قال الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية إننا أصبحنا نعانى من حالة استعداء وتشويه غير عادية ضد الإسلام تشنها كثير من وسائل الإعلام الموجهة وتمارسها خاصة بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر 2001م وما أعقبها من أحداث إرهابية فى الشرق والغرب.
وأضاف المفتى، فى كلمته الرئيسية التى ألقاها فى مؤتمر "مكافحة التطرُّف" فى العاصمة الباكستانية "إسلام آباد"، أنه بغض النظر عن نيات هذه الوسائل الإعلامية، فعلينا أن نعترف أن كثيرًا من التنظيمات الإرهابية المجرمة التى تنسب نفسها زورًا وبهتانًا إلى الإسلام قد مارست بحق هؤلاء من أعمال إرهاب وقتل ما لا يرضى عنه الإسلام البتة، ومهما تبرأنا من هؤلاء ومن أفكارهم ومهما استنكرنا أفعالهم فإننا نظل ملزمين أدبيًّا وأخلاقيًّا ودينيًّا تجاه العالم أجمع بأن نصحح ما ألصقوه بالإسلام من كذب ومغالطات.
وتابع المفتى: "لم يعد بوسعنا إلا أن نتفاعل مع الناس فنجيب عن الأسئلة ونرد على الشبهات بما سجلته خبرتنا التاريخية وبما تعلمناه وتدربنا عليه فى القديم والحديث، وبما حفظناه وحافظنا عليه من الأصول والقواعد، التى منها: أن الدين منه الثوابت التى لا تتغير ومنه ما يجب أن يراعى الزمان والمكان والأشخاص والأحوال. ومنها: أن الإسلام أكبر من أى مذهب أو توجه سياسى أو حزبي. ومنها: أن الجانب الأخلاقى جزء أساسى من ديننا تناوله ثلثا نصوص الشرع الشريف وراعاه الثلث الباقى".
وأوضح مفتى الجمهورية فى كلمته، أن الركن الثانى الذى ينادينا هو واقعنا الذى جمع بين سماوات مفتوحة وانتشار غير مسبوق للتواصل، خصوصًا عبر ما يعرف بوسائل التواصل الاجتماعى ومسارعة كثير من المتطرفين لاستغلال هذا الواقع لمصلحتهم وأغراضهم.
وأضاف المفتى، أنه من أجل كل ذلك فإن دار الإفتاء المصرية قد أسرعت فى اتخاذ حزمة من الإجراءات التى تجدد الوسائل بعد تجديد المقاصد، فتوسعت دار الإفتاء المصرية ــ من وقت مبكرــ فى استخدام وسائل التواصل المعاصر عبر اللغات الحية فى العالم حتى وصل الخطاب إلى ما يقارب ثمانية ملايين مخاطب، إلى جانب الرحلات الخارجية لى ولعلماء الدار لبيان الصورة المشرقة للدين والرد على الشبهات.
وأشار علام، إلى أن الدار أنشأت كذلك كيانًا جامعًا مقرُّه القاهرة بمقر دار الإفتاء وهو الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم، ليكون وصلًا حقيقيًّا جامعًا بين المعنيين المؤهلين بأمر الفتوى فى العالم، فاجتمعوا وتشاوروا. وكان أول ما ظهر من مشكلات الخطاب الإسلامى هو مشكلات الأقليات الإسلامية.
وأكد مفتى الجمهورية، على أن المجتمعَ العالمى قدْ تأذَّى كثيرًا من الآثارِ السَّلبيةِ التدميريةِ التى تسببتْ عنها موجةُ الفتاوى المضللةِ المنحرفةِ التى تصدرُ عنْ أشخاصٍ وجهاتٍ غيرِ مسؤولةٍ وغيرِ مؤهلةٍ، فلا يخفى عليكم أن السنواتِ الأخيرةَ قد شهدت موجةً غيرَ مسبوقةٍ من التكفيرِ والعنفِ والإرهاب فى العالم كله، عانينا منها فى مصر وواجهناها بكلِّ قوةٍ وعزيمةٍ وشرفٍ سواء على المستوى العلمى الذى تقومُ به المؤسساتُ الدينيةُ كالأزهرِ الشريفِ ودارِ الإفتاءِ المصريةِ، أو على المستوى الأمنى الذى تقومُ به القواتُ المسلحةُ المصرية الباسلةُ وكذلك رجالُ الشرطةِ الشرفاءُ. ولقد بذلت مصرُ -ولا زالت- من دماءِ أبنائها الشهداءِ ما سوف يحفظه التاريخُ فى صحائفَ من نورٍ."
ولفت شوقى علام، إلى أنه من الأهمية بمكان أن ندرك حقيقة أن الإرهاب ليس موجهًا لشخص بعينه أو لجهاز أمنى بمفرده، بل الإرهاب موجَّه للمجتمع بأسره يريد تدميره وإشاعة الفوضى والرعب بين أفراده، مشيرًا إلى أنه لا بد من تكاتف كل أطياف المجتمع فى مواجهة التشدد والتطرف والإرهاب، وهو السبيل الوحيد للخروج من الأزمة والانتصار على الإرهاب.
وتابع المفتى: "علينا ونحن نسير نحو القضاء على الإرهاب -بإذن الله- أن نخوض المعركة الكبرى والأهم فى صناعة مستقبل ووطن لا تنشط فيه خلايا التطرف والإرهاب من جديد، فعلينا أن نؤسس لثورة فكرية ودينية تقضى على جذور سرطان الإرهاب وبقاياه المعششة فى العقول جراء الخطاب الدينى المتشدد، علينا أن نصنع مستقبلًا دينيًّا أشبه بالماضى العريق وحضارته الراقية حيث انفتح المسلمون على آفاق العلوم والحضارة البشرية واستفادوا منها وأفادوها، وشغلوا أنفسهم ببناء الحضارة وترسيخ قيم الجمال وتشييد معالم العمران فى كافة مناحى الحياة".
واختتم المفتى كلمته برسالة وجهها إلى أهل العلم وحراس الدين بقوله: "يَنبغى عَلَى أهلِ العلمِ وحرَّاسِ الدِّينِ والعقيدةِ أن يَعلموا أنَّهمْ عَلى ثَغْرٍ عظيمٍ مِنْ ثُغُورِ الإسلامِ، أَلَا وَهُوَ ثَغْرُ تَصحيحِ المفاهيمِ المَغلوطةِ وَصَدِّ الأفكارِ المتطرفةِ ونشرِ قِيَمِ الدِّينِ الصحيحةِ السمحةِ، وَجِهادُنَا فِى مَيْدَانِ المعركةِ لا يَنفكُّ لحظةً عنْ جِهادِنَا فى مَيْدَانِ الفقهِ والفِكْرِ".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة