- حكايات معاناة أولياء الأمور مع أبنائهم المصابين بالمرض تكشف العصبية والخوف الزائد عليهم.. ونظرة المجتمع أبرز مشاكلهم
- هيئة التأمين الصحى توضح دورها فى المتابعة الدورية للطلاب
قبل أيام من موعد بداية العام الدراسى، اتخذت الأم قرارًا نهائيًا: «لن أخبرهم بمرضه حتى لا يكون عرضة للسخرية أو الشفقة، لن أعرضه لذلك أبدًا»، وقالت لنفسها: «سيذهب ابنى إلى المدرسة صباحًا، وفى نهاية اليوم أصطحبه ليحصل على جرعة الأنسولين لكن دون علم أحد بهذا الأمر نهائيًا».
يبدأ اليوم الدراسى المعتاد ويذهب الطفل إلى الفصل، يجلس بين زملائه، وبعد مرور عدد من الحصص الدراسية، تفاجأ المدرسة بتصرفه بعصبية شديدة، ويتوتر الطفل، ويخبط بأقدامه على الأرض، تطالبه بالهدوء، إلا أنه لا يهدأ، لا تعلم المدرسة ما أصابه تحديدًا، لكنها تعتبره نوعًا من التجاوز المعتاد، الذى يستلزم العقاب، لذلك تقرر أن يجلس فى الفصل وحده خلال فترة «الفسحة»، وتأتى «الفسحة» فيخرج جميع زملائه ويبقى هو داخل الفصل، يتطور الأمر ليصاب بكومة السكر، يفقد وعيه تمامًا، وبعد عودة زملائه يجدونه على الأرض فاقدًا الوعى، تهرول المعلمة للتواصل مع الإدارة، ويجرون اتصالًا بالإسعاف فى محاولة لإنقاذ الطالب، لكن دون جدوى.. نوبات هذا المرض لا تمنح المزيد من الوقت.. مات الطفل!
تلك القصة تتم تلاوتها كنموذج رمزى فى المؤتمرات العلمية والتثقيفية، الخاصة بسبل التعامل مع الطلاب من مرضى السكر فى المدارس، وكذلك تكشف باختصار كيف يمكن أن تتطور الأحداث بالنسبة لهم، خصوصًا فى حال عدم توافر الرعاية الصحية اللازمة للأطفال المصابين بهذا المرض، نقطة أخرى مهمة ينبغى أخذها فى الاعتبار، تتمثل فى كيفية تعامل الآباء والأمهات مع أبنائهم المرضى، ومدى مساعدتهم لهم لتقبل هذا الموقف الصعب فى السن الصغيرة، والسبل الصحيحة للتصرف فى الأوقات الحرجة من تلقاء أنفسهم إذا لم تتوافر لهم مساعدة!
«التعليم المر لمرضى السكر فى المدارس».. قد يكون وصفًا موجزًا لأحوال هؤلاء الطلاب، نظرًا لضعف الرعاية الطبية فى بعض الأوقات، وقلة الثقافة فى التعامل معهم فى أوقات أخرى، خاصة مع رفض الأم أحيانًا الإعلان عن إصابة طفلها بمرض السكر، خوفًا من رفض قبوله بالمدرسة، أو لتصور أن هذا المرض وصمة قد تهدد حياة ونفسية طفلها بسبب تعامل المدرسين وزملائه معه.
حكايات معاناة الأسر
«م. محمد»، أم لديها ثلاثة أبناء، منهم ولد وبنت مصابان بالمرض منذ صغرهما، وتدرجا فى الصفوف الدراسية بالمرحلتين الابتدائية والإعدادية.
لم تكتمل فرحة الأسرة بالابن الأول «محمد» فى سنوات عمرها الأولى، بعد اكتشافها إصابته بمرض السكرى فى عمر ثلاث سنوات، والحال نفسه لشقيقته الصغرى «ملك»، فلم تتعرف الأسرة على حقيقة مرضها بالسكر إلا فى عمر ست سنوات، ويخشى الأب والأم على ابنهما الثالث من اللحاق بأخويه.
حاليًا يبلغ الابن من العمر 11 عامًا فى المرحلة الإعدادية، والابنة 9 سنوات فى نهاية المرحلة الابتدائية، وتحكى أمهما عن أصعب المواقف التى واجهتها بسبب المرض أثناء وجودهما بالمدرسة، وكذلك مدى وجود رعاية طبية من عدمه، قائلة: «فى إحدى المرات دخلت ابنتى فى غيبوبة واعتقد المدرسون وزملاؤها أنها تستريح لبعض الوقت، لكن أحمد الله أننى وصلت فى الوقت المناسب، وقمت بنقلها إلى المستشفى، ومنذ هذا التوقيت وبدأوا التركيز معها فى المدرسة»، مضيفة: «رغم هذا الموقف إلا أنه توجد متابعة مستمرة من طبيبة المدرسة، ولا توجد ممرضة تتواجد بشكل دائم معهم، وغالبًا ما يقوم الطبيب المتواجد بزيارتها فى اليوم مرة أو مرتين على حسب يومها».
نقص الثقافة فى التعامل مع الطلاب مرضى السكر قد تكون له آثار مدمرة عليهم، وهذا النقطة تحدثت عنها أم الطفلين باستفاضة، قائلة: «فى الحقيقة كل من بالمدرس سواء من المعلمين أو الزملاء يخافون على ابنى وابنتى، وللعلم أسعى لمعالجتهما نفسيًا دومًا إذا كنا متواجدين فى مكان عام، أعطيهما الجرعة حتى لا يشعران بالخجل، وهذا التصرف كان سببًا فى دخول مشاجرات مع زوجى لأنه كان يطلب منى التوارى عند إعطائهما جرعة الأنسولين».
رغم الثبات الظاهرى الذى تبدو عليه الأم، فإنها اعترفت بانهيارها فى كثير من الأوقات، لكنها تحاول التغلب على هذا الإحساس عبر البحث على شبكة الإنترنت بشكل دائم ومستمر عن كيفية التعامل مع الأطفال مرضى السكر، خصوصًا الجانب النفسى، خاصة أنهما يعانيان من العصبية الزائدة لشعورهما بأنهما مختلفان عن باقى أقرانهما فى المدرسة، إضافة إلى تعبهم الجسدى جراء الحصول على جرعات الأنسولين باستمرار، لدرجة أن أيديهما تورمت، مضيفة أنها تستمع لشكواهما، وتحاول التماسك أمامهما لدفعهما لاستكمال مسيرتهما دون كلل أو ملل.
قصة أخرى لطالب مريض سكر يدعى «محمود»، لكن هذه المرة فى إحدى المدارس الخاصة المفترض أن الرعاية الطبية بها أفضل إلى حد كبير، وتروى مى محمد قصة ابنها مع المرض، قائلة: «أصيب نجلى بالسكر فى سن صغيرة، وحاليًا يدرس بالمرحلة الإعدادية، وعلى مر السنوات كان هناك طبيب يطمئن عليه باستمرار، ودائمًا ما كنت أتحدث مع زملائه المقربين حتى يقوم بمتابعته وإبلاغى فور تعرضه لغيبوبة سكر أو أى أعراض أخرى، وكذلك المدرسون كانوا على علم بمرضه».
وتكمن مشكلة الابن مريض السكر فى وجهة نظر الأم فى عدم قدرة المعلمين على التعامل معه بشكل صحيح من الناحية النفسية، موضحًا أن إحساس الشفق أو التعامل معه بشكل حريص أكثر من اللازم كان يزيد من شعوره بأنه ليس سويًا مثل باقى زملائه، مما يزيد من توتره، لدرجة أنه تحول إلى السلوك العدوانى مع مدرسيه وزملائه، وحتى معها فى المنزل، لذا تسعى إلى التعامل معه نفسيًا دائمًا، وفقًا لاستشارات الأطباء.
وهنا طالبت إحدى أولياء الأمور بضرورة تثقيف المدرسين للتعامل مع هذه الحالات، حتى لا يزيدوا من الوضع سوءًا، والسبب أن علاج مريض السكر ليس كله عبارة عن تلقى جرعات أنسولين، إنما هناك جانب نفسى يجب مراعاته، وأخذه فى الاعتبار.
فصول خاصة وتأهيل للمدرسين
الدكتورة مى محمد قالت إن الأمهات يعانين بشكل كبير مع أطفالهن المصابين بالسكر، لافتة إلى أن الأم تتحمل الأثر النفسى على الطفل، وكذلك تتحمل كل ما يواجهه داخل المدرسة، لافتة إلى أن تعرضه لأى تصرف يشعره بالشفقة يكون سببًا كافيًا لتعامله بعنف شديد معها فى المنزل.
«أنا بتعامل كأم وطبيبة ومعالج نفسى أيضًا».. هكذا أدت «مى» الأدوار المختلفة التى تقوم بها فقط للحفاظ على صحة طفلها، ومحاولة مساعدته على العيش بشكل طبيعى.
من ضمن المقترحات التى تحدثت عنها «مى» لمساعدة هؤلاء الأطفال، هو وجود مدارس خاصة بهم، أو على الأقل وجود فصل فى كل مدرسة للأطفال مرضى السكر، ليس كنوع من التمييز ضدهم، وإنما لمنحهم المزيد من الرعاية الصحية.
وأضافت: «يجب أيضًا تأهيل المدرسين والأطفال داخل كل مدرسة للتعامل مع أى طفل مريض سكر، فعلى المدرس أن يدرك أن التعامل بشفقة مع الطفل قد يكون سببًا فى سوء حالته النفسية بشكل كبيرة، وإنما يجب التعامل معهم بشكل طبيعى، يجب أن يعلم الجميع أن هؤلاء الأطفال طبيعيون ومن حقهم العيش بشكل طبيعى وسط الجميع».
ليست كل الأمهات لديهن القدرة على التماسك أمام أبنائهن، فهناك أخريات انْهرنَ فور علمهن بالخبر، ولم يستطعن مواجهة الحقيقة بصعوبتها، وإحدى هؤلاء «أم أحمد» التى اكتشفت مرض ابنها، الطالب بالمرحلة الابتدائية، منذ شهر بالتحديد، ونتيجة للخوف الشديد على طفلها بسبب وجوده فى مدرسة حكومية، لا تتوافر فيها المعايير الكافية للرعاية الصحية، قررت عدم إرساله إليها، خوفًا من حدوث مضاعفات له دون أن يأتى أى شخص لإسعافه، ومن شدة خوفها أيضًا تركت العمل لعدم ثقتها فى قدرة أى شخص على رعايته بالشكل الصحيح سواها.
هنا تجدر الإشارة إلى أن هناك خدمات تقدم لعلاج مرضى السكر من خلال 99 مركزًا متخصصًا لعلاج السكر، و143 عيادة شاملة «طلاب ومواليد»، و7397 عيادة صحة مدرسية «أحادية التخصص»، و132 عيادة صحة مدرسية «ثنائية التخصص»، و70 عيادة صحة مدرسية «ثلاثية التخصص»، و39 مستشفى «500 حضانة، 50 سرير رعاية مركزة للأطفال»، وذلك وفقًا لما يقوله المكتب الفنى لهيئة التأمين الصحى.
القصة السابقة تعطى مؤشرًا إلى أن الخوف الزائد أو الاهتمام المبالغ فيه أحيانًا قد يكون مضرًا على نحو يساوى الإهمال، وبناءً عليه تدور التساؤلات حول الطرق الصحيحة للتعامل مع الطلاب المرضى، سواء فى المنزل أو المدرسة، وهنا يقول الدكتور هشام الحفناوى، عميد المعهد القومى للسكر: «الطالب مريض السكر يُعامل بصورة عادية، ويقضى يومه الدارسى كاملًا، لكن كل الموضوع أنه ينبغى إعلام طبيب المدرسة أو الزائرة الصحية بالحالة، حتى يكون على دراية بالتعامل والتدخل فى حالة أصيب بهبوط أو نقص سكر، فيقوم بالتحليل له عبر الجهاز الموجود بالمدرسة أو مع الطالب، وفى حصة الألعاب ينبغى السماح له بأكل أو شرب شىء لتعويض المجهود المبذول، وكذلك أثناء اليوم الدراسى السماح له بدخول دورة المياه وقتما يشاء».
كيف نتعامل مع الطلاب المرضى بشكل صحيح؟
فى الإطار نفسه، تعلق الدكتورة إيناس شلتوت، أستاذ السكر والغدد الصماء بطب قصر العينى، رئيس الجمعية العربية لدراسة أمراض السكر والميتابوليزم، على رفع ثقافة المعلمين فى المدرس للتعامل مع الطلاب المرضى، قائلة: ينبغى بذل مزيد من الجهود من أجل تثقيف المدرسين فى كيفية التعامل مع الطلاب مرضى السكر، أو باقى الأمراض المزمنة الأخرى، وذلك عبر حملات أو مؤتمرات أو أى وسيلة كانت.
وتضيف أستاذ السكر والغدد الصماء أنه ينبغى التعامل مع مريض السكر، خصوصًا الأطفال، على أنهم أشخاص عاديون، وعدم المبالغة فى الحرص أثناء معاملتهم، لأن هذا قد يؤثر على نفسيتهم، مشيرًا إلى أن المدرسين لابد أن تكون لديهم دراية بمضاعفات المرض من هبوط أو غيبوبة، أو أعراضه بشكل عام، أو المشاكل التى قد تؤدى إلى تفاقم أوضاع الحالة، وينبغى العلم بالتصرف الصحيح فى حال وجود المدرس، أو استدعاء الممرض أو طبيب المدارس إذا استدعت الحالة ذلك.
وتعليقًا على وجود الأمور غير الصحية التى تقابل بعض الطلاب من مرضى السكر أثناء يومهم الدراسى، تقول رئيس الجمعية العربية لدراسة أمراض السكر والميتابوليزم: «بالفعل يوجد بعض الأمور مثل مواعيد تناول الطعام المحددة، خصوصًا أن هناك مدارس فترة صباحية ومسائية وأخرى ذات يوم طويل، وفى بعض الوقت تكون هناك حاجة للحصول على جرعات أنسولين».
وتشير أستاذ السكر إلى أن مراعاة الجانب النفسى للطالب مريض السكر تبدأ من المنزل، على سبيل المثال يجب أن يتناول كل من فى البيت طعامًا صحيًا أمام الطفل الصغير، حتى يعتاد على هذه التصرفات خارج المنزل، مطالبة المدارس بوضع أكل صحى فى «الكانتين»، مثل الفواكه المقطعة أو السلطات، خاصة أن هناك بعض المدارس التى تلتزم بهذا التصرف، لكنها ترى أهمية تعميمه، خاصة أن تناول أطعمة غير صحية فى العموم قد يؤدى إلى زيادة فى الوزن بالنسبة للأطفال، وهذا قد يكون مرحلة أولية للإصابة بالسكر.
الردود الرسمية
أما بالنسبة للدور التشريعى فى سن آلية لمتابعة حالات مثل هؤلاء الطلاب، تقول النائبة ماجدة نصر، عضو لجنة التعليم بمجلس النواب: أعتقد أن الرعاية الصحية فى بعض المدارس تحتاج إلى مزيد من الجهود، لاسيما هذه الحالات، وعلى حد علمى لا يوجد حصر بالطلاب مرضى السكر أو الأمراض الأخرى فى المؤسسات التعليمية، مشيرة إلى أن اللجنة سيكون لها دور خلال الفترة المقبلة مع وزارة التربية والتعليم من أجل إطلاق آلية لمراقبة سبل رعاية هؤلاء الطلاب، مشددة على أنه لا تهاون فى توفير الرعاية الصحية للطلاب.
بالنسبة لدور هيئة التأمين الصحى، خاصة أنها هى الجهة المشرفة على علاج الطلاب بالمدارس فى جميع أنحاء الجمهورية، فإنه وفقًا لما أورده المكتب الفنى بالهيئة، فإن الخدمات التى تقدمها لمرضى السكر تتمثل فى خدمة الكشف والمتابعة، سواء عبر أخصائى أو استشارى بالعيادات الشاملة أو مراكز السكر، وكذلك تقديم الفحص الطبى الدورى لطلاب المدارس، والفحص الطبى النوعى للمصابين بالأمراض المزمنة، والفحوصات المعملية والإشعاعية الدورية، وصرف أجهزة وشرائط قياس الكسر، وتقديم خدمات التثقيف الصحى، والتغذية العلاجية.