فى إطار زيارته الرسمية إلى باكستان، ألقى الأستاذ الدكتور شوقى علام -مفتى الجمهورية- خطبة الجمعة فى أكبر مساجد "إسلام أباد"، وقد خصص موضوعها عن قيمة عظيمة من قيم الإسلام وهى "الرحمة وأثرها بين الناس والمجتمعات".
وقال فضيلة المفتى فى الخطبة إن الله سبحانه وتعالى إنما أرسل النبى صلى الله عليه وآله وسلم رحمة بالناس جميعًا، فكان ذلك ترسيخًا لمبدأ الرحمة كأساس قامت عليه دعوة الإسلام، يقول تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِين) الأنبياء: 107.
وأضاف مفتى الجمهورية أن الرحمة يجب أن تدخل فى كل مناحى الحياة، وفى كافة تعاملاتنا ومن المهم كذلك أن يتحلى بها رجل الدين والدعاة، لذا نحن حريصون فى الأزهر الشريف على تعليم طلاب العلم فى أول ما يتعلمون حديث الرحمة، وهو قول النبى صلى الله عليه وآله وسلم: «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من فى الأرض يرحمكم من فى السماء".
وأوضح أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قد عد الراحمين من أهل الجنة، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «أهلُ الجنَّة ثلاثة: إِمام عادِل، ورجلٌ رحيمُ القلب بالمساكين وبكلِّ ذِى قربى، ورجلٌ فقير ذو عِيال متعفِّف»، وهذا يدل على مدى أهمية هذا الخلق الجليل فى إشاعة المودة والمحبة بين الناس جميعًا كبيرهم وصغيرهم.
وأشار مفتى الجمهورية إلى أن قيمة الرحمة قد تجسدت فى كافة تعاملات النبى صلى الله عليه وآله وسلم، فقد وصفه الله سبحانه وتعالى بأنه (بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)، لذا نجد أن السيرة النبوية المطهرة قد زخرت بمواقف كثيرة جدًّا تظهر رحمات النبى ورفقه بالإنسان وحتى الحيوان.
وأضاف أن السنة النبوية مليئة بالكثير من الأحاديث الشريفة التى تحثنا على الرحمة والتراحم فيما بيننا، ومن تلك الأحاديث ما روى عن ابن مسعود رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لن تؤمنوا حتى ترحموا. قالوا: كلُّنا رحيم يا رسول الله، قال: إنه ليس برحمةِ أحدِكم صاحبَه، ولكنها رحمة الناس، رحمة العامة". أما
رحمة النبى بالحيوان فذكر فضيلة المفتى رحمته صلى الله عليه وآله وسلم بالحيوانات فى مواقف كثيرة نقلتها لنا كتب الحديث وكتب السيرة النبوية المشرفة، فى معجزات باهرات، فها هو النبى صلى الله عليه وآله وسلم يسير يومًا فى بستان أحد الأنصار، فيراه جمل من بعيد فيحن إليه الجمل، وأتاه مسرعًا واقترب منه وهو يبكى ومال على النبى صلى الله عليه وآله وسلم كأنه يحدثه، فمسح رسول الله عنقه وجانبه فسكن الجمل. فقال النبي: من صاحب الجمل؟ فقال شاب من الأنصار: هو لى يا رسول الله، قال النبي: "أما تتقى الله فى هذه البهيمة التى ملكها الله لك إنه شكا إلى أنك تجيعه وتدئبه".
بل أخبرنا أن الرحمة بالذبيحة سبيل إلى رحمة الله لنا، فعن معاوية بن قرة عن أبيه - رضى الله عنه - أن رجلًا قال: "يا رسول الله إنى لأذبح الشاة وأنا أرحمها، فقال : والشاة إن رحمتها رحمك الله".
وعن رحمة النبى بالضعفاء، ذكر فضيلة المفتى حديثًا عن أبى مسعود البدرى الأنصارى رضى الله عنه قال: "كنت أضرب غلامًا لي، فسمعت من خلفى صوتًا: «اعلم أبا مسعود، للهُ أقدر عليك منك عليه»، فالتفتُّ فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقلت: يا رسول الله، هو حُرٌّ لوجه الله، فقال: «أما لو لم تفعل للفحتك النار –أو- لمستك النار» (صحيح مسلم).
ولفت مفتى الجمهورية أن قيمة الرحمة والتراحم قد سار على نهجها الصحابة الكرام بعد انتقال النبى صلى الله عليه وآله وسلم، وتجسدت بعد ذلك طوال التاريخ الإسلامى فى صورة عملية متطورة ومنظمة، حيث ظهرت فى صورة "الأوقاف" التى كانت تخصص للفقراء والمرضى والأيتام والأرامل وذوى الحاجة حتى الحيوانات.
واختتم المفتى خطبته بحث الناس على التراحم فيما بينهم، مشيرًا إلى قول النبى صلى الله عليه وآله وسلم: «الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من فى الأرض يرحمكم من فى السماء الرحم شجنة من الرحمن فمن وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة