بمرور شهر مارس للعام الحالى يكون الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، قد أمضى ثمانية أعوام على رأس المؤسسة الدينية الإسلامية الأكبر والأكثر تأثيرا فى العالم، والمرجعية الأولى للمسلمين فى ربوع العالم، وقد حرص الإمام الطيب منذ توليه تلك المهمة الجليلة فى عام 2010م، على أن يظل الأزهر الشريف، مشيخة وجامعا وجامعة، منارة للعلوم الدينية، وكعبةً لطلاب العلم الشرعى، ومنبرا للفكر الإسلامى الوسطى.
وقد زخرت الأعوام الثمانية للإمام الأكبر بالعديد من الإنجازات ما بين استحداث مؤسسات جديدة للنهوض بالدور الدعوى والعلمى والتعليمى للأزهر الشريف ولمواجهة الأفكار الظلامية الهدامة للجماعات المتطرفة، وإطلاق قوافل سلام تجوب العالم شرقًا وغربًا، وتطوير شامل لمناهج الأزهر فى كافة المراحل التعليمية، وجولات خارجية ومؤتمرات وندوات، استهدفت نشر ثقافة الحوار والتعايش.
ومن أبرز المحطات التى شهدها الأزهر الشريف فى ظل مشيخة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب.
المحطة الأولى: استئناف الحوار بين الأزهر والفاتيكان
فى إطار المساعى الحثيثة لتقوية أطر الحوار الحضارى بين الشرق والغرب، نجح الإمام الطيب فى استعادة الحوار بين الأزهر الشريف والفاتيكان بعد توتر وقطيعة امتدت لنحو 10 سنوات، حيث بادر بزيارة تاريخية للمقر البابوى بروما فى 25 مايو 2016م وبحث مع البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، تعديل اتفاقية الحوار المبرمة بين الطرفين عام 1989، لتلائم مستجدات الأوضاع، والخروج منها برسالة قوية لمواجهة التطرف والعنف الذى يشهده العالم كله.
وتوجت العلاقات بين الجانبين بالزيارة التاريخية والأولى من نوعها لاحد باباوات الفاتيكان لمقر مشيخة الأزهر الشريف، فى 28 أبريل عام 2017م، فى إطار زيارة البابا فرنسيس إلى القاهرة للمشاركة فى مؤتمر السلام العالمى الذى عقده الأزهر بالتعاون مع مجلس حكماء المسلمين بالقاهرة، وجاء لقاؤه مع الإمام الأكبر ليمثل قمة تاريخية بين الرمزين الدينيين الأكبر فى العالم، وتأكيدًا عمليًا على نجاح جهود الإمام الأكبر فى تنسيق الجهود بين الأزهر الشريف والفاتيكان من أجل ترسيخ قيم السلام والتعايش والحوار.
المحطة الثانية: إحياء هيئة كبار العلماء بالأزهر
سعى الإمام الأكبر منذ توليه المشيخة إلى إعادة إحياء هيئة كبار العلماء باعتبارها أعلى مرجعية دينية للأزهر الشريف، بعد أن تم حلها عام 1961م، وهو ما تكلل بالنجاح فى عام 2012، لتقوم الهيئة بعدد من الاختصاصات من ضمنها انتخاب شيخ الأزهر وترشيح مفتى الجمهورية، وتقديم الرأى الفقهى والشرعى فيما يطرأ من قضايا ومستجدات تخص المسلمين فى جميع ربوع العالم.
واتخذت هيئة كبار العلماء برئاسة الإمام الأكبر موقفًا مؤيدًا للدولة المصرية فى جهودها لمحاربة الإرهاب معلنة تبرأ الدين الإسلامى من كافة التيارات والجماعات المتطرفة وما تتبناه من أفكار ظلامية ليس لها علاقة بالدين الإسلامى من قريب أو من بعيد، كما كانت الهيئة، دائمًا، متابعة لمستجدات العالمين العربى والإسلامي، فانتفضت لدعم الحقوق الشرعية للشعب الفلسطينى، رافضة القرار الأمريكى الجائر بحق القدس المحتلة.
المحطة الثالثة: ترميم الجامع الأزهر وإحياء الأروقة الأزهرية
نجح الإمام الطيب فى إعادة الحياة مجددا إلى الأروقة الأزهرية، وانتشرت الحلقات والدروس والمجالس الدعوية والمحاضرات الأسبوعية فى ساحات الجامع الأزهر، لتقدم العلم الشرعي، وفقا لمنهج الأزهر الوسطى، للمصريين والأجانب، على مدار العام، وبالمجان.
وقامت رؤية الإمام الأكبر فى إعادة تفعيل الأروقة الأزهرية على تحقيق الريادة التاريخية للأزهر الشريف وترسيخ المرجعية العالمية لمنهجه الوسطى محليًّا وعالميًّا، وتوفير ملاذ آمن لطالبى العلوم الشرعية وملجأ للحريصين على معرفة أمور حياتهم الدينية والدنيوية.
وبالتوازى مع ذلك، شهد الجامع الأزهر فى عهد الإمام الطيب أكبر عملية ترميم فى تاريخه، وذلك بمنحة من المملكة العربية السعودية، وشملت عملية الترميم، تغيير وتحديث البنية التحتية للجامع الأزهر بشكل كامل، بما فى ذلك الأرضيات والفرش وشبكات الإضاءة والمياه والصرف والإطفاء والتهوية والصوت، وذلك وفقا لأحدث المعايير العالمية، وبخامات تماثل المستخدمة فى الحرم المكى.
وتم افتتاح أعمال الترميم فى السادس من مارس الجارى، بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسى والأمير محمد بن سلمان، ولى عهد السعودية والإمام الأكبر.
المحطة الرابعة: إنشاء مركز الأزهر العالمى للرصد والفتاوى الإلكترونية
إنطلاقًا من حرص الإمام الأكبر على مواكبة مستجدات العصر ومواجهة ما ألم بالعالم من أشكال العنف والتطرف والغلو، قرر الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، إنشاء مركز الأزهر العالمى للرصد والفتوى الإلكترونية ليكون الحصن الذى يحمى شباب الأمة من خطر الاستقطاب من قبل الجماعات الإرهابية المنحرفة من خلال تبيان حقائق الإسلام الناصعة المستمدة من الكتاب والسنة الصحيحة، وأقوال السلف الصالح، والرد على كل ما يثيره أعداء الإسلام على شبكة الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعى.
وشهد المركز فى الفترة الأخيرة تطويراً كبيراً فى آليات العمل بهدف الوصول لأكبر قطاع ممكن من المستهدفين، كما تم افتتاح أقسام جديدة، هى: وحدة رصد اللغة العربية، وحدة رصد اللغة الإيطالية واللغة اليونانية، وحدة رصد اللغة الصّينية، وحدة رصد اللغة التركية، وذلك بجانب ثمان لغات أجنبية حية يعمل بها المرصد منذ إنشائه هى (الإنجليزية- الفرنسية- الألمانية- الأسبانية- الأوردية- الفارسية – اللغات الأفريقية).
المحطة الخامسة: إنشاء شعبة العلوم الإسلامية
تعد شعبة العلوم الإسلامية من أولى المبادرات التى اتخذها الإمام الأكبر عقب توليه مشيخة الأزهر، وذلك انطلاقًا من قاعدة مفادها أن تطوير الأزهر الشريف لا يستقيم إلا بإصلاح العملية التعليمية إصلاحًا شاملًا، لذا حرص على اصطفاء نخبة من طلاب الأزهر المتميزين، للالتحاق بتلك الشعبة.
وأطلق الإمام الأكبر شيخ الأزهر عام 2010 مشروعًا تجريبيًّا فى عشر محافظات، باستحداث شعبة جديدة بالمرحلة الثانوية تحت اسم "الشعبة الإسلامية" بجانب شعبتى الأدبى والعلمي، ويتم اختيار طلاب الشعبة عقب اجتياز اختيارات تربوية وعلمية متخصصة، مع توفير مميزات خاصة لهم من حيث الإقامة ووسائل التعليم والترفيه والاهتمام بتعليم اللغات الأجنبية، ليكونوا نواة لجيل أزهرى على مستوى عال من الكفاءة والجاهزية، مؤهلين للالتحاق بالكليات الشرعية، وقادرين على حمل رسالة الأزهر الشريف ومنهجه الوسطى للعالم كله.
وفى إطار اهتمام الإمام الأكبر بالشعبة وطلابها؛ جاء قراره بتدشين مجمع العلوم الإسلامية بمقرها الجديد فى التجمع الأول بالقاهرة الجديدة، والذى يستوعب 1500 طالب على أرض مساحتها 18 ألف مترًا مربعًا، ويضم عيادة صحية وأخرى نفسية و42 فصل دراسي، مزودة بوسائل تعليمية متقدمة وقاعات دراسية مجهزة، إضافة إلى سكن داخلى للطلاب يضم غرف إقامة ومطاعم وملاعب، وتوفير زى رياضى ودراسى وهيئة تدريس على أعلى مستوى فى ظل مناهج متطورة ومتميزة.
المحطة السادسة: موقف تاريخى لمناصرة مسلمى الروهينجا
عندما وقف العالم عاجزا تجاه مأساة مسلمى الروهينجا فى ميانمار، سعى الأزهر الشريف بقيادة الإمام الأكبر بكل الطرق لإنهاء المأساة الإنسانية والعنف المستمر بحق المسلمين الروهينجا فى ميانمار.
اتخذ الإمام من الحوار منهجًا لحل الأزمة، ففى يناير 2017م عقد الطيب مؤتمرا للسلام بين أبناء ميانمار، واستمع إلى رؤية الجميع؛ للوصول إلى تفاهم مشترك، لكن استمرت السلطات فى ميانمار فى ارتكاب المجازر بحق المسلمين فى البلد، لذا دعا الإمام الطيب فى بيان تاريخى موجه للمجتمع الدولى فى سبتمبر 2017 إلى التصدى بكل السبل لسلطات ميانمار التى ترتكب أبشع أشكال الإبادة الجماعية والتهجير القسرى بحق المسلمين فى بورما، منتقدا الصمت الدولى إزاء القضية قائلاً: "كل المواثيق الدولية التى تعهدت بحماية حقوق الإنسان أصبحت حبراً على ورق".
وفى نوفمبر 2017 أرسل الإمام الأكبر قافلة إغاثية كبيرة إلى مخيمات اللاجئين الروهينجا فى بنجلاديش، لتوزيع المساعدات الإغاثية والإيوائية والصحية، و كان من المقرر أن تعمل القافلة لمدة أسبوع واحد، لكن فضيلته قرر مد عمل القافلة لمدة أسبوع آخر لتوزيع كم أكبر من المساعدات.
المحطة السابعة: زيارة قرية الروضة فى شمال سيناء
وكعادته فى إقران الكلمات بالأفعال.. توجه الإمام الأكبر إلى قرية بئر العبد فى قلب سيناء، بعد أقل من أسبوع على الهجوم الإرهابى الغادر الذى استهدف مسجد الروضة، مخلفًا أكثر من ثلاثمائة شهيد، ليؤكد أن الأزهر، برجاله ونسائه، يقفون فى خط المواجهة الأول ضد جماعات الإرهاب، التى تبتغى الفساد فى الأرض وتهلك الحرث والنسل، مشددا على قتلة المصلين فى مسجد الروضة ممن تهجموا على الله ورسوله، خوارج وبغاة ومفسدون فى الأرض، وتاريخهم فى قتل المسلمين وترويع الآمنين معروف.
وشكلت زيارة الإمام الأكبر نقطة تحول فاصلة فى مواجهة الأزهر للإرهاب، حيث تحدى الإمام الأكبر كل المحاذير الأمنية وأصر على المرور على بيوت القرية لتعزية أهلها ومواساتهم بنفسه، واتخذ عدة قرارات مهمة لصالح القرية، من بينها صرف معاش شهرى لذوى الشهداء والتكفل برحلات حج مجانية لهم وبناء مجمع أزهرى متكامل لخدمة أبناء القرية، وإسكان طلاب وطالبات جامعة الأزهر من أهالى بئر العبد فى المدن الجامعية، وتوجيه قوافل دعوية وطبية لأهالى شمال سيناء وخصوصاً بئر العبد.
وجدير بالذكر أن الإمام الأكبر كان من المقرر أن يتوجه إلى بنجلاديش لزيارة مخيمات لاجئى الروهينجا، لكنه قرر تأجيل الزيارة، لمشاركة الشعب المصرى ألمه وحزنه، بسبب ذلك الحادث الإرهابى.
المحطة الثامنة: الإمام الأكبر رفض مقابلة نائب الرئيس الأمريكي
"كيف لى أن أجلس مع من منحوا ما لا يملكون لمن لا يستحقون" بهذه الكلمات أعلن الإمام الأكبر فى بيان رسمى رفضه استقبال نائب الرئيس الأمريكى مايك بينس، فى مشيخة الأزهر الشريف، وذلك على خلفية قرار الإدراة الأمريكية بنقل سفارتها إلى القدس وإدعائها أن القدس المحتلة هى عاصمة لكيان الاحتلال الصهيوني، وأعلن الإمام رفضه القاطع لهذا القرار ووصفه بالخطوة المتهورة الباطلة شرعًا وقانونًا، والتى تمثل تزييفًا غير مقبول للتاريخ، وعبثًا بمستقبل الشعوب.
ودعا الإمام الأكبر هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ومجلس حكماء المسلمين لاجتماع طارئ لبحث تبعات هذه الأمر، كما دعا لعقد مؤتمر عالمى لنصرة القدس، حيث حظى المؤتمر الذى عقد فى منتصف يناير الماضى بمشاركة مشهودة، وشدد البيان الختامى للمؤتمر على أن "القدس هى العاصمة الأبدية لدولة فلسطين المستقلة، كما تبنى المؤتمر دعوة الإمام الأكبر لجعل عام 2018 "عاما للقدس".
المحطة التاسعة: المشاركة فى تأسيس مجلس حكماء المسلمين
تتويجاً لمجهوداته فى لم شمل الأمة ورأب الصدع فى الداخل والخارج، وحكمته فى التعامل مع الظواهر والأمور التى تطرأ على المجتمع المصرى والأمة الإسلامية، تم اختيار الإمام الطيب، رئيساً لمجلس حكماء المسلمين فى يوليو 2014م.
ومنذ توليه رئاسة المجلس عمل جاهداً على تعزيز السِّلم فى المجتمعات المسلمة، حيث أرسل المجلس قوافل للسلام تجوب العالم بهدف كسر حدَّة الاضطرابات التى سادت عدة مجتمعات، وتجنيبها عوامل الصراع والانقسام والتَّشرذم، والدفاع عن القيم الإنسانيَّة ومبادئ الإسلام السَّمحة.
وأولى مجلس حكماء المسلمين اهتمامًا كبيرًا بقضايا الأمه الإسلامية، فأطلق حوارًا بين عدد من الشباب الذين يمثلون الأطراف المعنية بالصراع فى ولاية راخين بميانمار لحل أزمة مسلمى الروهينجا، كما احتلت القضية الفلسطينية والانتهاكات الصهيونية بحق المسجد الأقصى المبارك والشعب الفلسطينى الأعزل حيزا مهما من اهتمام مجلس حكماء المسلمين، كما حرص المجلس على إدانة جرائم الإرهابيين التى طالت الأبرياء عبر العالم، محذرًا من خطورة ذلك على السلم العالمى.
المحطة العاشرة: إطلاق قوافل سلام أزهرية تجوب العالم شرقًا وغربًا
أطلق الإمام الطيب، فى عام 2015م، مبادرة "قوافل السلام"، وهى جهد مشترك بين الأزهر الشريف ومجلس حكماء المسلمين، يتم من خلالها إيفاد مجموعات علمية، من شبابا وفتيات الأزهر المتخصصين فى الشريعة الإسلامية وعلومها، إلى إحدى الدول التى يتحدثون لغتها، بهدف التعريف بالإسلام وسماحته، وتفنيد الشبهات التى يثيرها المتطرفون عن ديننا الحنيف، وكذلك لتعزيز ثقافة التعايش والحوار مع الآخر.
وتقوم هذه القوافل بتنظيم أنشطة علمية وفكرية مكثفة، تشتمل على ندوات دينية ولقاءات فكرية ومحاضرات علمية فى عدد من المؤسسات الدينية والأكاديمية، بهدف تخفيف حدة التوتر الدينى الذى يحيط بكثير من المجتمعات المسلمة.
ومنذ عام 2015 جابت تلك القوافل العديد من دول العالم، منها: إنجلترا- فرنسا- ألمانيا- أسبانيا- إيطاليا- باكستان- إندونيسيا- الصين- كازاخستان- نيجيريا- تشاد- جنوب إفريقيا- إفريقيا الوسطى- الولايات المتحدة الأمريكية- كولومبيا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة