حين توفى الكاتب المفكر عباس محمود العقاد فى الساعة الثانية والربع صباح يوم 12 مارس «مثل هذا اليوم» 1964، بسبب جلطة فى القلب، كان يختتم سيرة شخصية استثنائية فى تاريخنا الفكرى، فهو «الجنوبى» المولود فى أسوان عام 1889، وابن الموظف البسيط بإدارة السجلات، والحاصل فقط على الشهادة الابتدائية، لكنه عكف على تثقيف نفسه فأصبح هذا المفكر الاستثنائى الذى قدم مؤلفات غزيرة فى الأدب والفكر والتاريخ والدين، وصاحب المعارك الأدبية الملتهبة ضد مصطفى صادق الرافعى وطه حسين وأمير الشعراء أحمد شوقى وآخرين، وصاحب المعارك السياسية كمعركته ضد جماعة الإخوان وتشبيهه لها بـ«عصابة خط الصعيد»، ومعركته ضد استبداد الملك فؤاد التى أدت به إلى السجن 9 شهور بعد اعتقاله يوم 15 أكتوبر 1930 ومحاكمته بتهمة «العيب فى الذات الملكية».. «سامح كريم.. عباس العقاد الحاضر الغائب-الدار المصرية اللبنانية- القاهرة»
هو الذى «قربه سعد زغلول إليه بالرغم من فارق السن الكبير بينهما»، وفقا لأنور الهوارى فى «قامتان: سعد زغلول وعباس العقاد- المصرى اليوم- 12 مارس 2015»، وهو الذى سأل جمال عبدالناصر عنه أثناء لقاء الأدباء العرب به فى قصر القبة عام 1958: «هل الأستاذ العقاد موجود؟، فأجاب يوسف السباعى بأنه موجود، فابتسم عبدالناصر قائلا: «هذه أول مرة أراه، وكنت معجبا به فى الفترة التى نشر فيها مقالاته بمجلة روز اليوسف أثناء خروجه عن الوفد»، أما المرة الثانية التى رآه فيها فكانت يوم تسليمه جائزة الدولة التقديرية أثناء الاحتفال بعيد العلم عام 1960، ويومها قال العقاد: «تلك جمهورية الفكر خير قرين لجمهورية الحكم».. «الأهرام 23 نوفمبر 1960» و«سامى شرف- اليوم السابع 22 مارس 2017».
هو وفقا للدكتور راسم محمد الجمال فى كتابه «عباس العقاد فى تاريخ الصحافة المصرية» (الدار المصرية اللبنانية- القاهرة): «أكبر كتاب السياسة فى مصر وأغزرهم فى النصف الأول من القرن العشرين بغير منازع، فلا يوجد فى تاريخ الصحافة المصرية، من احترف الكتابة السياسية زهاء نصف قرن، وارتفع بكتاباته إلى مقام الزعامة السياسية وسقط بعدها، وليس فى تاريخ الصحافة المصرية من احترف الكتابة السياسية وسقط بعدها، وليس فى تاريخ الصحافة المصرية من ترك هذا التراث الصحفى الوفير، وترك معه تراثا فكريا وأدبيا وشعريا وصل إلى مائة مؤلف وعشرة دواوين من الشعر، وليس فى تاريخ الصحافة المصرية من تم تشويه تاريخه وسيرته مثلما شوه أصدقاء العقاد تاريخه وسيرته، وليس من كتاب السياسة فى مصر من يحاربه فى قوة أسلوبه وبلاغته فى غضبه وحدته، أو فى سخريته وفكاهته».
هو، حسب الأهرام يوم 13 مارس 1965: «أول نموذج عرفته مصر لما يمكن أن نسميه بـ«الأديب المتفرغ» أى الذى يكسب قوته من فكره وأدبه إلا إذا كان من تلك الطبقة المترفة التى أغناها مالها عن العمل فى أى نوع كان.. العقاد وحده هو نموذج الكاتب العصامى الذى شق طريقه فى الحياة بقلمه وأبى أن تكون له صناعة أخرى غير صناعة القلم».
هو يكتب عن نفسه فى كتابه «أنا»: «أقسم بكل ما يقسم به الرجل الشريف أن عباس العقاد رجل مفرط فى التواضع، ورجل مفرط فى الرحمة واللين، ورجل لا يعيش بين الكتب إلا لأنه يباشر الحياة، رجل لا يفلت لحظة واحدة فى ليله ونهاره من سلطان القلب والعاطفة، ورجل وسع شدقاه من الضحك ما يملأ مسرحا من مسارح الفكاهة فى روايات شارلى شابلن جميعا، هذا الرجل هو نقيض ذلك، ولا أقول: إن هذا الرجل هو عباس العقاد بالضبط والتحقيق، ولكنى أريد أن أقول إنهم لو وصفوه بهذه الصفة لكانوا أقرب جدا إلى الصواب، ولأمكننى أن أعرفه من وصفه إذا التقيت به هنا أو هناك، خلافا لذلك الرجل المجهول الذى لا أعرفه».
هو الذى حدد حروبه: «حاربت الطغيان وحاربت الفوضى، حاربت رؤوس الأموال وحاربت مذاهب الهدم والبغضاء، حاربت التبشير وحاربت التقليد الأعمى والدجل المريب باسم الدين، حاربت الجمود والرجعية وحاربت الإنكار والجحود، حاربت الأحزاب وحاربت الملوك، حاربت هتلر، ونابليون، وحاربت المستعمرين فى صفوف الديمقراطيين، حاربت أعداء الأدب المسمى بالقديم، وحاربت أصدقاء الأدب المسمى بالجديد، حاربت الصهيونية، وحاربت النازية أكبر أعداء الصهيونية، حاربت جميع هؤلاء، فالتقى على محاربتى أناس من جميع هؤلاء، صهيونى إلى جانب نازى، إلى جانب فوضوى إلى جانب رجعى، إلى جانب ملحد، إلى جانب حامل اللحية والعذبة باسم الدين، إلى جانب الماركسى من اليسار والمبشر من اليمين».