كتب أحمد لطفى السيد بك خطاب استقالته من منصبه مديرًا لجامعة فؤاد الأول، يوم 9 مارس عام 1932، احتجاجًا على قرار وزير المعارف، حلمى عيسى باشا، بإبعاد الدكتور طه حسين من عمادة كلية الآداب، وتعيينه مفتشًا للغة العربية فى وزارة المعارف «راجع: ذات يوم 3 مارس 2018»، وحسب مذكرات «السيد»، «قصة حياتى» عن «الهيئة المصرية العامة للكتاب - القاهرة»: «قال فى خطاب استقالته: أسفت لنقل الدكتور طه حسين، عميد كلية الآداب، إلى وزارة المعارف، لأن هذا الأستاذ لا يستطاع فيما أعلم أن يعوض الآن على الأقل، لا من جهة الدروس التى يلقيها على الطلبة فى الأدب العربى ومحاضراته العامة للجمهور، ولا من جهة البيئة التى خلقها حوله، وبث فيها روح البحث الأدبى، وهدى إلى طرائقه، ثم أسفت لأن الدكتور طه حسين أستاذ فى كلية الآداب تنفيذًا لعقد تم بين الجامعة القديمة ووزير المعارف، وعلى الأخص لأن نقله على هذه الصورة بدون رضى الجامعة ولا استشارتها كما جرت عليه التقاليد المطردة منذ نشأة الجامعة فيما أعرف، كل ذلك يذهب بالسكينة والاطمئنان الضروريين لإجراء الأبحاث العلمية، وهذا بلا شك يفوت على أجل غرض قصدت إليه خدمة الجامعة.
من أجل ذلك قصدت يوم الجمعة الماضى إلى حضرة صاحب الدولة رئيس مجلس الوزراء، واستعنته على هذا الحادث الجامعى الخطير، واقترحت على دولته، تلافيًا للضرر من ناحية، واحترامًا لقرار الوزير من ناحية أخرى، أن يرجع الدكتور طه إلى الجامعة أستاذًا لا عميدًا، خصوصًا أنه هو نفسه ألح علىّ فى أن يتخلى عن العمادة ولم أقبل، فتقبل دولة الرئيس هذا الاقتراح بقبول حسن، وأكد لى أنه سيشتغل بهذه المسألة منذ الغد، فاشتغل بها إلى أن علمت الآن أن اقتراحى غير مقبول، وأن قرار النقل نافذ بجملته وعلى إطلاقه.
ومن حيث إنى لا أستطيع أن أقر الوزارة على هذا التصرف، الذى أخشى أن يكون سنة تذهب بكل الفروق بين التعاليم الجامعية وأغيارها، أتشرف بأن أقدم بهذا إلى معاليكم استقالتى من وظيفتى، أرجو قبولها، كما أرجو أن تتقبلوا شكرى على ما أبديتم من حسن المجاملة الشخصية مدة اشتراكنا فى العمل، وأن تتقبلوا فائق احترامى».
نشرت الأهرام نص هذه الاستقالة يوم 11 مارس 1932، وكان الموقف على اشتعاله فى الجامعة منذ بداية الأزمة يوم 3 مارس، وحسب كتاب «الطلبة والحركة الوطنية فى مصر 1922-1952»، للدكتور عاصم محروس عبدالمطلب، «توالت مؤتمرات الطلبة حتى قرروا الإضراب عن الدراسة يومى 9 و10 مارس احتجاجًا، ورفض حكمدار بوليس العاصمة التصريح للطلبة بالقيام بمظاهرة صامتة، واحتج الطلبة على ذلك، مؤكدين أن ذلك من الأمور العادية التى يقوم بها طلبة العالم إذا ما شعروا بما يمس كرامة جامعاتهم، وأن تصرف وزارة الداخلية، مضافًا إلى تصرف وزارة المعارف، ليدل أكبر دلالة على عقلية السلطة التنفيذية هذه الأيام».
عقد الطلبة مؤتمرًا بكلية العلوم، برئاسة يحيى نامق، الطالب بكلية الحقوق، سكرتير اتحاد الجامعة، واتخذ قرارات، منها التهنئة بموقف لطفى السيد، ومطالبة بقية الأساتذة للتضامن معه، والاحتجاج على تصدى البوليس لهم، وأصدروا بيانًا نشرته جريدة «الجهاد» يوم 13 مارس 1932، أكدوا فيه أنهم «يحتجون على رجال السلطة التنفيذية فى هذا البلد، ويحمّلون وزير الداخلية ومدير الأمن العام وسعادة حكمدار العاصمة تبعة ما حدث وما سيحدث».
يؤكد «محروس» أن الطلبة خاطبوا الاتحاد الدولى للجامعات، فى مذكرة جاء فيها: «قضية الجامعة المصرية نبعث بها إلى إخواننا طلبة الجامعات الأخرى، وإلى الأساتذة فى مختلف جامعات العالم، لكى يروا أن فى مصر محنة نزلت بحرية التعليم الجامعى، وأن هناك صراعًا عنيفًا بين الجامعة التى تعلق عليها الأمة آمالًا كبارًا، وبين الحكومة القائمة على حرية الجامعة التى أبت وزارة المعارف إلا انتهاكها، والتى لن يمكنها الأساتذة والطلاب معهم فى أن تمسها».
ويذكر «محروس» أن مندوب الاتحاد الدولى حضر إلى القاهرة للحصول على مزيد من التفصيلات عن الأزمة لإصدار قرار بشأنها.
لم تتراجع حكومة إسماعيل صدقى عن موقفها رغم هذه الضغوط، بل أسرعت بقبول استقالة أحمد لطفى السيد يوم 13 مارس 1932، حسبما يؤكد صبرى أبوالمجد فى كتابه «ما قبل الثورة» عن «الهيئة المصرية العامة للكتاب - القاهرة»، وتقرر إغلاق الجامعة حتى يوم 20 مارس.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة