بعد أشهر من الاضطرابات السياسية فى إقليم كاتالونيا، الساعى للإنفصال عن أسبانيا، تأمل الحكومة المركزية الإسبانية فى تحقيق نصر واضح على الانفصاليين، عبر محاكمة الزعيم الانفصالى الأعلى، الذى تم القبض عليه فى ألمانيا، هذا الأسبوع، بناء على أمر صدر فى مدريد.
غير أنه بحسب صحيفة نيويورك تايمز، الأمريكية، فإنه إذا أعيد الزعيم الانفصالى كارليس بويجديمون، لإسبانيا فإن محاكمته ربما تسفر عن نتائج عسكية للحكومة، وذلك من خلال تحفيز الحركة الانفصالية وإطالة أمد النزاع الذى يهدد التماسك الجغرافى للبلاد.
ومنذ عام 2012، تحدث السياسيون الحكام فى مدريد وبرشلونة عن بعضهم البعض بدلا من التفاوض، مما دفع النزاع الذى كان يركز فى البداية على المطالب الكاتالونية لتحسين المعاملة الضريبية لتتحول إلى تحد انفصالى، وأصر رئيس الوزراء ماريانو راخوى على معالجة النزاع باعتباره مشكلة إنفاذ قانون وليس مشكلة سياسية.
وأعلنت المحاكم الإسبانية، إن استفتاء استقلال كاتالونيا، الذى أجرى العام الماضى، غير قانونى وأن محاولات الحكومة المركزية المتشددة لعرقلة التصويت قد أثارت غضب الكثيرين فى كاتالونيا، وإتهمت السلطات الإسبانية بويجديمونت بالتمرد وإساءة استخدام الأموال العامة، وسوف تقرر محكمة إقليمية ألمانية فى غضون 60 يومًا ما إذا كانت ستعيده للمحاكمة. ولكن إذا اختارت المحكمة تسليمه فقط بتهمة الفساد، فإن ذلك سيخلق إرتباطا سياسيا وقانونيا للحكومة الإسبانية، التى ستُحرم من محاكمته بتهمة التمرد، وهو الاتهام الذى يشكل قلب المسألة.
وقال سيرجى باردوس-برادو، أستاذ العلوم السياسية بجامعة أكسفورد: "إن إسبانيا تخلق وضعاً تطلب فيه من قضاة أوروبا بدلاً من ساستها، حل مشكلة كاتالونيا". وأضاف إن "فى وقت يحتاج فيه الاتحاد الأوروبى إلى مزيد من الشرعية وإلى إعادة الاتصال مع مواطنيه، كيف يمكن لهذا ألا يجعل الأمر يبدو كمشروع بعيد وتكنوقراطى؟"
توقيف بويجمونتى دفع قضية كاتالونيا للظهور مجددا على الأجندة الأوروبية، وربما يختبر العلاقات بين ألمانيا وإسبانيا، بعد أن نجحت الحكومات الأوروبية فى الغالب فى تجاهل التطلعات السياسية للانفصاليين. كما تثير القضية تساؤلات حول ما إذا كانت أوروبا لديها مفهوم موحد لحكم القانون وكيف ستستجيب للحركات الانفصالية الأخرى.
وفى افتتاحيتها رأت صحيفة نيويورك تايمز أن إعتقال ألمانيا للزعيم الكتالونى السابق يدفع بقضية إستقلال الأقليم إلى نطاق أوسع كثيرا للساحة السياسية، وتوضح أن هذا الأمر يجر ألمانيا، العملاق الأوروبى، إلى المعركة، فبموجب مذكرة التوقيف الأوروبية المستخدمة فى الاتحاد الاوروبى يتطلب من ألمانيا نقل بويجموند إلى إسبانيا فى غضون 60 يوما، غير أن هذا يتطلب أن تكون للتهم الإسبانية ما يعادلها لدى ألمانيا.
كارليس بويجديمون
وبينما اتهام إختلاس الأموال العامة له ما يعادله فى القانون الألمانى، لكن تهمة التمرد ربما ما يعادلها هى "الخيانة العظمى". وهذا أمر صعب العمل به تجاه مسئول منتخب ديمقراطيا ولم يلجأ قط إلى إستخدام القوة، لذا فيمكن للمحاكم الألمانية أن تقرر نقل بويجمونت شريطة ألا يحاكم بتهمة التمرد.
وتقول الصحيفة إن للحكومة الإسبانية كامل حقوقها فى الدفاع عن وحدتها ودستورها والدول الأوروبية على حق فى عدم منح الانفصاليين الكتالونيين أى دعم. لكن الآن بعد أن دخلت برلين فى النزاع، كان من الأفضل أن تقول لمدريد إن التعامل مع استقلال كاتالونيا على أنه خيانة يعطى الحركة سلطة أخلاقية غير مبررة. لذا فمن شأن أى مبادرة تصالحية تجاه كاتالونيا أن تفعل أكثر كثير لنزع فتيل المواجهة التى ذهبت بعيدا