"اللى معهوش مايسواش حتى فى الموت" فى مشهد مأسوى يتكرر يوميًا تجد أهل المتوفى يحملون على عاتقهم همًا وحزنًا يمكن أن يفوق حزنهم على المتوفى نفسه، ألا وهو "فلوس الجنازة والعزاء"، التى ينقسم فيها البشر إلى جزأين الأول محدودو الدخل وضآلة مواردهم المالية والذين يفاجأون بأسعار لم تكن فى الحسبان، والجزء الثانى ميسورو الحال، وهؤلاء يتباهون بكل شىء حتى التربة التى لا تتعدى متر × متر، فارتفعت تكاليف "إكرام الميت" حتى تعدت حدود المعقول، حيث تبدأ من الـ2000 جنيه لتتعدى الـ30000 جنيه.
قطعة كفن آخر ما يملكه المرء بعد وفاته
ارتفعت أسعار الكفن حسب أنواعه رجالى أو حريمى، حيث قال أحمد حسن، متخصص فى بيع الأكفنة، فهناك الكفن الشرعى للرجال والمكون من 3 طبقات أو "أدراج" عرض الدُرج 180 سم وطوله 2 متر ونص، ومنها نوعان تتراوح أسعارها من 150 إلى 175 جنيها، ويزيد على سعر الكفن الفوطة ومنها الملونة بـ15 جنيها والبيضاء بـ20 جنيها، أما البشكير 50 جنيها، وهذا حسب طلب أهل المتوفى، بالإضافة إلى الليفة والصابونة وماء الورد.
قطعة كفن
أما أسعار الكفن الشرعى الحريمى فيتكون من 5 أدراج وهو نوعان الأول من قماش الـ"بفتة" الخالص سعره 200 جنيه، وإذا زادت الأدراج إلى 7 فيزيد السعر إلى 250 جنيها، والنوع الآخر تتبدل البفتة بالملس والستان وسعره 185 جنيها بكل لوازمه.
مواطن: "حتى حتة القماش اللى بيتلف فيها الميت سعرها غالى"
تساءل المهندس مصطفى عبد الله، يعمل مدير مبيعات، ما هى العلاقة بين ارتفاع الدولار وتحرير سعر الصرف وأسعار المستلزمات الخاصة بدفن الموتى؟ فأقمشة الكفن كلها صناعة مصرية زهيدة الثمن، وكذلك الليفة والصابونة وماء الورد، وتابع: "حتى حتة القماش اللى بيتلف فيها الميت سعرها غالى".
الحانوتى همزة الوصل بين عالم الدنيا والآخرة
وتُحسب أسعار الحانوتى بالفئة المجتمعية الخاصة بالمتوفى، حيث تبدأ الأسعار لأقل فئة من 250 إلى 300 جنيه، هذا بخلاف الجودة التى يأخذها المغسل من أهل التوفى، وقال المعتز بالله محمد يعمل "حانوتى": "المهنة تتكون من رئيس ومغسل أو مغسلة وحمالين والعربية، ولكل منهم سعره، فالعربية بـ150 جنيها والمغسل 50 جنيها والحمالين 50، فبعد التأكد من حالة صحة الوفاة أنها طبيعية دون وقوع أى جرائم بها يبدأ المغسل بعمله من غسيل المتوفى وتكفينه، ثم حمله لسيارة دفن الموتى للذهاب للمسجد للصلاة عليه.
وتابع المعتز بالله قائلًا: "فى غسيل الموتى وتكفينهم لا يختلف غير مقتدر عن الفقير أو عن متوسط الدخل أو عن الغنى أو عن الوزير، فكلهم سواء، ولكن الاختلاف فقط فى الميسورين إما عندهم إكرام زايد أو بخل زايد".
مواطن: "الحانوتى ملك التسعيرة" كما يراه المواطن البسيط
ويرى محمد عبد النبى، يعمل مشرف أمن، أن الحانوتى هو ملك التسعيرة، يرفع أسعاره كما يشاء حتى أصبحت فى غير مقدرة أولى الأمر، وتابع: "بنى آدم متعذب وهو عايش وهو ميت".
التربى كاتم أسرار الموتى
فى تلك الرحلة التى يخوضها المتوفى حتى مثواه الأخير يتبدل اسمه إلى "الأمانة"، حيث يستقبلها التربى ليضعها فى مقرها الدائم إلى أن يشاء الله، وهذا ما نعتها به "سيد سكر"، يعمل تربى داخل مقابر السيدة نفيسة، فقال: نبدأ عملنا بفتح التربة وفتح المكان الذى سنضع فيه الأمانة، ثم يتم استلامها ووضعها تجاه القبلة ونضع عليها التراب ثم رش المياه عليها ونخرج من التربة ونغلقها جيدًا، وتبدأ أسعار فتح التربة من 700 جنيه، ولكن ليس هناك حد معين تقف عنه وفهى حسب ما يدفعه أهل المتوفى للتربى".
سعر المقبرة 200 ألف جنيه
أما عن أسعار المقابر فقال سيد سكر: "فى المناطق القديمة مثل السيدة نفيسة وعائشة والإمام الشافعى فإن الأسعار مرتفعة تتخطى الـ 200 ألف جنيه، وهناك مقابر فى مناطق جديدة يبدأ السعر من 100 ألف جينه يدفع مقدمة لا تقل عن 60 ألف والباقى يدفع بالتقسيط"، وتابع: "هناك مقابر تتكلف قيمتها 2 مليون جنيه، حيث يضاف إليها رخام كامل من الداخل والخارج، بالإضافة إلى الزراعات التى يطلبها أصحاب المقبرة وهذه المقابر للأغنياء والمستويات الرفيعة وتكون غالبًا داخل المناطق الجديدة".
مواطنة: "اللى معهوش مايساويش حتى فى الموت"
وقالت أمينة السيد عبد الهادى ربة منزل: "اشتكينا من كل حاجة حتى الموت، ومش كفايا هندفن فى مقابر صدقة بيجود بها علينا الناس لا وكمان بندفع دم قلبنا عشان نفتح التربة، يعنى عايشين متعذبين ومايتين متهانين"، وطالبت الحكومة بعمل مدافن للمواطنين البسطاء ومحدودى الدخل بدلاً من مدافن الصدقة، لأنها بمثابة إهانة للمتوفى وتابعت: "اللى معهوش مايسويش حتى فى الموت".
السرادقات ودور المناسبات.. هنا يبدأ الأحياء فى نسيان الموتى
بعد دفن الأمانة يبدأ أهل المتوفى فى الاستعداد إلى مراسم العزاء، والذى يمكن أن يكون من خلال سرادق عزاء أو دار للمناسبات تابعة لوزارة الأوقاف، وهذه أسعارها محددة من قبل الوزارة حسب عدد الكراسى ونوع المشروب سواء قهوة أو ينسون ومياه معدنية، وتحسب تكلفتها حسب المنطقة التى توجد بها، فإذا كانت فى منطقة متوسطة فتبدأ من 3500 جنيه شاملة "مشايخ ، سفرجية والعمال".
أما إذا كان العزاء داخل سرادق سيتكلف سعر الباكية الواحدة ما بين 700 إلى 750 جنيها محيطها 5×5 متر شاملة العمالة تركيب وحل والأدوات والكهرباء هذا بخلاف أسعار الكراسى التى تتراوح أسعارها من جنيه إلى 5 جنيهات، وتتكون الباكية من "أقمشة، خشب، منضدة، طفايات سجائر، سجاد، كراسى، فوتيه وكرسى للمقرئ"، هذا ويحتاج العزاء 3 باكيات تتكلف ما بين 2100 إلى 2150 جنيها.
مواطن: "فشخرة كدابة والعزاء على المقابر"
ويرى رجب والى، مدير عام تصدير بإحدى الشركات، أن ما يحدث من ارتفاع فى أسعار الفراشة ودار المناسبات ما هو إلا مغالاة وجشع من أصحابها و"فشخرة كدابة" من أهل المتوفى، فالأفضل أن يقتصر العزاء على المقابر.
المقرئون والتجارة بالقرآن الكريم
ويأتى المقرئ فى نهاية التسعيرة، وهذا حددت سعره وزارة الأوقاف، حيث يبدأ من 200 جنيه مع ارتفاع الثمن حسب درجة المقرئ وجودته وشهرته، وهذا بخلاف مقرئى الإذاعة الذين تبدأ أسعارهم الخاصة بالعزاء من 5000 جنيه قابلة للزيادة حسب شهرة المقرئ.
مواطن: "دا موت وخراب ديار"
حسين محمد طالب فى كلية الإعلام قال: "قارئ القرآن الكريم يأتى نص ساعة ويأخذ 5000 جنيه، وبيزيد لـ 20000 جنيه لو مقرئ إذاعى، اللى بيحصل دا شىء مبالغ فيه، لما يبقى جواز بيكلف وموت بيكلف يبقى دا موت وخراب ديار".
"احنا فى زمن الإنسان بيرخص والموت فيه بيغلى"
أحمد فتحى يعمل فى قطاع البترول يرى أن "بنى آدم متعذب وهو عايش وهو ميت"، لأن أسعار إكرام الميت فى تزايد، شاملة الكفن، التربى، المقرئين، الفراشة أو دار مناسبات، وتابع: "احنا فى زمن الإنسان بيرخص والموت فيه بيغلى".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة