بصعود لافت وسقوط مدو، آثار موقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك" الجدل مجددًا بعدما تساقطت الأقنعة التى طالما توارى خلفها مؤسسه مارك زوكربيرج الذى خرج بمنصته التكنولوجية الزرقاء من دائرة التعارف والعلاقات الاجتماعية على شبكة الإنترنت، ليتسلل على مدار سنوات لميادين السياسة تارة والصحافة والإعلام تارة آخرى، لينتهك دون ضوابط ما هو راسخ من قوانين تنظم العمليات الديمقراطية فى الولايات المتحدة والدول الأوروبية، ويجتاز دون ردع ما هو قائم من تشريعات تنظم عمل وسائل الإعلام وسوق الإعلانات الرقمية.
زوكربيرج خسر 10 مليارات دولار من ثروته حتى الآن
بخلاف دور "فيس بوك" المشبوه فى المجتمعات الشرقية ودول الشرق الأوسط، واستغلاله من قبل التنظيمات المتطرفة والجماعات التكفيرية التى استقطبت ـ ولا تزال ـ العديد من الشباب عبر منصاتها الإلكترونية التى يوفرها موقع التواصل دون رقابة، والتى حذرت منها حكومات تلك الدول دون جدوى، بدأت شرارة الأزمة بين فيس بوك ودوائر صنع القرار فى الولايات المتحدة والدول الأوروبية تندلع مع إعلان فوز الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى الانتخابات الرئاسية التى جرت فى 2016، حين اتهم الحزب الديمقراطى وعدد من مؤسسات واشنطن الأمنية والاستخباراتية موقع التواصل بالتورط بشكل أو بآخر فى تضليل الرأى العام الأمريكى ورسم صورة مغايرة للواقع بتدخل غير مباشر من قراصنة إلكترونيين روس، وهى الاتهامات التى انتقلت بدورها عبر الخرائط والحدود، من واشنطن إلى العديد من الدول الأوروبية، ومن بينها فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وغيرها.
ومن تضليل الرأى العام إلى تسريب بيانات المستخدمين، كان مارك زوكربيرج مؤسس موقع التواصل الاجتماعى على موعد مع الفضيحة الكبرى التى كبدته بداية من 19 مارس الجارى وحتى الآن ما يزيد على 60 مليار دولار ـ 10 مليارات خسائر شخصية و50 مليار دولار تراجع فى القيمة التسويقية للموقع ـ وذلك بعدما خرج الباحث الكندى الشاب كريستوفر وايلى الذى يعمل لدى مركز "كامبريدج أنالتيكا" عن صمته وكشف أن "خطأ ما" تسبب فى تسريب بيانات 50 مليون مستخدم ، مشيراً إلى أن تلك البيانات تم استخدامها فى "آلة إقناع سياسى تكنولوجية" فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة.
كريستوفر وايلى
"وايلى" الذى تحدث فى بداية الأزمة لصحيفة "واشنطن بوست" كشف فى حوار المفاجئات الكبرى عن "فيس بوك" أن الموقع لم يكن متعاونا بالشكل الكافى مع كامبريدج أنالتيكا لحماية بيانات المستخدمين التى وصلت بدورها إلى الروس، ليفاجئ ـ مثل كثيريين ـ فى نهايات عام 2016 بفوز أهم عميل لكامبريدج أنالتيكا وهو دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية.
وكامبريدج أنالتيكا، هى شركة تحليل بيانات بريطانية تستخدم المعلومات وتحللها لأهداف تسويقية وفى أغراض محددة، حيث تستعين فى عملها بمجموعة من علماء النفس وخبراء التسويق الرقمى لمعرفة ميول واهتمامات الأفراد وتوظيفها فى عمليات الدعاية والإعلان والقيام بدور الوسيط بين المعلن والمستهلك.. إلا أن حماية تلك البيانات من التسريب ـ تظل وفق خبراء ـ مسئولية مشتركة بينها وبين موقع "فيس بوك"، وهو ما فتح أبواب الجحيم على الموقع الأزرق منذ الكشف عن تلك الفضيحة قبل أسبوع من الآن.
أحقية ترامب بمنصبه لا تزال محل تحقيق
وفتحت أزمة تسريب البيانات الباب واسعاً أمام نزيف المليارات، وهو ما دفع إدارة موقع التواصل الاجتماعى الشهير إلى نشر اعتذار رسمى على صفحة كاملة فى العديد من الصحف البريطانية والأمريكية على حد سواء تعهدت خلاله بعلاج عاجل للأزمة للحفاظ على بيانات المستخدمين بعدما توالت الشركات العالمية الكبرى فى مقاطعة فيس بوك وسحب إعلاناتها من الموقع الأزرق لتكبده خسائر مالية هى الأكبر منذ انطلاقه.
وفى تقرير لها، ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال، أن العديد من الشركات الكبرى المعلنة لدى "فيس بوك" و"جوجل" يراقبون بشدة عمليات عرض إعلاناتهم للتأكد من أنها تتجنب أى محتويات غير منضبطة، فضلًا عن أن بعض الشركات خفضت ميزانية إعلاناتها ويطالبون بشفافية أكبر من منصات وسائل الإعلام الاجتماعية بشأن أداء حملاتهم الإعلانية للتأكد من عدم هدر المال.
صورة من اعتذار فيس بوك فى الصحف العالمية
وشهدت شركات التكنولوجيا العام الماضى تسرب المعلنين واحدا تلو الآخر، وكانت شركة "بروكتر أند جامبل" من بين العديد من الشركات التى قاطعت موقع "يوتيوب" التابع لجوجل، عندما اكتشفت أن إعلاناتها يتم بثها قبل مقاطع فيديو متطرفة وعنصرية، وطالب المعلنون "فيس بوك" بتقديم بيانات أكثر مصداقية حول عدد الأشخاص الذين يشاهدون الإعلانات فعليًا على منصته، بعد أن أقر العملاق الاجتماعى بالأخطاء فى أعدادهم.
وتقول الصحيفة إن عدم الارتياح المتزايد من قبل كبار المعلنين تجاه منصات التواصل الاجتماعى وتحركاتها يمثل إعادة تشكيل للعلاقة بشكل جذرى، حيث انطلقت حملة المعلنين العريضة من أجل التغيير من وراء الكواليس من خلال التهديدات غير العلنية أو الصريحة ثم من خلال المقاطعة الإعلانية، ما جعلها تحصل على بعض التنازلات من عمالقة التكنولوجيا، ومن بين ينهم شركة بروكتر أند جامبل، أكبر معلن فى العالم.
فضيحة فيس بوك وكامبريدج انالتيكا عرض مستمر
واعتاد المعلنون ضخ مبالغ ضخمة لعملاقَة المنصات الاجتماعية على مدار العقد الماضى، حيث جذبهم جمهورها الهائل وقدرتها على استهداف الإعلانات استنادًا إلى ما تظهره بيانات المستهلكين، وبات "فيس بوك" و"جوجل" يعرفان بـ"المحتكرين"، مع هيمنة ساحقة على سوق الإعلانات الرقمية فى الولايات المتحدة، والتى من المتوقع أن تصل إلى 107 مليارات دولار هذا العام، لكن كلا الشركتين الآن فى موقف دفاعى حول الدور الذى لعبوه فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2016، ودورهم الأوسع فى المجتمع.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة