داخل مراكز الترميم بالمتحف المصرى الكبير، يوجد أطباء حقيقيون للحضارة المصرية القديمة، شباب فى مقتبل العمر يعملون بكل جهد واجتهاد، يباشرون العمل على قدم وساق، يسابقون الزمن استعدادًا للافتتاح الجزئى خلال العام الحالى 2018، فهنا حالة طوارئ لترميم مقتنيات الملك الذهبى توت عنخ آمون، والذى سيكون فى استقبال الزائرين بممتلكاته التى تصل لـ5000 قطعة أثرية.
وفى جولة لـ"اليوم السابع" داخل مركز ترميم المتحف المصرى الكبير المنوط به ترميم 100 ألف قطعة أثرية يعرض منها 50 ألفًا، خلال الافتتاح الكلى 2022، فتشعر بمجرد دخولك أنك وضعت قدميك داخل غرف عمليات لمجموعة من الأطباء المهرة يجرى بها أدق عمليات الترميم.
مركز الترميم تم افتتاحه عام 2010، حتى يكون جاهزًا لاستقبال 100 ألف قطعة أثرية لعرضها وتخزينها بالمتحف الكبير، وكان لابد أن يتم تنفيذ المركز قبل افتتاح المتحف بفترة كافية حتى يتم ترميم القطع خصوصًا أن معظم القطع تأتى من مخازن متحفية، حتى يتم إعدادها للعرض بشكل مناسب.
مركز الترميم يضم 19 معملاً، 7 معامل متخصصة فى ترميم الآثار الثقيلة ومقسم طبقًا للمواد الأثرية، فنجد أن لكل خامة معمل فهناك ما هو مختص بالأخشاب والأحجار والآثار الثقيلة والعضوية وغير العضوية والمشروعات الخاصة، إضافة للمومياوات والبقايا الأثرية، ويوجد معمل للفحوص والتحاليل وتشخيص مظاهر التلف.
وصاحبنا بالجولة داخل مراكز الترميم الدكتور أسامة أبو الخير، مدير عام شئون الترميم بالمتحف المصرى الكبير، وقال إن جميع المعامل تعمل بإحدى الوسائل الحديثة، المتعارف عليها، وفى تلك الأيام نسابق الزمن للانتهاء من جميع القطع الأثرية لمقتنيات الملك الفرعونى توت عنخ آمون، تمهيدًا لافتتاح الجزئى خلال العام الحالى 2018.
وفى أول جولتنا التى بدأت بمعمل ترميم الآثار العضوية:
داخل المعمل تحدثنا إلى إيمان شلبى، رئيس معمل ترميم الآثار العضوية، والتى قالت: "نحن نعمل فى ترميم جميع مقتنيات توت عنخ آمون، وفى الوقت الحالى بالمعمل نعمل على إكسسوارات الملك الذهبى والقلادات، وهناك ما كان مخزن، وهو ما يتم دراسته جيدًا، وذلك لإجراء الترميم وتغير أنوع الخيوط التى كانت مستخدمة، لأنهم كانوا يستخدمون خيط "الأكلرك" ونحن نفضل استخدام خيط من القطن أو البولستر، لعدم التسبب فى تجرح مكونات الإكسسوارات.
وأوضحت إيمان شلبى، أنه خلال العمل على ترميم الإكسسوارات اكتشفنا أنها مسجلة بأرقام مختلفة غير مطابقة للواقع، والوصف الأثرى الذى وصفه كارتر عند اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون مختلفة تمام عن الحالة الموجودة عليها، واكتشفنا أن الوصف الأثرى يوضع أشكال "الفينس"، وخلال البحث اكتشفنا أن الأشياء المفقودة تم عمل بها قلادات أخرى ومعروضة برقم آخر.
وأضاف الدكتور أسامة أبو الخير، أنه من خلال دراسة كارتر نلاحظ أن القلادات مسجلة بأرقام أخرى، فنجد قلادة ليست كاملة لأنها مأخوذة من قلادة أخرى، وبالتالى بدأنا فى تجميع الإكسسوارات بالشكل الصحيح، وتم اتخاذ موافقة اللجنة الدائمة على تجميع القلادات بأرقمهم الأصلية وقت اكتشافها.
معمل الأخشاب
قال الدكتور أسامة أبو الخير، إن معمل الأخشاب يحتوى فى الوقت الحالى على مجموعة متفردة من مقتنيات الملك توت عنخ آمون، منها عدد من السراير و3 العجلات الحربية، وفى الحقيقة كان كارتر قد طلى القطع الخشبية لمقتنيات الملك الذهبى بالشمع حفاظًا عليها من عوامل البيئة، وبالفعل عملت على حماية جزء كبير، ولكن احتاجت لجهد كبير لإزالة تلك الطبقة، تمهيدًا لعمل الترميم الحديث باستخدام الوسائل العلمية الحديثة.
وأضاف الدكتور أسامة أبو الخير، أنه يوجد بعض المحتويات التى تأثرت بمادة الشمع وخصوصًا بعد الجوانب المذهبة، لحدوث عملية أكسدة بين طبقة الشمع والخشب، وعندما وصلت تلك المقتنيات بحثنا عن كيفية إزالة طبقات الشمع وتجميع بالنسبة للأجزاء المنفصلة من طبقة الذهب، وعلاج مجموعة من الشروخ.
وخلال جولتنا داخل المعمل تقابلنا مع القائمين على معمل الأخشاب، فقالت جيلان محمود، رئيس معمل ترميم الآثار الخشبية، إن المعمل يستقبل جميع الآثار الخشبية باختلاف أنواعها سواء كانت أخشاب ملونة أو مذهبة، أو مطعمة، ويتم العمل مع القطعة بعمل فحوص والتوثيق والتحاليل المتاحة، وتصويرها، ودراسة تجريبية لإجراء اختبارات بالمواد التى سوف يتم استخدمها فى الترميم، باعتبار أن كل قطعة حالة خاصة بذاتها.
وقال على حسين أخصائى الترميم بمعمل الأخشاب، والذى كان يقوم بترميم سرير الملك الذهبى توت عنخ آمون، وأوضح لنا طبيعة عمله قائلا: نقوم بإزالة الشمع الذى استخدمه كارتر بعد اكتشاف المقبرة، بعد تجميع الأتربة فنقوم بتنظيفها وإعادتها لطبيعته الأولى.
وأضافت فاطمة مجدى على، أخصائية ترميم الأخشاب، إننا نقوم بوضع خطة زمنية للعمل تعرض على مديرى المتحف وبعد الموافقة، نبدأ فى أعمال الترميم، ونعمل بكل جهد لملاحقة الافتتاح الجزئى للمتحف.
معمل الآثار الثقيلة
قال الدكتور أسامة أبو الخير، إن منطقة الآثار الثقيلة من المناطق الفريدة لأعمال الترميم الموجودة فى مصر، وعندما بدأنا فى تجيز المركز كان له طبيعة خاصة للآثار الثقيلة، لتجهيز أوناش معلقة بالسقف لتتحمل تحريك ونقل الآثار الثقيلة، والتعامل معها فى عمليات التجميع، ويحتوى معمل الآثار الثقيلة الآن على 27 قطعة، وسيعرض منهم على الدرج العظيم 13 قطعة أثرية، لافتًا إلى أن هناك قطع تم الانتهاء من ترميمها ونقلت للمخازن.
وقال محمود أبو السعود، أخصائى ترميم الآثار الثقيلة، إن وزن القطع الأثرية التى نقوم بترميمها تتعدى 250 كيلو، وعند استلامنا لأى قطعة يتم عمل توثيق لكل مظاهر التلف الموجودة على كل قطعة أثرية، ويتم عرضها على المديرين لوضع خطة علاج، على أن نبدأ بعمل التقوية وإزالة الاتساخ من على الأحجار، باستخدام الفرش الناعمة لعدم الإضرار بالأثر، وهناك قطع يتم استخدام المواد الكيميائية التى لا تضر الأثر.
معمل الآثار غير العضوية
قال مدير عام شئون الترميم بالمتحف المصرى الكبير، إن معمل الآثار غير العضوية، هو معمل منوط به ترميم كل الآثار غير العضوية مثل المعادن أو الزجاج أو الفخار أو الحلى، واهتمامات المعمل أنه من المعامل التى يوجد بها تنوع كبير مع اختلاف المادة المصنوعة منها القطعة.
وأوضح الدكتور أسامة أبو الخير، أن المعمل يوجد به أكثر من فريق عمل يعمل بمنظومة واحدة، لكن كل مجموعة تركز فى مادة معينة، ومن الآثار الكثيرة التى استلمها المعمل من البرونز والنحاس لأنها من أشهر السبائك التى استخدمها المصرى القديم، وأبرز المشاكل التى تقابل المرممين الصدأ على تلك السبائك، ولكن فى الحقيقة الإخصائيون متخصصون فى المجال برسائل علمية متميزة لاستخدام التقنيات الحديثة.
وقالت نسرين عاطف، رئيس معمل الآثار غير العضوية، إن العمل داخل المعمل مقسم على فرق متخصصة من خلال ثلاث مجموعات وهى خاصة بترميم المعادن والفخار والفينس، حلى، أو شبتى، وذلك بدعم من الدورات التدريبة والأبحاث وتحضير الدراسات، وقبل أعمال الترميم يتم وضع خطة عمل تعرض على رئيس المعمل لتنفيذها، ووارد أن تحدث تغيرات خلال أعمال الترميم حسب حالة كل قطعة، مع تصوير جميع مراحل العمل منذ استلام القطعة وحتى تسليمها للمخازن.
معمل الأحجار والنقوش الجدارية
قال مدير عام شئون الترميم بالمتحف المصرى الكبير، إن معمل الأحجار والنقوش الجدارية، منوط به ترميم كل أنواع الأحجار، سواء كانت الصلبية أو النارية وغيرها، واللوحات الجدارية، والمعمل قام بترميم عدد كبير من الآثار، حيث وصل تقريبًا لـ9000 قطعة خلال الخمس سنوات الماضية، والعمل بصفة مستمرة لأن الأحجار تحتاج لتقنيات متميزة.
وأوضح مصطفى شحاتة، نائب رئيس ترميم معمل الحجار، أننا نقوم باستلام القطعة ثم نجرى أعمال الفحص والتوقيق، وإعداد خطة عمل كاملة لترميمها، وبعد الموافقة عليها يتم تنفيذ الخطة، لافتًا إلى أن كل قطعة تستغرق الوقت الكافى لها لاختلاف طبيعة كل قطعة وما تحتاجه من ترميم.
معمل المومياوات
قال الدكتور أسامة أبو الخير، إن ما يتم داخل معمل المومياوات هو علاج للمومياء لأنها لا ترمم، حيث يتم أعمال المعالجة للنسيج أو لفاف المومياوات، والمعمل يختلف عن كل المعامل الأخرى حيث يعمل تحت درجة حرارة معينة، ومنوط بعالج الكرتوناج الموجود على المومياء، ويحتوى المعمل على مجموعة متميزة من إخصائيين على أعلى مستوى.