جاء فوز فيلم the shape of water أو "شكل الماء" بجائزة أوسكار أحسن فيلم، وكذلك فوز مخرجه "ديل تورو" بجائزة أحسن مخرج، كرسالة سياسية مبطنة إلى نظام الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ومؤيديه، فالفيلم الذى يدور فى عوالم سحرية كعادة "ديل تورو" وبخلاف قصة الحب الرومانسية الغريبة بين "إليزا" بطلة الفيلم و"الوحش" الغامض الذى اكتشفته وحدة سرية فى الجيش الأمريكى فى أحد غابات الأمازون يدور عن "هذا المختلف" والغريب و"المهمش"، وكيف أننا قد نجد فى هذا الذى نظنه "وحشا" قلبا لطالما اجتهدنا فى العثور عليه طويلا، وكأنما هى رسالة خفية مبطنة إلى إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب وتصاعد "اليمين الشعبوى" حول العالم.
الفيلم يروى حكاية "إليزا" الشابة البكماء، والتى عانت وهى صغيرة من اعتداء أفقدها القدرة على النطق، بطلتنا هى عاملة "نظافة" فى واحدة من المختبرات السرية فى الجيش الأمريكى، والتى تتابع المخلوقات الغريبة خلال فترة الحرب الباردة خلال فترة الستينات، فى عالم "إليزا" لا يوجد سوى صديقان حميمان، هما "زيلدا" صديقتها ذات البشرة السمراء، والتى تعانى هى الأخرى بدورها من العنصرية تجاه "السود" التى كانت مازالت متفشية فى المجتمع الأمريكى فى هذا الوقت، أما الصديق الآخر فهو جارها العجوز "جيليس" والذى بدوره يعانى انحسار الحياة عنه فهو رسام إعلانات فى وقت بدأ العالم فيه يهجر الرسومات فى الإعلانات ويتجه إلى الصورة الفوتغرافية، وهو أيضا "مثلى الجنس" يخفى حقيقته ليعيش وحيدا تماما مثل "إليزا".
فى واحدة من أكثر الوحدات السرية فى المختبر، تأتى "كبسولة" غامضة قادمة من غابات الأمازون، أما ما هو موجود فى هذه الكبسولة فهو "وحش" أسطورى، كائن مخيف لم يعرفه العالم من قبل، يصفه رئيس وحدة الأمن فى المختبر "ريتشارد ستريكلاند" بأنه شيء مخيف يجب أن تعامله بقسوة وعنف بالغين، وهو بالفعل ما يقوم به مع هذا الوحش الذى يعذبه بشكل منهجى، لكن "إليزا" الوحيدة المهمشة تشعر بهذا المخلوق ومعاناته ووحدته، وبشكل ما تنجح فى التواصل معه حتى تقع فى حبه وتحاول تهريبه من المختبر، بمساعدة الطبيب ذو الأصول الروسية، والذى وعلى عكس الصورة النمطية عن "الروس" بأنهم قساة القلوب وعدوانيين إلا أنه يبدو كأنه الشخص الأكثر طيبة وإنسانية فى هذا المختبر بأكمله.
يحكى الفيلم حكاية حب مع وحش أسطورى
فى الفيلم لا يعمد ديل تيرو على إعطائنا حقائق شخصياته دفعة واحدة، فالجار الطيب الذى يساعد "إيلزا" والذى تشعر بالتعاطف معه منذ بداية الفيلم لا ندرك أنه مختلف و"مثلى" إلا فى وسط الأحداث عبر إشارة خاطئة تظهر منه فى وسط الفيلم، أما الشاب اللطيف الذى يقف فى أحد تلك مطاعم الوجبات السريعة التى تبدو فى الستينات كظاهرة جديدة، وفى خلال المشاهد ويبدو شخصا طيبا بحكم وظيفته التى تجبر عليه التعامل مع الزبائن بلطف حسبما تقتضى لوائح "الشركة الأم" المالكة، لكننا سريعا لا نملك إلا أن نشعر ناحيته بكراهية بعدما يتبدى لنا عنصريته وقيامه بطرد "السود" من المطعم، فى هذه المشاهد السريعة يرسل "ديل تورو" رسالة قوية إلى مشاهديه، بأن هذه المشاهد التى تبدو اليوم "منفرة" سواء طرد رجل من مطعم لأنه "مثلى الجنس" أو "أسود البشرة" كانت يوما ما جزء لا يتجزأ من تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، هذا التاريخ الذى يحاول البعض أن يعيده من جديد.
فى هذا الفيلم يتحد المهمشون ليقولوا لهؤلاء المهيمنون إنهم قادرون على المواجهة وإنقاذ الآخر الغريب مثلهم والمنبوذ كما يتم نبذهم فقط لأنه مختلف، أما هذا الوحش الذى تخيلناه وهبناه فلم يكن سوى الأكثر قدرة على إعطائنا الحب، ينسج ديل تورو هذا كله فى إطار سحرى من الموسيقى التى حازت على جائزة أحسن أوسكار موسيقى، وعلى صورة تمزج بين الصورة الخيالية التى تعيشها "إليزا" فى ذهنها عن العالم وألوانه، وعن الواقع الذى تعيشه بقسوته، فعالم إليزا عالم ذو ألوان زاهية ومحببة للنفس على عكس عالم "المختبر" القاسى وألوانه الرمادية والقاتمة.
السلطة فى مواجهة المختلف والمهمش
جليرمو ديل تورو هنا يواصل تقديم ما عهدناه عليه من قبل عن "الأشرار" فى وجهة نظره، فهم ليسوا وحوشا أو أشخاص قادمين من عالم آخر، بل هم هؤلاء السلطويين والمتعصبين الذين لا يرون فى الكون إلا أنفسهم، لذا فوحوش ديل تورو دوما هم وحوش طيبون رغم غرابة مظهرهم وأشكالهم المنفرة، أما الأشرار فهم هؤلاء البشر الذين لهم صورة آدمية سوية، لكنهم قساة القلوب.
ورغم أن "السيناريو" الخاص بالفيلم بدا طفوليا لدى الكثير من النقاد وكذلك طالته اتهامات بالسرقة قبل الحفل بعدة أيام، إلا أن الفيلم استطاع أن ينال اختيار أكثر من 6500 عضو من أعضاء أكاديمية علوم وفنون السينما الأمريكية، كما نال مخرجه المكسيكى ديل تورو الجائزة عن فيلم قيل أنه واحد من أقل أعماله جودة، خاصة فى حالة مقارنته مع أحد أهم روائعه التى قدمها للعالم عام 2006 وهى "متاهة بان"، والتى تدور أحداثه فى أثناء الحرب الأهلية الأسبانية ما بين 1936 -1939 ، والمصنف فى الترتيب رقم 98 ضمن قائمة أحسن 250 فيلم فى تاريخ السينما على موقع قاعدة بيانات السينما IMDB.
ديل تورو يحمل أوسكار أحسن فيلم وأحسن مخرج
للعام التالى على التوالى إذن، يبدو أن الأوسكار أرادت أن تبعث من جديد برسالة سياسية خفية، كصرخة فنية فى وجه هيمنة "اليمين الشعبوى" على الساحة السياسية الأمريكية وتصاعد النداءات العنصرية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة