الهلع المصاحب لتأثير لعبة "الحوت الأزرق" على الأطفال والمراهقين فى جميع أنحاء العالم وإمكانية دفعهم للانتحار فتح عيون الكثيرين على خطورة الألعاب الإلكترونية والمحتوى الذى تقدمه، خاصة أنها تستهدف ملايين الأطفال والمراهقين الذين لا يجد غالبيتهم وسيلة لتمضية الوقت سواها.
هذا التأثير الكبير والخفى أحيانًا لألعاب الفيديو انتبهت إليه الكثير من الدول حول العالم والتنظيمات أيضًا ووجدوا فيها وسيلة ناعمة ومضمونة للتأثير على المراهقين والأطفال وبث العديد من الرسائل السياسية إليهم.
تطور الرسائل السياسية فى الألعاب الإلكترونية
فى نهايات التسعينيات دخلت لعبة فيديو استراتيجية تحمل اسم "ريد أليرت" موسوعة جينيس للأرقام القياسية كأكثر لعبة مبيعًا بعدد فاق 12 مليون نسخة، وفى عام 2000 صدر الجزء الثانى من اللعبة نفسها والتى تدور أحداثها فى أوائل السبعينيات ومحاولة الاتحاد السوفيتى السيطرة على العالم فى مقابل محاولات دول الحلفاء للتصدى له. من خلال اللعبة ترى أن التلاعب بالعقول أخطر أسلحة السوفييت فضلاً عن استغلال المدنيين وقتلهم إن تطلب الأمر.
لعبة ريد أليرت
عشرات الرسائل الخفية عن دول الاتحاد السوفييتى والحلفاء والحرب بينهما تصلك من خلال اللعبة دون حتى أن تشعر، وتجد نفسك بعد بعض الوقت تؤمن بأن جيوش بعض الدول هى الأقوى على الإطلاق وأن دول أخرى جيوشها طريقك المختصر للهزيمة. ستلاحظ أيضًا متانة أسلحة السوفييت فى اللعبة ولكنك تعانى بطء حركتها نسبيًا، أما الحلفاء فتتميز أسلحتهم بالخفة الشديدة والسرعة فضلاً عن التطور التكنولوجى، فيما تحرص جيوشهم على عدم المساس بالمدنيين، وبينما تتطلب غالبية مهامك فى صف السوفييت تدمير بعض المبانى والمعالم الهامة تتسم مهامك فى صف الحلفاء بالدفاع عن هذه المعالم والرموز.
لم يتحدث الكثيرون عن أهداف سياسية لهذه اللعبة الاستراتيجية ذات الشعبية الكبيرة بين جيل الثمانينيات والتسعينيات، ولكنها ليست اللعبة الوحيدة التى تحمل طابعًا سياسيًا فى عالم ألعاب الفيديو، ففى العقد الأول من الألفية الثالثة أصبحت الألعاب التى تحمل طابعًا سياسيًا أكثر وضوحًا وفجاجة وتستهدف برسائل مباشرة فئة الأطفال والمراهقين من خلال لعبة حماسية، وكان آخرها لعبة ثلاثية الأبعاد أطلقها حزب الله باسم "الدفاع المقدس" لمحاكاة قتال عناصره فى سوريا ضد من وصفهم بـ"التكفيريين".
لعبة حزب الله
اللعبة التى أطلقها حزب الله فى مارس الماضى تجسد عدة معارك شارك فيها من دمشق إلى الحدود اللبنانية السورية فى رأس بعلبك، وأعلن الحزب صراحة أن للعبة 3 أهداف أساسية للعبة أولها محاكاة المعارك وثانيها "تحفيز الروح الجهادية عند الجمهور المستهدف" وآخرها "توثيق انتصارات الحزب على العدو التكفيرى" حسب وصفه.
"صليل الصوارم" حيلة داعش لاستقطاب المراهقين
سبق لعبة حزب الله بسنوات لعبة أطلقها تنظيم داعش الإرهابى عام 2014 باسم "صليل الصوارم" بهدف "رفع معنويات المجاهدين وتدريب الأطفال والمراهقين على قتال قوات التحالف الغربى والإقليمى"، وأعلن التنظيم وقتها أنهم بصدد إصدار ألعاب إلكترونية أخرى للهدف نفسه.
لعبة صليل الصوارم
وعلى الرغم من أن التنظيم لم يبتكر اللعبة بالكامل وإنما كانت نسخة معدلة من لعبة شهيرة اسمها Grand Theft Auto 5 إلا أنه بدأها بتحذير للولايات المتحدة الأمريكية بأنه سيضرب معاقلها ويعلن الحرب ضدها. وتتطور مراحل اللعبة من مهاجمة الجيش العراقى إلى قتال القوات الأمريكية.
جانب من لعبة صليل الصوارم
الصراع العربى الإسرائيلى من الأرض إلى ألعاب الفيديو
تزامنًا مع اللعبة التى طرحتها داعش كانت هناك حربًا أخرى على ساحة الألعاب الإلكترونية، فقد استغل الإسرائيلون ألعاب الفيديو والموبايل أكثر من مرة لشحن أطفالهم وأطفال العالم ضد الفلسطينيين من خلال عشرات الألعاب من بينها "اقتل الإرهابى" التى طرحتها القناة السابعة العبرية على الإنترنت لتحريض الأطفال على قتل من وصفتهم بـ"المخربين الفلسطينيين" الذين يهاجمون جنودهم، ويظهر الفلسطينيون فى اللعبة حاملين سكاكين وبنادق وزجاجات مولوتوف.
لعبة اقتل الارهابى
وفى فى 2014 حذفت "جوجل" لعبة شبيهة تروج للعدوان الإسرائيلى على غزة تحت اسم "اقصف غزة" وفيها يسقط اللاعب القنابل على مقاتلى المقاومة الفلسطينية ويحاول تجنب صواريخهم، وصرحت الشركة وقتها أن تطبيق اللعبة ينتهك سياستها التى تمنع عرض أى محتويات تحث على الكراهية أو العنصرية أو العنف.
جانب من لعبة اقصف غزة
فى المقابل انتبه الفلسطينيون إلى السلاح الذى يستخدمه العدو ضدهم فطورا بدورهم عدة ألعاب فيديو تدافع عن القضية الفلسطينية وتحاول توصيل صوتهم للعالم كان أبرزها لعبة "تحرير فلسطين" إلا أن قلة الدعم المادى والتمويل تقف دائمًا عقبة أمام إمكانية انتشار ألعابهم بشكل واسع فى العالم.
هل يمكن أن تستغل مصر الألعاب الإلكترونية لمواجهة الإرهاب؟
يرى رامى مصطفى مؤسس موقع لمراجعات وأخبار الألعاب الإلكترونية، أن التأثير السياسى للألعاب يختلف حسب تفاعل اللاعبين معها، فلا يمكن أن تنجح لعبة فى تغيير انطباع المحتل عن المحتلين ولكن العالم الخارجى يمكن أن يتغير انطباعه مع تفاوت اهتمامه بالقضية وسطحية رأيه بشأنها. مضيفًا: "هناك على سبيل المثال لعبة فى الولايات المتحدة الأمريكية اسمها "احمى ترامب" عبارة عن رجل حراسة يحاول حماية ترامب من محاولات الاغتيال، هذه اللعبة تفاعل معها الناس بالسخرية وباعتبارها كوميدية وربما الهدف الذى طورها لأجله صاحبه تغير".
رامى مصطفى
وأضاف مصطفى، أن الاتجاهات السياسية فى الألعاب قليلة لأنها تسبب مشاكل لشركات الإنتاج والتوزيع، كما أن اللاعبين يحتاجوا وقتًا أكبر كى يفهموا أحداث سياسية معقدة، ويتفاوت تفاعلهم معها حسب تفهمهم وثقافتهم وارتباطهم بالبلد التى تتناولها اللعبة، أما الأفكار التى تركز عليها غالبية الألعاب هى النظرة المستقبلية للعالم أو تناول مشاكل مختلفة مثل العنف الأسرى والعنصرية والطبقية والأمراض النفسية.
أما عن الألعاب التى تتحدث عن مصر قال مؤسس موقع لمراجعات وأخبار الألعاب الإلكترونية: "هناك بعض الألعاب قدمت مصر بشكل جيد منها مثلاً Assassins creed origins والتى تتناول فترة حكم كليوباترا وكيف أثرت سياسات الكهنة ورجال الدين وشهوان المال والتدخل الخارجى على حياة الشعب".
ولا يفضل "رامى" أن تهتم مصر بدخول عالم الألعاب للاستفادة بها سياسيًا فى الأساس وإنما يرى أن الأهم هو التركيز على صناعة الألعاب للاستفادة بها اقتصاديًا من خلال لعبة جيدة يمكن أن تحقق النجاح، ويمكن وقتها أن نهتم بأن يكون البطل فى اللعبة أو القصة توضح دور مصر وريادتها، ولكن لا نركز على تلميع صورة ما بقدر الاهتمام بجذب اللاعب وشده لمتابعة اللعبة تمامًا مثلما يحدث فى الأفلام.