"هُنا بدن" لـ بسمة عبد العزيز.. كيف ينحاز الأدب إلى الإنسان

الإثنين، 16 أبريل 2018 06:24 م
"هُنا بدن" لـ بسمة عبد العزيز.. كيف ينحاز الأدب إلى الإنسان رواية "هُنا بدن" لـ بسمة عبد العزيز
كتب محمد عبد الرحمن

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

الكتابة عن الألم والعنف والصراعات الإنسانية سواء أكانت اجتماعية أو سياسية أو دينية، هو أمر مربك، ومثير للتساؤلات الفنية، إذ كيف لا يقع الكاتب فى فخ التحيز والصراخ السياسىى والتعصب الدينى، وكيف سينتصر للأدوات الأدبية على صوت الاستقطاب وغياب الموضوعية الطاغى؟

 

بسمة عبد العزيز، كاتبة وباحثة وفنانة تشكيلية وطبيبة، معروفة فى الأوساط الثقافية، بكتاباتها الجريئة والتى دائما ما تدور حول السلطة ومعاناة المواطن والمهمشين، صدرت روايتها الأولى الطابور وحققت نجاحا جماهيريا وعالميا كبيرا، قبل أن تصدر لها مؤخرا روايتها الثانية "هُنا بدن" الصادرة ضمن منشورات مركز المحروسة فى معرض القاهرة الدولـى للكتاب فى دورته الـ49.

 
وتدور رواية "هنا بدن" حول فريقين، كل فريق فى فصل منفرد له صوته الخاص، الفريق الأول الممثل فى مجموعة من أطفال الشوارع الذين يتم اقتيادهم وتأهيلهم من قبل أصحاب النفوذ لاستخدامهم فى أغراض خاصة، ويعبر عن ذلك الفريق الشخصية الرئيسية فى الرواية "ربيع"، وعلى الجانب الآخر بعض من المعارضين، عبر عنهم صوت "الراوى العليم" يتم القضاء عليهم عن طريق الفريق الأول، والذى لقى المصير نفسه فى نهاية الرواية، والذى تعرض لعملية من تشكيل الوعى وتحويله من مجموعة من الأفراد  إلى كائنات طيّعة، شديدة الاقتناع بما تساق إليه من مصائر، وفى الرواية فريقان يرى كل منهما الآخر من زاوية ضيقة، هى الزاوية التى تسمح بها السلطة القائمة بالرواية، وتصوغ مفرداتها وفقًا لأهدافها ومصالحها، على حد قول المؤلفة.
 

الرواية منذ الوهلة الأولى تسير فى أسلوب التجهيل، بداية من الغلاف والذى لا يتبين به سوى مشهد غير واضح المعالم لـ "البراح" الموجود فى الرواية، مرورا بالزمن والذى استعصى أيضا على "ربيع" الشخصية الرئيسية وصوت الراوى فى الرواية، ربما حدث ذلك بقصد من المؤلفة للتركيز على الهدف الرئيسى للرواية، وهى الإنسان وكيف يؤثر فيه العنف، وكيف إن طبيعته متغيرة من  النقيض إلى النقيض.

غلاف رواية هُنا بدن
غلاف رواية هُنا بدن

"هُنا بدن" تميزت بلغتها السردية العذبة، القادرة على صناعة التخييل والتجسيد فى مُخيلة القارئ، واستطاعت الكاتبة بروح الروائية والفنانة التشكيلية أن ترسم بالورقة والقلم، لوحة فنية ومشاهد إنسانية من زوايا مختلفة، وربما كانت مشاهد العنف والاشتباك فى الرواية هى أكثرها جمالا فى التعبير اللغوى، وصدقا فى المشاعر، فهى تشعر القارئ بالتعايش مع المشاهد وكل شخصيات القصة، وكأنه جزء منها.

أسماء الشخصيات داخل العمل، كانت ضمن الفنيات المميزة أيضا، واستطاعت "بسمة" أن تجعل كل اسم يعبر عن شخصيته ويرمز إلى تصرفاته، فكان "إسماعيل" الذى دائما ما يتحدث عن فداء الجميع بروحه، ويوسف الطفل الصادق فى مشاعره، والذى دائما كان يستفتيه "ربيع" فى أمور المعسكر، والشيخ عبد الجبار الذى كان يفتى للسلطة فى كل سياستها ويكفى أن أذكر أن رجال الأمن كان يطلق عليه بحسب أطفال الشوارع "الجبارون"، و"حليم" الطفل الهارب من بطش الجبارين الباحث و"الحالم" بعالم يعيش فيه طفولته المهدرة، أما "ربيع" فيمكن تأويله فى النص الروائى إلى عدة تأويلات فالطفل المُقتاد من مقلبه فى الشارع والذى كان يمثل له الحرية إلى معسكر التأهيل، والذى لم يكن يعلم يوما لميلاده فاختار يوم الثورة ليكون يوما للاحتفال به، ويمكن أن يعنى الثورة التى فتحت الباب إلى "مصر الجديدة".
 

الرواية وإن لم تخلو من الإسقاطات، خاصة ببعض الأحداث التى حدثت فى سنوات ما بعد الثورة، إلا أن الكاتبة استطاعت أن تنساب فى الأحداث لتقدم فى (500 صفحة من القطع المتوسط)، صورا سردية حيادية وموضوعية وإنسانية بالغة، واستطاعت أن تفرض على القارئ من شخوص الرواية وأحداثها، صورا واقعية انحازت فيها "بسمة" للإنسان بعيدا عن أيديولوجياته وتوجهاته،  مستكشفة تناقضاته الداخلية المتغيرة من متعصب إلى متسامح، من منحاز إلى فريق إلى ناقم عليه، ومن إنسان إلى آلة يحركها أصحاب النفوذ لأغراضهم، مثل شخصية صابر  الموجود فى "البراح" الرافض لوجود الطفل حليم بجانب ابنه بسبب دينه والذى تحول إلى كفيل له بعد فقدان ابنه وتحوله من النقيض إلى النقيض.

 

فى النهاية استطاعت بسمة عبد العزيز، بمقومات الروائية والفنانة والباحثة وقبل هذا وذاك "الإنسانة" أن تقدم عملا فنيا مميزا، متجردا من مرض التحيز، والذى قلما يظهر فى عمل أدبى، لتنتصر إلى الإنسان وإلى قيمها الإنسانية الواضحة فى مشروعها الأدبى والبحثى والطبى، مع المهمشين والمنكل بهم من معارضين ومختلفين.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة