الكتابة عن الألم والعنف والصراعات الإنسانية سواء أكانت اجتماعية أو سياسية أو دينية، هو أمر مربك، ومثير للتساؤلات الفنية، إذ كيف لا يقع الكاتب فى فخ التحيز والصراخ السياسىى والتعصب الدينى، وكيف سينتصر للأدوات الأدبية على صوت الاستقطاب وغياب الموضوعية الطاغى؟
بسمة عبد العزيز، كاتبة وباحثة وفنانة تشكيلية وطبيبة، معروفة فى الأوساط الثقافية، بكتاباتها الجريئة والتى دائما ما تدور حول السلطة ومعاناة المواطن والمهمشين، صدرت روايتها الأولى الطابور وحققت نجاحا جماهيريا وعالميا كبيرا، قبل أن تصدر لها مؤخرا روايتها الثانية "هُنا بدن" الصادرة ضمن منشورات مركز المحروسة فى معرض القاهرة الدولـى للكتاب فى دورته الـ49.
الرواية منذ الوهلة الأولى تسير فى أسلوب التجهيل، بداية من الغلاف والذى لا يتبين به سوى مشهد غير واضح المعالم لـ "البراح" الموجود فى الرواية، مرورا بالزمن والذى استعصى أيضا على "ربيع" الشخصية الرئيسية وصوت الراوى فى الرواية، ربما حدث ذلك بقصد من المؤلفة للتركيز على الهدف الرئيسى للرواية، وهى الإنسان وكيف يؤثر فيه العنف، وكيف إن طبيعته متغيرة من النقيض إلى النقيض.
غلاف رواية هُنا بدن
"هُنا بدن" تميزت بلغتها السردية العذبة، القادرة على صناعة التخييل والتجسيد فى مُخيلة القارئ، واستطاعت الكاتبة بروح الروائية والفنانة التشكيلية أن ترسم بالورقة والقلم، لوحة فنية ومشاهد إنسانية من زوايا مختلفة، وربما كانت مشاهد العنف والاشتباك فى الرواية هى أكثرها جمالا فى التعبير اللغوى، وصدقا فى المشاعر، فهى تشعر القارئ بالتعايش مع المشاهد وكل شخصيات القصة، وكأنه جزء منها.
الرواية وإن لم تخلو من الإسقاطات، خاصة ببعض الأحداث التى حدثت فى سنوات ما بعد الثورة، إلا أن الكاتبة استطاعت أن تنساب فى الأحداث لتقدم فى (500 صفحة من القطع المتوسط)، صورا سردية حيادية وموضوعية وإنسانية بالغة، واستطاعت أن تفرض على القارئ من شخوص الرواية وأحداثها، صورا واقعية انحازت فيها "بسمة" للإنسان بعيدا عن أيديولوجياته وتوجهاته، مستكشفة تناقضاته الداخلية المتغيرة من متعصب إلى متسامح، من منحاز إلى فريق إلى ناقم عليه، ومن إنسان إلى آلة يحركها أصحاب النفوذ لأغراضهم، مثل شخصية صابر الموجود فى "البراح" الرافض لوجود الطفل حليم بجانب ابنه بسبب دينه والذى تحول إلى كفيل له بعد فقدان ابنه وتحوله من النقيض إلى النقيض.