضلية للبضائع المعروضة بمحلات المنطقة، قال أحد أصحابها: «أغلب المحلات تدعى أن قطع الغيار التى لديها إيطالى أو سويسرى، ولكنها فى الغالب مستوردة من الصين وبعضها مصنع محلى ويوضع عليها أختام وملصقات بلد منشأ غير حقيقية»، مؤكدا أن أصحاب المحلات يعتمدون على عدم خبرة المستهلك وعدم قدرته على تمييز البضاعة السليمة من «المضروبة»- بحسب تعبيره- مؤكدا أن شركته تتعامل مع قطع الغيار الأصلية، ولذلك يتمكن من التعاقد على كبرى المشروعات ومشروعات حكومية أيضا، كما أن شركته تمنح ضمانا للعميل، ولكن الضمان يصدر باسم شركة أخرى، وهو ما فسره بقوله: «الشركة دى تبعنا برضه بس إحنا مغيرين الاسم عشان الضرائب».
ولا تكتفى هذه المحلات بعرض بضاعتها فقط، ولكن تقدم لك خدمات لم تكن تتخيل الحصول عليها من هذا المكان، وهو التوجيه لشراء كبائن وشاسيهات مصنعة محليا بورش كائنة فى منطقتى إمبابة والوراق بأسعار مخفضة، وقال: «هى هى زى اللى عند التونى بالظبط بس إحنا هنعمل معاك واجب».
دور هذه المحلات لا يقف عند شراء القطع والأجزاء المختلفة بل تجميعها وتركيبها وصيانتها من خلال عمال وصفهم بأنهم «أشطر من المهندسين»، وأكد أن عددا كبيرا من الشركات الكبرى تستعين بهؤلاء العمال فى إجراء عمليات التركيب والصيانة.
خارج هذا المحل التجارى وقف بعض الشباب صغير السن والذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 - 20 سنة يتنافسون على جذب الزبائن إلى المحلات المختلفة من خلال عرض أسعار مخفضة أو التلويح بالقيام بعمليات التركيب أو الصيانة مجانا أو بأسعار منخفضة.
الترخيص لا يحل المشكلة
كيف تحصل الشركات العاملة بتركيب وصيانة المصاعد على تراخيص عملها؟
ومع خطورة عملية صناعة المصاعد التى تتعلق بأرواح البشر بصورة مباشرة، يثور التساؤل حول الجهة المانحة للترخيص بالنسبة للشركات العاملة بمجال صناعة الأجزاء أو التجميع أو الصيانة؟
رئيس لجنة تقصى الحقائق بنقابة المهندسين، المهندس محمد النمر أكد أن الشركات العاملة فى هذا المجال سواء بالنسبة للتشغيل والتركيب أو الصيانة لا تحصل على موافقات أو تراخيص من نقابة المهندسين، وإنما تأخذ تراخيص عملها من اتحاد المقاولين، مشيرا إلى أن نقابته تستهدف خلال الفترة المقبلة قواعد جديدة لتنظيم المهنة من خلال التنسيق مع اتحاد المقاولين لعمل اختبارات وضوابط ومعاينات للمكان لأى شركة ترغب فى ممارسة هذا النشاط للتأكد من أنها مؤهلة لذلك.
وأكد النمر أن عدد الشركات التى يمكن القول إنها متخصصة ويعمل بها أشخاص مسؤولون ومتخصصون فى مجال المصاعد لا يزيد على 30 شركة، مقابل وجود عدد كبير من الشركات التى يعمل بها «أشخاص غير مسؤولين» كما وصفهم رئيس لجنة تقصى الحقائق والتى يمكن أن يصل عددها إلى 300 شركة تعمل حاليا بالسوق، حيث تبحث الشركات غير المسؤولة عن تجميع مهمات أو أجزاء للمصعد بأرخص الأسعار دون النظر إلى جودتها، ما يعرض حياة مستقلى هذه المصاعد للخطر.
ولأن اتحاد المقاولين هو المختص بمنح تراخيص عمل شركات تشغيل وصيانة المصاعد، فهل تتطلب الموافقة على منح هذه التراخيص شروطا فنية لضمان تأهيل الشركة للعمل فى هذا المجال؟
داكر عبد اللاه، عضو مجلس إدارة اتحاد المقاولين، أكد أن منح التراخيص للشركات العاملة فى تركيب وتشغيل وصيانة المصاعد هو دور الاتحاد، ولكن لا تتضمن الموافقة على طلب الشركة الحصول على الترخيص لأول مرة شروطا فنية، وإنما هى شروط إدارية فقط، ولكن عندما ترغب الشركة فى الترقى والحصول على درجة أعلى فى بطاقة التسجيل والتصنيف باتحاد المقاولين هنا يتطلب ذلك امتلاك الشركة لشهادات خبرة معتمدة من جهات مختلفة للتأكد من أنها تعمل «بأصول الصنعة» - بحسب تعبيره.
ويوضح عضو اتحاد المقاولين، فى تصريحات خاصة لـ«اليوم السابع»، أنه لا يمكن حصر الشركات العاملة بمجال المصاعد والمسجلة بالاتحاد، لأنها تندرج تحت تخصص أوسع فى التسجيل، وهو تخصص كهروميكانيكى، ويشمل كل الشركات العاملة بمجال الأعمال الكهربائية والكهروميكانيكية وقطع الغيار والمحابس والمصاعد.
ولم ينف عبد اللاه وجود العديد من الورش التى تعمل فى صناعة الكبائن وشاسيهات المصاعد وتجميع الأجزاء، ولكنه لا يرى أنها تمثل خطورة قائلًا: «فيه مواصفات هم عارفينها زى الهاى كوبى فى صناعة الساعات، وهذا لا يقتصر على المصاعد فقط، وإنما كل شىء، لأننا فى سوق حر مفيش حد له ضوابط أو ولاية عليه».
الأحياء والمحليات.. غياب الرقابة
من يراقب تركيب وتشغيل المصاعد بالعقارات؟
لكى يقوم صاحب أى عقار بتركيب مصعد سواء كان «تجارى» أو «سكنى»، لابد أن يحصل على ترخيص بالتشغيل، وهو مسؤولية الأحياء بالدرجة الأولى، بحسب ما أكده كل من رئيس لجنة تقصى الحقائق بنقابة المهندسين، وعضو مجلس إدارة الاتحاد المصرى للمقاولين. وقال عضو اتحاد المقاولين: الأحياء هى المنوط بها الرقابة على تركيب وتشغيل المصاعد من خلال استشارى معتمد بنقابة المهندسين، وفقًا لما نص عليه الدليل الإرشادى الخاص بترخيص وتركيب وتشغيل المصاعد الكهربائية الصادر عن الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، وجاء فيه: يقدم طلب الحصول على الترخيص بتركيب المصعد من مالك المبنى أو من يمثله قانونًا إلى الحى، ويبين فى الطلب اسم ولقب كل من المالك ومقدم الطلب ومحل إقامة كل منهما، وموطنه المختار إن وجد، وعنوان المبنى الذى سيركب فيه المصعد، واسم المنشأة المتعاقد معها على التركيب ومقرها، على أن يرفق بالطلب المستندات الآتية:
صورة من عقد الاتفاق على التركيب، مع إحدى المنشأت المرخص لها القيام بتركيب وصيانة المصاعد الكهربائية، رسم هندسى للمبنى بمقياس رسم لا يقل عن 1: 100، يبين موقع المصعد، رسم معتمد من المنشأة المتعاقد معها ببيان مقاسات البئر وحجرة الماكينات وقطاع طولى لكل منهما.
الدكتور محمد النمر، رئيس لجنة تقصى الحقائق بنقابة المهندسين فى حادث مستشفى بنها الجامعى، أكد أيضا أن الموافقة أو الترخيص بتشغيل المصعد بعد التأكد من مطابقته للمواصفات هو دور المحليات فى الأحياء المختلفة، ولكنه قال: «لجان المراقبة على المصاعد فى الأحياء لا تعمل ويشوبها الكثير من القصور، كما أنها تعتمد على موظفين ليس لهم علاقة بالعمل الفنى».
وطالب النمر بتفعيل لجان الرقابة فى المحليات وتدعيمها بالعدد الكافى من الفنيين، داعيا الجهات المعنية وعلى رأسها وزارة الصناعة والتجارة واتحاد المقاولين أن «تنزل» لترى جميع الشركات العاملة فى صناعة المصاعد وتراقب عليها لضمان جودة ما تصنعه.
الإسناد المباشر.. نزاهة غير مؤكدة
كيف تتعاقد الجهات الحكومية على شراء المصاعد؟
حادث سقوط أسانسير مستشفى بنها الجامعى كشف العديد من أوجه القصور فى المنظومة، فالأمر لا يقتصر فقط على جانب الصناعة والتجميع، ولكن عدم قدرة لجنة تقصى الحقائق على التوصل إلى الشركة التى قامت بعمل التصميم - وهو عمل هندسى بالأساس - وتأكيد رئيس اللجنة فى حديثه مع «اليوم السابع»، «أنه من الواضح أن من قام بالتصميم ناس غير مصنفين مهنيا أى تحت بير السلم» يطرح السؤال: «كيف تتعاقد الجهات الحكومية على شراء وتركيب المصاعد؟
لطفى شندى، الرئيس الأسبق للهيئة العامة للخدمات الحكومية وهى الجهة المسؤولة عن المشتريات الحكومية بالدولة، قال إنه فيما يتعلق بالمصاعد تقوم الجهة الطالبة للشراء بالتعاقد بمفردها، ولا يقوم بالشراء هنا هيئة الخدمات الحكومية، لأن لكل جهة احتياجاتها والتى تختلف من حيث السعة والهدف، فاحتياج المبنى الإدارى ليس كالمستشفى أو غيره من الجهات الحكومية المختلفة، وهو أمر يختلف تماما عن شراء الكراسى أو المكاتب أو الأوراق التى تتم مركزيا من خلال الهيئة.
وأكد شندى، فى اتصال هاتفى لـ«اليوم السابع»، أن طرح العطاءات بأى جهة حكومية يحكمه قانون المناقصات والمزايدات رقم 98 لسنة 1989، وهناك العديد من طرق التعاقد كالمناقصة أو الممارسة أو الإسناد المباشر فى حالات استثنائية نص عليها القانون، وفى جميع هذه الحالات تلتزم الجهة الحكومية باختيار الشركة الفائزة بالعطاء من خلال عدة ضوابط وعلى مرحلتين الأولى فنية، والثانية من حيث السعر الأقل من بين الشركات المطابقة للشروط الفنية طبقا لكراسة الشروط التى تطرحها الجهة.
وفيما يتعلق بتعاقد الشركات الفائزة مع شركات أخرى من الباطن لإنجاز أجزاء من المشروع، يوضح شندى أن المادة 8 من اللائحة التنفيذية لقانون المناقصات والمزايدات يسمح للشركة المتعاقد معها أن تتعاقد هى بدورها مع جهة أخرى لإنجاز جزء من العمل، ويطلق على الجهة الأخرى «كوادر»، ولكن يشترط تضمين ذلك فى العرض الذى تقدمه الشركة من البداية وتوضيح من هى هذه الكوادر «الجهة المتعاقد معها من الباطن» وسابقة أعمالها، وفى حالة المنشأة الصناعية يشترط أن يكون لديها سجل صناعة وترخيص بمزاولة المهنة، وفى حالة إخلال الشركة الفائزة بالطرح لأى من شروط التعاقد يمكن للجهة الإدارية إلغاء التعاقد إذا كان هناك ضرر على المال العام، طبقا لشروط التعاقد.
وبالنسبة لأعمال الصيانة أوضح شندى أن اللائحة التنفيذية لقانون المناقصات والمزايدات بها بعض المواد المتعلقة بالتعاقد على أعمال الصيانة بالجهات الحكومية، والتى تكون جزءا من عطاء الشراء نفسه، حيث يتضمن عقد الشراء الاتفاق على الصيانة وقطع الغيار بكل التفاصيل الفنية.
ويمنح قانون المناقصات المزايدات الحق فى عملية الإسناد المباشر للسلطة المختصة فى الحالات العاجلة التى لا وقت فيها لاتباع إجراءات التعاقد بالمناقصة أو الممارسة بأنواعها - بحسب المادة 7 من القانون - ويقتصر ذلك على شراء المنقولات أو تلقى الخدمات أو الدراسات الاستشارية أو الأعمال الفنية أو مقاولات الأعمال أو النقل، ولكن يشترط أن يكون قيمة التعاقد بحد أقصى 50 ألف جنيه بالنسبة لشراء المنقولات أو تلقى الخدمات أو الدراسات الاستشارية أو الأعمال الفنية أو مقاولات النقل، و100 ألف جنيه بالنسبة لمقاولات الأعمال، أما إذا تم الترخيص من الوزراء ومن لهم سلطاتهم والمحفظين فيرتفع الحد الأقصى إلى ما لا يجاوز 100 ألف جنيه فى الحالة الأولى، و300 ألف جنيه فى الحالة الثانية.
وقد أقر الرئيس المؤقت عدلى منصور تعديلًا تشريعيًا على قانون المناقصات والمزايدات، فيما يتعلق الإسناد بالأمر المباشر، وذلك عام 2013، ليسمح فى الحالات العاجلة أن يتم التعاقد بطريق الاتفاق المباشر بناء على ترخيص من رئيس الهيئة أو رئيس المصلحة ومن له سلطاته فى الجهات الأخرى، وذلك فيما لا تجاوز قيمته 500 ألف جنيه بالنسبة لشراء المنقولات أو تلقى الخدمات أو الدراسات الاستشارية أو الأعمال الفنية أو مقاولات النقل ومليون جنيه بالنسبة لمقاولات الأعمال، بالإضافة إلى الوزير المختص ومن له سلطاته أو المحافظ فيما لا تجاوز قيمته 5 ملايين جنيه بالنسبة لشراء المنقولات أو تلقى الخدمات أو الدراسات الاستشارية أو الأعمال الفنية أو مقاولات النقل و10 ملايين جنيه بالنسبة لمقاولات الأعمال.
وقال شندى: «الاتفاق المباشر من أخطر ما يمكن»، وهو ما لمسه من خلال خبرته فى العمل لسنوات طويلة بمجال المشتريات الحكومية، لأنه لا يوجد فى الكثير من الحالات ما يضمن نزاهة الإسناد المباشر لشركة بعينها خاصة إذا ما تعلق الأمر بأرواح الناس.
وطالب رئيس الهيئة السابق بأن تكون لجنة الإسناد المباشر التى تعقدها أى جهة لشراء متطلباتها من سلع أو خدمات متضمنة حضور ممثل من لجنة الدولة ووزارة المالية، مثلما يحدث فى المناقصات «لفرملة أى عوار» - على حد تعبيره.
- الأحياء.. إهمال.. وقرارات متأخرة و«معيبة»
طبقًا لقرار وزير الإسكان والمرافق رقم 167 لسنة 1997، فإن الأحياء هى المنوط بها مهمة مراقبة عمل المصاعد، من خلال الإدارة الهندسية.
خالد مصطفى، رئيس لجنة الإعلام بمحافظة القاهرة، قال: لا توجد لجنة مركزية لدى المحافظة تتولى مهمة الإشراف ومتابعة عمل المصاعد وإنما يعهد بهذه المهمة إلى الأحياء.
«مكنش عندنا لجنة لمراقبة عمل المصاعد والقرار الصادر بتشكيلها حديثا معيب».. بهذه الكلمات بدأ محمد صبحى، مسؤول ملف المصاعد فى حى غرب شبرا الخيمة، حديثه مع «اليوم السابع»، وقال: «فى 1 فبراير الجارى صدر قرار اللواء محمود عشماوى محافظ القليوبية، بتشكيل لجنة مكونة من 6 أفراد، وهم مدير إدارة الكهرباء، ومدير الإدارة الهندسية، ومسؤول الأمن الصناعى، والحماية المدنية داخل الحى».
ووصف صبحى تشكيل اللجنة الجديدة بـ«المعيب»، بسبب افتقار اللجنة للعناصر الفنية القادرة على فحص المصاعد، وكان من المقرر أن تبدأ اللجنة الجديدة عملها الأحد الماضى «بس محدش جه» على حد تعبيره، متابعًا: «وعموما أنا عملت حصر بعدد المنشآت الحكومية داخل نطاق الحى وعددها 113 بناية تتنوع ما بين منشآت حكومية وخاصة للنظر فى أوضاع المصاعد بداخلها».
وبسؤاله عن عدم وجود هذه اللجنة قبل ذلك على الرغم من نص القانون عليها قال: «قرار المحافظ صدر بعد الحوادث الأخيرة التى حدثت» لافتًا إلى أن حوادث المصاعد فى المبانى الحكومية بسبب عدم الالتزام بالحمولة المطلوبة. وطالب صبحى بضرورة تكثيف الرقابة على المصاعد، حيث إن العمل درج فى الأحياء على إعطاء الرخصة بشكل روتينى وهو ما فسره بقوله: «فيه 7 بنود من بينها ضرورة الحصول على تقرير وموافقة مهندس استشارى خارج الحى، لو تم استيفاؤها ويتم الترخيص».
وتابع: «أزمة المصاعد الحقيقية تتعلق بعدم إجراء الصيانة الدورية المنصوص عليها فى القرارات الوزارية، فى العقارات الخاصة أو الحكومية».
«مهمتنا تنتهى عند منح الترخيص». هكذا أكد أيمن عتريس، رئيس جهاز المتابعة الميدانية بمحافظة الجيزة، موضحًا أن هناك بنودا معينة يجب استيفاؤها من أجل الحصول على ترخيص بتشييد مصعد، مؤكدا أنه فور صدور هذه الرخصة بعد معاينة إدارة المصاعد للموقع تنقطع علاقة المحافظة بذلك المبنى، ويقع على عاتق السكان مهمة المتابعة الدورية وإجراء الصيانة الدورية للحفاظ على المصعد، وفى حال إذا كان المبنى حكوميا فإنه يقع على عاتق هذه الجهة الإبلاغ عن أى أعطال أو تلفيات بالمصعد لإجراء الصيانة اللازمة من جانب إدارة المصاعد بالمحافظة.