ما تحاربه بعض الدول والحكومات، تؤمن به وتشجعه كريستين لاجارد مدير صندوق النقد الدولى، حيث تفاءلت "لاجارد" بالعملات الافتراضية التى ظهرت مؤخرًا مثل عملة البيتكوين، وقالت فى تدوينة لها على الموقع الرسمى لصندوق النقد الدولى: "إن ثورة التكنولوجيا المالية، لن تلغى الحاجة لوسطاء مؤتمنين كالسماسرة والمؤسسات المصرفية"، لافتة إلى الأمل فى أن تؤدى لامركزية التطبيقات التى تشجعها الأصول المشفرة "العملات الافتراضية" إلى تنويع المشهد المالى.
وأضافت لاجارد، أنه نظرًا لتأثير الأصول المشفرة الذى لا يزال ضئيلًا وروابطها المحدودة مع بقية أجزاء النظام المالى، فإن هذه الأصول لا تشكل خطرًا، ومع ذلك، يجب على الأجهزة التنظيمية أن تتوخى اليقظة المستمرة، فالأصول المشفرة يمكنها تضخيم مخاطر التداول الأكثر اعتمادًا على الرفع المالى وزيادة نقل الصدمات الاقتصادية، إذا أصبحت أكثر اندماجًا مع المنتجات المالية السائدة، وبالإضافة إلى ذلك، ستواجه البنوك وغيرها من المؤسسات المالية تحديات أمام نماذج عملها، إذا حدث تحول واسع النطاق من العملات التى تصدرها الحكومة إلى الأصول المشفرة. وقد تجد الأجهزة التنظيمية صعوبة أكبر فى ضمان استقرار نظام مالى أكثر انتشارًا ولامركزية، كما أن البنوك المركزية قد تواجه مشكلة فى العمل كمقرض أخير إذا ما وقعت أزمة.
وأشارت مدير صندوق النقد الدولى، إلى أن سرعة الدوران المذهلة للأصول المشفرة، مثل عملة البتكوين، تستدعى إلى الأذهان مقارنات مع "هَوَس تجارة التوليب" الذى اكتسح هولندا فى القرن الـ 17، ومؤخرًا فقاعة الدوت كوم، لافتة على أنه مع تداول أكثر من 1600 أصل مشفر، يبدو من الحتمى أن يعجز الكثير منها عن الاستمرار فى مواجهة عملية الهدم الخلاق.
ولكن ما يستطيع الاستمرار من الأصول المشفرة، يمكن أن يُحْدِث أثرًا كبيرًا فى كيفية ادخارنا واستثمارنا وسدادنا للفواتير، ولهذا ينبغى لصناع السياسات أن يظلوا منفتحين للأفكار الجديدة وأن يعملوا على إرساء إطار تنظيمى عادل يحد من المخاطر، مع السماح للعملية الإبداعية بأن تؤتى ثمارها.
وكانت "لاجارد"، قد أشارت فى تدوينة سابقة لها خلال شهر سبتمبر الماضى إلى أن العملات الافتراضية " الأصول المشفرة" تقع فى فئة مختلفة، لأن لها وحدة حساب ونظم دفع خاصة بها، لافتة إلى أنها تتسم بدرجة عالية من التقلب والمخاطر وكثافة استخدام الطاقة، ولأن التكنولوجيات التى تستند إليها لم تصبح بعد قابلة للقياس، فكثير منها مبهم للغاية بالنسبة للأجهزة التنظيمية، وبعضها تم اختراقه إلكترونيًا.
وقالت كريستين لاجارد: "بالرغم من أن سبب جاذبية الأصول المشفرة، هو نفسه ما يجعلها أصولا خطرة، فهذه الإصدارات الرقمية عادة ما تنبنى على أساس لا مركزى ودون الحاجة إلى البنك المركزى، وهو ما يسمح بتداولها دون الكشف عن هوية الأطراف المتعاملة، فيما يشبه المعاملات النقدية إلى حد كبير، كما إنها قد تكون أداة رئيسية جديدة لغسل الأموال وتمويل الإرهاب، إلا أنه ليس من الحكمة استبعاد استخدام العملات الافتراضية".
ودللت "لاجارد" على أهمية عدم استبعاد استخدام العملات الافتراضية، بالبلدان ذات المؤسسات الضعيفة والعملات الوطنية غير المستقرة، قائلة :"فبدلا من اعتماد عملة بلد آخر – مثل الدولار الأمريكى – قد يشهد بعض هذه الاقتصادات استخداما متزايدا للعملات الافتراضية، ولنسميها نسخة الدولرة".
وأكدت مدير صندوق النقد الدولى، على أنه يجب الترحيب بالعملات الافتراضية وإمكاناتها مع الإقرار بالمخاطر التى تصاحبها، وعمل المزيد لإحكام السيطرة على الخطر الناشئ الذى تجلبه الأصول المشفرة وإرساء نظام مالى مستقر.
وفى السياق ذاته، أوضحت "لاجارد" أن تجربة الصندوق، أن هناك نقطة حرجة يتتابع بعدها التنسيق حول أى عملة جديدة بشكل مطرد، ففى سيشل، مثلًا، قفزت الدولرة من 20% فى عام 2006 إلى 60% فى 2008، ومع ذلك، فما المانع أن يحمل المواطنين عملات افتراضية بدلا من الدولارات واليوروات والجنيهات الإسترلينية الملموسة؟.
وأضافت لاجارد، أنه من الممكن أن تصبح العملات الافتراضية فى أحد الأيام أسهل وأكثر أمانا من الحصول على العملات الورقية، وخاصة فى المناطق النائية، ولأن العملات الافتراضية قد تصبح بالفعل أكثر استقرارا، فعلى سبيل المثال، يمكن إصدار هذه العملات واحدة لواحدة مقابل دولارات أو سلة عملات مستقرة.
وأشارت مدير صندوق النقد الدولى، إلى إمكانية أن تكون العملات الافتراضية منافسًا قويًا للعملات الحالية وتحديا أمام السياسة النقدية، لافتة إلى أن أفضل استجابة من مسئولى البنوك المركزية هى الاستمرار فى تنفيذ سياسة نقدية فعالة، مع الانفتاح لأى أفكار ومطالب جديدة تواكب تطور الاقتصادات.