دعاهم بحجة التشاور معهم ثم التف حولهم بجيشه، وتفجر الدم من مماليك مصر، هذه ليست حكاية خيالية، بل هى حدثت بالفعل، وتعرف باسم "مذبحة القلعة"، التى تحل ذكراها اليوم حيث تمت فى 1 مارس1811.
مذبحة القلعة أو ما تعرف بمذبحة المماليك، موقعة مشهورة ودونت فى التاريخ المصرى، وكانت من تدبير وتخطيط محمد على باشا، وراح ضحيته نحو 400 مملوك.
محمد على باشا
وسوف يوجه الجميع سؤالاً ألا وهو لماذا فكر محمد على باشا فى ذلك ولمصلحة من؟ والإجابة ليست محجوبة على أحد فهى متاحة أمام الجميع، حيث دبرها محمد على باشا للتخلص من أعدائه المماليك.
فى يوم من الأيام أرسل الباب العالى دعوة لمحمد على باشا يطلب فيه إرسال حملة للقضاء على الوهابيين فى الجزيرة العربية، وأول ما خطر فى ذهن الوالى كيف يرسل جيشه للجزيرة العربية بينما أعداؤه المماليك لا يزالون يتربصون به فى مصر؟ ورأى أنه اذا خرج الجيش فى هذا الوقت وترك محمد على وحيدًا دون حماية فسوف يفكر المماليك فى انتهاز هذه الفرصة والقضاء عليه، حيث كانوا يرون أنهم الحكام الأصليون لمصر وكانوا دائمين التمرد والإزعاج لمحمد على.
مذبحة القلعة
فدعا وقتها محمد على باشا نائبة لاظوغلى باشا، للتشاور والتفكير فى الأمر الذى أسفر عن أنه يستغل الفرصة ويدعو المماليك بحجة التشاور معهم فى الحرب على الوهابيين.
والفكرة أخذت بالفعل محمل الجد وأرسل محمد على باشا دعوة لزعماء المماليك، ولم يظن المماليك ظن السوء أو ارتاب فى قلبهم لحظة من الشك، ولكنهم أيضًا أخذوا الأمر بمحمل الجد وارتدوا الملابس الرسمية، استعدادا للحفل، ولكنه كان فى حقيقة الأمر استعداد لتلقى كمية هائلة من الرصاص بالزى الرسمى وليكون هذا آخر يوم فى حياتهم.
رؤس المماليك على باب مسجد الحسنين بريشة جان ليون جيروم الذي عاش بالقاهرة بعد 20 سنة من المذبحة
وجاء اليوم الموعود 1 مارس 1811، ووقف محمد على باشا وسط حراسه وجيشه لاستقبال زعماء المماليك، واحتفلوا احتفالا فاخرًا، ثم دعاهم محمد على كى يمشوا فى أجواء موكب الجيش كنوع من أنواع توديعه قبل خوض معركته فى الجزيرة العربية ضد الوهابيين.
وفى مشهد مهيب تقدم موكب الجيش الكبير بقيادة ابن محمد على إبراهيم بيك، وقيادته تشير إلى جدية الأمر من بداية التفكير فيه، وأن محمد على باشا سينفذ الأمر بالفعل، وأصبح المماليك خلف جيش محمد على.
خرج الجيش من باب القلعة وفجأة غلقت أبواب القلعة، والحراس الذين كانوا يديرون رؤوسهم للمماليك، استداروا لهم، وأصبحوا محاصرين، وصوبت الأسلحة نحو زعماء المماليك، وانطلقت إشارة البدء، لتبدأ اعتداءات جنود محمد على بإطلاق الرصاص عليهم، بينما كان محمد على يتابع المشهد من بعيد.
وتقول كتب التاريخ إنه كان هناك ناجٍ وحيد من تلك المذبحة هو أمين بك الذى قفز بحصانه من فوق سور القلعة، وسقط مغشيًا عليه ومات الجواد من شدة السقوط، وسرق سلاحه ونقوده وضرب بالسيوف فأصابوه إصابة بليغة فى عنقه، ولكنه لم يمت، وعثر عليه آخرون قاموا بإخفائه ومعالجته حتى شفى واستطاع الالتجاء إلى سوريا وهناك من يقول إنه ذهب إلى السودان.
وعندما علمت أمينة زوجة محمد على بالأمر لم تصدق وظلت فى ذهول لدرجة أنها امتنعت عنه طيلة حياتها، ودون التاريخ تلك الحداثة حتى لا تذهب من أذهان أجيال وأجيال وأجيال.