صدر مؤخراً عن دار النهضة العربية فى بيروت كتاب لعالم النفس المصرى المرموق الدكتور ماجد موريس، الكتاب عنوانه " الإرهابى.. شهوة الدم ولغز الانتحار" الكتاب يقدم لنا فى عمق تحليل للظاهرة الإرهابية عبر معطيات علم النفس وعبر الواقع.
يذكر ماجد موريس أن الإرهاب تحول من أحداث متفرقة إلى ظاهرة عالمية بسبب طائفتين من العوامل: أولاهما العوامل المجتمعية وثانيهما العوامل الموضوعية.
العوامل المجتمعية، نذكر منها:
1. الأزمات الاقتصادية أو الخواء السياسي.
2. هيمنة الخطاب الأبوى وغياب الحريات.
3. تدنى مستوى التعليم وانتشار الخرافة.
4. مشاعر اليأس و الخوف و انتظار المخلص.
ومن العوامل الموضوعية نذكر:
1. سقوط النظام الشيوعى.
2. غزو أميركا للعراق.
3. عولمة الإرهاب بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001.
العوامل التى أدت لانتشار الإرهاب فإنه من الممكن أن نصنف الإرهاب بطرق عدة، إما بحسب الهدف الذى يرمى إليه أو بحسب الوسيلة التى يتبعها؛ فهناك على سبيل المثال:
1. العنف أو الإرهاب السياسى Political Violence الذى تقوم به جماعات أو منظمات ضد السلطة، ومثالها إرهاب جيش تحرير إيرلندا و الأحزاب المسلحة فى جنوب أفريقيا التى جاهدت من أجل إنهاء حكم التمييز العنصري. فإذا لجأت هذه الجماعات أو تلك فى إطار تمردها إلى تشكيل فرقٍ للقيام بعمليات مسلحة أصبح هذا النمط من الإرهاب يعرف بحرب العصابات المدنية Guerrilla Urban و أمثلتها التاريخية جماعة بادر ماينهوف Bader_maynhoff فى ألمانيا، وتوباماراس فى أوروجواى Tupamaras، والجيش الأحمر اليابانى، وجبهة تحرير كويبك. واعتقد أن العصابات التى تحارب فى سينا تحت مسمى أنصار بيت المقدس أو جماعات "حسم" فى القاهرة والجيزة مما يمكن أن تندرج تحت هذا التقسيم.
2. الإرهاب المدعم بالدول State Sponsored Terrorism عندما تتخذ الدولة من الإرهاب وسيلة بديلة عن الحرب النظامية، بمعنى أن ترعى جماعات مسلحة تقوم بأنشطتها لزعزعة الاستقرار الداخلى فى دولة معادية. ولعلنا نجد فى الدول الممولة والداعمة للإرهاب مثلاُ حياُ خاصة بعد أن أوقفت السلطات فى عدد من الدول المستهدفة شحنات من الأسلحة المهربة عبر الحدود البرية والبحرية والتى ثبت أنها ممولة من الخارج.
3. الإرهاب الدولى International Terrorism وهو أى عمل إرهابى تشترك فيه أكثر من دولة وتتشابك فيه مصالح و اهتمامات أكثر من طرف، مثال ذلك أن ينتمى الإرهابيون إلى دولة ويقومون بعمل عدائى ضد سفارة دولة أخرى على أرض دولة ثالثة. ولا يمكننا أن نبرئ الدول الكبرى من دعمها لعصابات الإرهاب فى كل من سوريا و العراق وتغاضيها عن مذابح التطهير العرقى ضد مسيحيى العراق.
4. التطهير العرقى Genocidal Violence وهو العنف المسلح بهدف القضاء التام على مجموعة أو فئة من الناس بسبب جنسها أو دينها أو أصلها العرقى، وكنا نظن أن زمن التطهير العرقى قد ولى مع عصور التنوير و الحداثة وما بعدها إلا أننا رصدنا حرب البوسنة والهرسك التى شنتها صربيا وكذلك القتال ضد الـألبان فى كوسوفو.. وكانت حرب التطهير العرقى بين الهوتو و التوتسى فى رواندا وبوروندى فى الفترة من 1990 إلى 1993، وتاريخياً تبرز أمامنا مذبحة الأتراك ضد الأرمن فى 1915 حيث راح ضحيتها ما يزيد عن مليون أرمني.
5. Religious Terrorism والأصل فى هذا المصطلح أن يستعمل عندما تعمد مجموعة مسلحة تنتمى إلى دين أو طائفة دينية إلى استعمال العنف ضد المنتمين إلى هويات مختلفة بهدف القضاء عليهم أو إجبارهم على التحول إلى دين أو مذهب آخر. ولكن فى الوقت الحالى أقدر أن كل الجماعات المسلحة التى تتخذ مسميات إسلامية، والتى تعلن أن هدفها الحقيقى هو إقامة دولة الخلافة ( وهو هدف سياسى فى الواقع لأنه ببساطة يعنى التمكن من السلطة السياسية)، يختلط عندها ما هو دينى بما هو سياسى، بمعنى أنها مدفوعة بدافع بشرى (الرغبة فى الحكم) يبرره واعز دينى (الحكم بما أنزل الله)، و الفصل بين الدافع والمبرر عملية صعبة جداً.
استطاع ماجد موريس من خلال الرصد الحثيث للظروف و الملابسات التى تتم فى خلفيتها الأحداث الإرهابية أن يعين عدداً من السمات العامة للإرهاب المعاصر ومنها:
1. تعدد الوسائل ما بين القتل و الاغتيال السياسى وتدمير الممتلكات والعربات المفخخة و القنابل الموقوتة التى تنفجر على البعد وخطف الطائرات واحتجاز الرهائن.
2. الإرهاب الإجرامى عن طريق قطع الطريق و ابتزاز المال بالتهديد أو خطف الأطفال أو النساء أو تجارة المخدرات أو سرقة محال المصوغات أو متاجر الأثرياء.
3. الإرهاب الاقتصادى أو إرهاب الفقر وهو أسلوب تلجأ إليه الحكومات لإسكات المتمردين على المستوى المحلى، وعلى المستوى الدولى تعمد الدول الداعمة للإرهاب أو للجماعات الإرهابية إلى أضعاف موقف دولة أخرى عن طريق إلحاق الضرر بمصالحها الاقتصادية. مثلما يحدث فى مصر عندما تؤدى أحداث الإرهاب إلى نفور السائحين من الإقبال على مصر. وكذلك تعمد الدول الكبرى إلى فرض الحصار الاقتصادى على الدول التى تناوئها سياسياً، مثلما كان الحال مع الحصار الاقتصادى لإيران و السودان وسابقاً مع ليبيا، وفى رأيى أن الحظر المفروض على السياحة فى مصر يصب فى مصلحة الإرهاب و لا يعتبر إطلاقاً سبيلاً لمكافحته.
4. الإرهاب البيولوجى Bioterrorism وقد حدث مع انتشار الطاعون فى الهند و الإيبولا فى أفريقيا الوسطى و أنفلونزا الطيور فى هونج كونج ومنها إلى دول أخرى بشكل وبائى، وأكثرها ارتباطاً بالذهن ما أشيع عن احتمال لجوء صدام حسين لحرب الجمرة الخبيثة Anthrax ضد الكويت والقوات الغربية فى حرب 2003.
5. إرهاب المفكرين، وكافة الوسائل التى تمس ما يطلق عليه قضايا الفكر و الإبداع، المفكر والمبدع محصور بين قوسين أحدهما تفرضه السلطات و الآخر تمليه الاتجاهات المحافظة فى المجتمع. وهنا أشير إلى مطالبات الصحفيين فى مصر بإلغاء عقوبة الحبس فى قضايا النشر وهو المطلب الذى نص عليه دستور 2014 ضمناً.
و رصد ماجد موريس سمات الإرهاب المعاصر ومنها استخدامه لثورة الاتصالات والتكنولوجيا فى تخطيط وتنفيذ العمليات الإرهابية وكذلك استعماله ضمن حملات إرهاب المفكرين.
ويؤكد ماجد موريس أن الفعل الإرهابى مهما اختلفت وسيلته ومع تغير أهدافه القريبة إلا أن أهدافه البعيدة تتمثل فى عدد من الاستراتيجيات النفسية ذكر منها:
1. الدعاية بالفعل الإرهابى Propaganda by the deed حينما تستغل جماعة صغيرة الفعل كى تعلن عن وجودها عبر وسائل الإعلام.
2. التخويف Intimidation عن طريق بث الذعر فى نفوس العامة.
3. الاستفزاز Provocation وهذا يحدث عندما تستفز السلطة أو قوى الأمن فتأخذ إجراءات انتقامية تؤدى إلى أن يظهر الإرهابى فى موقف الضحية ويستدعى الشفقة و التعاطف من المحايدين.
4. نشر الفوضى Chaos فى المجتمع.
5. إنهاك جهات الأمن Attrition of security forces، و أجهزة الدولة بين حادث هنا وتفجير هناك مما يزعزع ثقة الشعب فى قدرة الدولة على توفير الحماية له وهو هدف واضح من تفجير الكنائس فى مصر، وكذلك فى الهجوم على الأكمنة الثابتة والمتحركة للشرطة.
6. الإرهاب التعبيرى Expressive أو الرمزى Symbolic الذى يفصح عن حالة من الغضب الكامن الذى ينفجر ولو بصورة غير مؤثرة من وقت لآخر للتعبير عن أن القضية لم تمت.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة