- أحد المصابين : عدم ثبات عربات القطار بدأ من منتصف الرحلة والعاملين به حاولوا تهدئة الركاب
- ومطالب بتطوير سكة حديد المناشى وإنشاء كوبرى لعبور المواطنين والانتهاء من مستشفى بدر العام المتوقفة منذ 4 سنوات
هى رحلة أسبوعية للبعض ويومية لآخرين أولها من ميدان رمسيس بالقاهرة وآخرها فى مركز إيتاى البارود بالبحيرة، والعكس صحيح لكن على غير المعتاد فإن المحطة الأخيرة كانت فى قرية أبو الخاوى التابعة لمحافظة البحيرة، وكذلك موعد الوصول كان مختلفا فعندما أشارت دقات الساعة إلى 12:30 ظهرًا لم يعد شيئا مثلما بدأ فى حياة الكثيرين من مستقلى قطار المناشى مثلما يطلق عليه الأهالى.
تعددت الروايات حول أسباب حادثة قطارى البحيرة ما بين رواية رسمية صادرة من وزارة النقل مفادها أن القطار رقم 678، ركاب ايتاى البارود - القاهرة طريق المناشى تأخر نتيجة سقوط عجلة البوجى من العربة الثالثة أثناء سيره بمحطة أبو الخاوى مما أدى إلى احتكاكها مع عربة قطار طفلة المخزن على السكة فأدت إلى وقوع الحادث، ورواية أخرى للأهالى تقول أن خطأ ما حدث فى التحويل مما أدى إلى وقوع اصطدام بين عربات الركاب فى الجهة والبضائع فى الأخرى، سواء صدقت هذه الرواية أو تلك إلا أن نتيجة واحدة وكانت محسومة وهى الموت والإصابة.
بمجرد أن تصعد إلى عربات القطار ستدرك كم الرعب والهلع الذين سيطرا على الركاب، وستجد أثارهم على المقاعد المتناثر عليها الأحذية الملطخة بالدماء وكذلك أوراق الطلاب وبقايا الطعام.. هذه الأشياء الصغيرة المعبرة عما جرى فى دقائق معدودة أسفرت عن وفاة وإصابة العشرات.
حادث قطارى البحيرة
تفاصيل المشهد:
تفاصيل الحادث نفسه يكشفها عم إبراهيم أحد المصابين بالحادثة وعامل يومية فى أحد مساجد القاهرة الذى كان متوجهاً لرؤية أبنائه فى البلد، متحدثا عن أن صرخات المصابين وأشلاء المتوفين التى مازالت عالقة فى الأذهان وستظل هكذا لفترة طويلة.
ويقول عامل اليومية: "الموضوع الذى ظل تحت الملاحظة لمدة 24 ساعة فى مستشفى إيتاى البارود بسبب معاناته من كدمات متفرقة فى كامل جسده: "كان نفسى أشوف ولادى بس كنت هاتحرم منهم بعد الحادثة".. مشيرًا إلى أنه جاء ليقضى بضعة أيام بعد غياب شهر كامل عنهم بسبب عمله فى أحد مساجد القاهرة.
ويضيف عم إبراهيم الذى اقترب من منتصف العقد الخامس من عمره، والأب لـ4 أولاد فى مراحل التعليم المختلفة :"بعد انتهاء فترة عملى فى القاهرة وحصولى على الإجازة الشهرية التى تمتد لـ 4 أيام فقط، اتصلت بأسرتى التى تقيم فى محافظة البحيرة لأخبرهم بقدومى فى قطر إيتاى البارود كما هو معتاد والذى كان من المقرر أن يصل بعد الظهر، وبعد أن اتممت الحجز وخلال استقلالى القطار لاحظت بعدم راحة وقلق واضح بسبب عدم ثبات العربات فى منتصف الرحلة وتحديدًا فى كوم حمادة وهو ما آثار قلق لدى بعض الركاب ولكن العاملين فى القطار حاولوا طمأنتهم بقولهم أن ذلك أمر معتاد، وهو ما تقبله الركاب وشاعت الراحة بينهم واستغرق بعضهم فى نوم عميق لحين وصول القطار، وسماع صوت اصطدام عنيف وأتربة حجبت الرؤية فى القطار قبل أن تظهر الدماء فى مختلف مقاعد الركاب ومن بينهم أحد الركاب الذى فقد ساقة بالكامل وكان يجلس بجواره، معبرا عن ذلك بقوله: "شعرت بهزة عنيفة للقطار وصوت قوى لم نتبين مصدره ولكنى شاهدت بعينى مشاهد الدماء تخرج من المصابين والقتلى ومن بينهم من كان يجلس بجوارى، والذى فقد ساقه بالكامل وكان يروى عن رغبته فى العودة مسرعًا على منزله للقاء زوجته وأمه وبعدها غبت عن الوعى".
وأضاف: "بعد مرور مدة من الوقت انتبهت لصوت أقدام تصعد إلى القطار وتعمل على نقل المصابين والجرحى وتحاول إنزالهم من القطار وتوصيلهم إلى المستشفيات عن طريق التروسيكل، وبعض السيارات الملاكى التى تطوع بها الأهالى لحين وصول الإسعاف، مؤكدًا أن أكثر ما يؤلمه هو مشهد العديد من الاطفال والصبية صغار السن الذين تعرضوا لإصابات شديدة فى أماكن متفرقة"، مطالبًا بضرورة محاسبة المقصرين الذين تسببوا فى "قطع عيش" أو مصدر رزق الكثير من الأسر بوفاة عائلهم خاصة أن كثير منهم ضمن عمال اليومية ولا يوجد تعيين أو تأمين طبى له.
حادث قطارى البحيرة
عندما تحول المزارعون لمسعفين !
الحادثة التى تعود إلى تمام الساعة 12:30 ظهرًا وفقًا لما يرويه سيد عزب، مزارع يمتلك أرض زراعية بجوار الحادثة، قائلا: "حضرت إلى موقع تصادم القطارين بعد خمس دقائق من الحادثة تقريبًا، وقتها كان الخوف والفزع مسيطر على الركاب، ونظرًا لأن سيارات الإسعاف لم تأتى إلا بعد 45 دقيقة، بدأ الأهالى فى نقل المصابين والمتوفين بسيارتهم الخاصة إلى المستشفيات المتعددة".
ويُضيف المزارع: "المشكلة الأكبر التى واجهتنا كأهالى عدم وجود مستشفى قريبة، خاصة أن المستشفى المركزى فى بدر مازالت تحت الإنشاء منذ أربع سنوات وفى ظل ما نراه أمامها أربع أو خمس سنوات أخرى، لذا اضطررنا إلى نقل الحالات إلى مستشفيات بعيدة فى مركز كوم حمادة مثل ايتاى البارود واليوم الواحد ودمنهور العام وإحدى المستشفيات الخاصة، وذلك لمسافة امتدت إلى 25 كيلو متر تقريبًا إنما لو كانت مستشفى بدر موجودة كانت المسافة ستختصر إلى 7 كيلو متر فقط".
وتابع سيد عزب حديثه :"رأينا جثث مقطعة إلى ثلاث أجزاء، وأخرى نصفين لسيدات ورجال وطلاب"، مشيرًا إلى أن المنطقة تحتاج إلى نفق لعبور المواطنين فى مكان الحادث لتفادى لوقوع حوادث سيارات خصوصا أن هذه المنطقة حدثت بها عدة أزمات فى أوقات سابقة.
وعن سبب تصادم القطارين طبقا لما رآه، يقول المزارع: "رغم انى وصلت متأخرا 5 دقائق إلا أن ما عرفته من بعض الأهالى هو خطأ فى التحويلة كان سببا رئيسيا فى وقوع الحادثة"، موضحًا أنه كالمعتاد فإن قطار الركاب يسير على الخط الطويل، ومن المفترض أن يأخذ جانبًا ليدخل قطار البضائع لأن خط المناشى قضبان واحد إلا أن المشكلة أن التحويلة فتحت قبل موعدها فقد كان نصف عدد الركاب قد مر بينما كانت هناك عربات لم تمر فاحتكت بقطار البضائع الذى كان متوقفا ولم يتحرك".
ووسط عمليات نقل الأهالى للمصابين قبل قدوم سيارات الإسعاف كان هناك عدد من الأسماء البارزة الذين نقلوا الضحايا منهم على عبد الله الذى قال أنه نقل العديد من الجثث فى حالة يرثى لها وكان أصعب موقف بالنسبة له عندما نقل طفل فى حالة خطيرة إلا أنه تغلب على حزنه واستمر فى عملية نقل الجثث والمصابين.
حادث قطارى البحيرة
تفاصيل الحصة الأخيرة للطلاب !
أحاديث المزارع عن تواجد طلاب فى القطار، قد تكتشفها بسهولة عبر رؤية الأوراق المتطايرة فى أرجاء المكان وعليها آثار دماء، وعلى سبيل المثال لا الحصر فإنه هناك أوراق ربما تعود إلى طلاب فى الثانوية العامة أو الفنية إحداها خاصة بمادة الرياضيات وعناوينها عن المتتابعة الحسابية وتاريخ الورقة يرجع إلى 7 فبراير الماضى، وأخرى بعنوان والمتسلسلات ورمز التجميع بتاريخ 5 من الشهر ذاته، وهناك أوراق الكهربائى المشترك الناشئ من البطارية، بينما توجد أوراق خاصة باللغة الفرنسية منها مجموعة كلمات خاصة بالإكسسوارات مترجمة إلى العربية يعود تاريخها على 11 فبراير الماضى، ومجموعة أخرى متعلق بالمواقيت الزمنية.
وعن هذه الأوراق المتناثرة، يقول مصطفى محمود مزارع وأحد الشهود العيان على الحادثة: "هذا القطار عادة ما يقل طلابا من مختلف المراحل العمرية سواء المدارس أو الجامعات، وفى الأغلب ينتمى جزء كبير من هؤلاء الطلاب إلى مدرستى الزراعة والصنايع بكوم حمادة، بينما يوجد آخرين مما يتوجهون إلى الجامعات المختلفة".
أطفال فى موقع الحادث.. تنقيب وتصوير
ومن الملاحظات الأخرى على موقع حادث تصادم القطارين هى تواجد عدد كبير من أطفال قرية أبو الخاوى، تسللوا إلى القطارات أثناء إجراء الجهات المختلفة للمعاينة لكن دورهم لا يمكن حصره فى مجرد اللهو واللعب، فقد استغل بعض منهم أجسادهم الصغير فى التسلل إلى الجوانب الضيقة والعثور على مقتنيات بعض من ركاب القطار المفقودة، والتى لم يكن أحد من الكبار المتواجدين قادر على رؤيتها قبل حضور الونش من أجل رفع آثار الحادثة.
ودور آخر لعبه أطفال أبو الخاوى عبر استغلال هواتفهم فى توثيق الحادثة فور وقوعها، وقال الطفل يدعى محمد أنه قام بتصوير فيديو مدته 40 ثانية حصل عليه "اليوم السابع" ليوثق ويظهر عمليات نقل الأهالى للجثث والمصابين أثناء التصادم ومحاولة إخراجهم من القطار بأقصى سرعة ممكنة.
حادث قطارى البحيرة
قص شريط سيارة جديدة بنقل الضحايا !
وأيضا أصحاب السيارات والتروسيكلات الذين جاؤوا مُسرعين من أجل المساعدة فى نقل الحالات إلى المستشفيات، وأحد هؤلاء الشاب إبراهيم الذى تم تداول اسمه بصورة كبيرة بين الأهالى بسبب المشاركة في جهود إنقاذ المصابين والجرحى ونقلهم من موقع الحادث إلى المستشفيات القريبة عن طريق سيارته الجديدة التى قام بشرائها مؤخرًا من مبلغ أدخره عبر سنوات من العمل في المهن المختلفة .
"لم يكن من المقبول مشاهدة مصابين وجرحى بحاجة للإسعاف ولا أقدم على مساعدتهم" بهذه الكلمات بدأ مالك السيارة التى أخذ في تنظيفها من الدماء الكثيرة التى علقت بها حديثه قائلاً :"صباح ذلك اليوم كنت أستعد لبدء أول رحلة عمل بالسيارة التى قمت بشرائها حديثًا للعمل عليها بغرض الإنفاق، والاستقرار بجوار أسرتى التى تقيم في محافظة البحيرة بعد رحلة عمل دامت سنوات في محافظتى القاهرة والجيزة .
" صوت اصطدام قوى" هو ما سمعه إبراهيم خلال رحلة عمله اليومية والتى علم بعد ذلك من الأهالى انها ناتجة عن اصطدام قطارى أدى لسقوط العديد من المصابين والجرحى ليقرر بعدها الاتجاه على الفور على شريط القطار للمشاركة في عملية الإنقاذ، بحسب قوله.
"عربات خارجة عن القضبان ودماء متناثرة، وأصوات استغاثات ضعيفة تصدر من داخل القطار من مصابين وجرحى تبحث عن من يقدم لهم العون والإنقاذ" هذا هو المشهد الذى شاهده إبراهيم الشاب الثلاثينى العمر فور وصوله إلى شريط السكة الحديدة الذى شهد حادث تصادم القطارين، والذى دفعه للقفز والصعود داخل القطار بحثًا عن المصابين محاولاً انقاذهم عن طريق انزالهم من القطار ونقلهم بسيارته الخاصة إلى المستشفيات القريبة.
ورفض إبراهيم بعض النصائح التى وجهها له البعض التى وصفها بالشاذة والخرافات، وهى عدم تلويث سيارته الجديدة بالدماء حتى لا يتعرض للإيذاء، قائلاً:" نحن نسير ببركة الله ولا بد من مساعدة الغير حتى يوهب لنا الله من يساعدنا وقت الأزمات والشدة ولا يوجد عمل أهم من إنقاذ المصابين والجرحى".
مطالب الأهالى
وفى ظل حالة الغضب التى كانت مسيطرة على أغلب المتواجدين فى موقع الحادث، خرجت العديد من المطالب من الأهالى منها إنشاء كوبرى لعبور المواطنين والانتهاء من مستشفى بدر لتفادى الوقوع فى مثل الأزمات التى واجهوها يوم الحادث فى نقل المصابين، وإضافة إلى هذه المطالب تحدثوا عن أهمية تطوير خط سكة حديد المناشى، وهنا قال أحمد رضا مزارع أطالب بتطوير خط السكة الحديد المهمل منذ عدة سنوات، مؤكدًا أن الأهالى تقدموا بعدة شكاوى للمسئولين في المحافظة خاصة بالعمل على رفع كفاءة هذا الخط الذى يشهد حركة مستمرة على مدار الـ24 ساعة من قطارات متنوعة ما بين ركاب وبضائع، إلا أنهم لم يتلقوا سوى الوعود فقط.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة