فى مؤشر على رضوخ الرئيس الإيرانى حسن روحانى لصغوط المتشددين ومساعيهم لحجب تطبيق الرسائل الإجتماعى "تليجرام" الذى يتميز بخدمة تشفير الرسائل وتدميرها ذاتية، والمشهور داخل إيران ويضم أكثر من 40 مليون مستخدم إيرانى، أصدر مركز الإدارة الاستراتيجية للإنترنت وأمن المعلومات "افتا" التابعة لرئاسة الجمهورية تعميم إدارى بمنع مسئولى الحكومة من استخدام التطبيق واستبدالها بتطبيقات محلية، فى خطوة تفرض المزيد من القيود على سائل التواصل الاجتماعى وتمكن السلطات من التحكم فى الرسائل وامتلاك خوادم التطبيق، بعد أن لعب تليجرام داخل إيران دورا كبيرا فى اتساع الإحتجاجات عبر "تويتر وفيس بوك" التى تم غلقها داخل هذا البلد منذ عام 2009.
تليجرام
وجراء القرار أغلق خلال اليومين الماضيين عددا من المسئولين عن حساباتهم الرسمية على التطبيق، وبادر المرشد الأعلى آية الله على خامنئى، بالاعلان عن توقف رسائله عبر حسابه على تطبيق تليجرام وسيستخدم بعد اليوم خدمات إيرانية للرسائل وكتب فى آخر رسالة له قال ان قيامه بذلك يأتى "صونا للمصلحة القومية لبلده وبهدف دعم خدمات الرسائل الوطنية"، وفى اقدام مماثل ورغم رفضه فى السابق قام روحانى بايقاف حسابه هو الآخر داعيا اعضاء الحساب الى متابعة رسائله على حساباته الجديدة على التطبيقات البديلة المحلية من امثال سروش وايتا وگپ. وقام كلا من نائب روحانى الاول اسحاق جهانجيرى ومدير مكتبه محمود واعظى بإغلاق حساباتهم، وأعلن حساب الخارجية الإيرانية عن حسابات جديدة لها على التطبيقات ذاتها.
حساب روحانى الرسمى
وحتى كتابة هذه السطور لم تحجب السلطات الإيرانية بشكل رسمى التطبيق فى الداخل، بينما تتحدث شائعات عن توقف وشيك لكل خدمات الرسائل، وتقول ان خطوة الابتعاد عن تلجرام تأتى دعما للتطبيقات الوطنية وانهاء احتكار تطبيق تلجرام المشفر لخدمة الرسائل، بينما أبدى عددا من المسئولين قلق بالغ من هذا التطبيق الذى لعب دورا فى احتجاجات ديسمبر الاخيرة، وفى مطلع أبريل الجارى قال رئيس لجنة الأمن القومى الإيرانية فى البرلمان، علاء الدين بروجردى ان هناك مخاوف انتشار تطبيقات التواصل الإجتماعى العالمية فى بلاده وخطرها على الأمن القومى، لذا قررت السلطات تشديد الرقابة على التطبيقات، واستبدال تطبيق "تليجرام" بآخر محلى، بعد أن فشلت فى السيطرة على خوادم التطبيق الذي يحظى بشعبية واسعة داخل البلاد فى مفاوضات جرت مع الشركة المالكة له فى اغسطس عام 2016، ورفضت إدارة الشركة منح طهران برامج للتجسس على محادثات مواطنيها.
وخلال مقابلة مع راديو بروجرد، الإيرانى قال رئيس لجنة الأمن القومى، بأن التطبيق البديل سيصنع في أعلى المراتب الحكومية، مضيفاً بأن السبب في منعه يعود إلى الدور المدمر الذي لعبه تليجرام خلال أعمال الشغب العام الماضي في المدن الإيرانية، وتوصل إلى القرار من أجل جماية مصالح الأمن القومي للبلاد،"مضيفاً بأن إيران أنجزت اليوم الكثير من التقدم في مجال الأمن الإلكتروني وتمكنت من إنتاج تطبيقات بديلة لتلك المنتشرة عالمياً. وذكر بروجردى بأن التطبيق سيكون جاهزا بنهاية شهر أبريل الجارى.
الأسباب الحقيقية لحجبه
رغم مساعى بلدان عديدة لفرض قيود على تطبيق تليجرام للتراسل الذكى المشفر كونه المفضل لدى الجماعات الإرهابية فى التواصل بين أعضائها، حيث تعتمد عليه فى نشر الدعاية وتجنيد المزيد من العناصر والتواصل مع الإرهابيين، إلا أن الدولة الإيرانية ستفرض حظرا عليه لأسباب مختلفة، فى مقدمتها الدور الخطير الذى لعبه فى اتساع احتجاجات الفقراء ديسمبر الماضى ضد تدخل طهران فى الشئون الاقليمية وتردى الوضع المعيشى، الأمر الذى دفع وزير الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات الإيرانى محمد جواد آذرى جهرُمى، لتهديد الرئيس التنفيذي للتطبيق، بافل دوروف باغلاقه، حال لم تستجب الشركة لمطلب الحكومة باغلاق قنوات معارضة وصفتها "بالارهابية والمعادية للنظام" في محاولة لقمع الاحتجاجات آنذاك.
ورغم القيود، يبرع الشباب الإيرانى فى استخدام الإنترنت ووسائل التواصل الإجتماعى فى بلد يمتلك أكثر من 41 مليون إيرانى هواتف ذكية والتى يبلغ عدد سكانها 80 مليون نسمة، وخلال موجة الإحتجاجات الأخيرة كان "تليجرام" بمثابة النافذة الوحيدة التى كان يطل من خلالها الجمهور الإيرانى على العالم الخارحى ولعبت قنوات التطبيق العامة دورا أساسيا في بث المعلومات إلى الإيرانيين فى الداخل والخارج، في حين أن ميزة الرسائل المشفرة قد استخدمت كوسيلة لنشر أشرطة الفيديو والصور للاشتباكات العنيفة، فضلا عن موقع انستجرام الذى يتمتع بشعبية كبيرة داخل إيران وأدت الاحتجاجات حينها إلى مصرع العشرات وحجبت السلطات الإيرانية تليجرام مؤقتاً خلال المواجهات.
ليس الشباب الإيرانى وحده من عانى من القيود على الانترنت، فقد استطاع مرشحو الرئاسة الإيرانيين فى انتخابات مايو العام الماضى، من الهروب من الحجب الالكترونى والرقابة المشددة على الواقع الإفتراضى عبر شبكات التواصل الاجتماعى واللجوء إلى تطبيق تليجرام للتواصل مع أنصارهم، كما لجأ الإيرانيون إلى التطبيق ذاته الذى حقق لهم مزيدا من الأمن الالكترونى على محادثاتهم، ودشنوا عليه مئات من المجموعات، واشتهر صيته فى الانتخابات الرئاسية الإيرانية.
المتشددين يرحبون
فى غضون ذلك رحب التيار المتشدد بالخطوة، وحظى الاهتمام بها على الصفحات الاولى من اعلام طهران، وعنونت صحيفة "جوان" المتشددة التابعة للحرس الثورى عنوان الهجرة الكبرى للحكومة من تلجرام، وقالت إن الحكومة عقدت عزمها على كسر احتكار برامج الرسائل، وبدأت بنفسها. فى إشارة واضحة على ترحيب واسع بين هذا المعسكر الذى يبتعد عن كل ما هو مصنع خارج إيران ويتبنى دوما نظرية المؤامرة.
"سروش وايتا وگپ" تطبيقات محلية بديلة غير آمنة
ومع مساعى التيار المتشدد لرفض تطبيقات التواصل الإجتماعى الذى يرى أنها تشكل خطورة حقيقية على النظام، ويعتبرونها أداة تجسس يستخدمها الغرب للتجسس على الإيرانيين والتواصل من خلالها مع المعارضة داخل إيران، كشفت شركات الاتصالات الإيرانية عن تطبيقات بديلة فى مقدمتها "سروش وايتا وگپ" لكنها لم تحقق الانتشار والشعبية التى حققها تلجرام، فلم يزد عدد مشتركيها عن حوالى 3-4 ملايين مشترك بينما لدى تليجرام حوالى 40 مليوناً، وعزى مراقبون السبب إلى أن اإلإيرانيون فقدوا الثقة فى هذه التطبيقات ويشعرون أن السلطات ترغب فى التجسس على محادثاتهم عبر تطبيقاتها المحلية، ويرى المتشددون أنه فى حال اغلق تليجرام، فسيرتفع عدد المشتركين فى التطبيقات الوطنية.
وبينما انتشرت أخبار داخل إيران عن حجب تليجرام، أكد رئيس لجنة حقوق المواطنة فى البرلمان النائب عبد الكريم حسين زاده، مارس الماضى على أن غالبية الشعب لا يثق بوسائل التواصل الاجتماعي المحلية، عازياً ذلك إلى فرض الرقابة والسيطرة من قبل الجهات الحكومية على هذه البرامج وانتقد حسين زاده قرار حجب تليجرام قائلا إنه "مع تطور التكنولوجيا، فإن حجب برامج التواصل أصبح مستحيلًا". متسائلا "ديسمبر الماضى عندما عمت الاضطرابات والإحتجاجات، حجبنا تليجرام بشكل كامل وخفضنا سرعة الإنترنت فهل تخلى الشعب عن برامج التشفير؟.
الإيرانيون يتحدون السلطات ببرامج تخطى الحجب (التشفير)
ومع مساعى السلطات لحجب تليجرام ورفض الرئيس المعتدل حسن روحانى للرقابة المشددة، وحجب مواقع التواصل الاجتماعى فيس بوك وتويتر، يتحدى الشباب الإيرنى تلك القرارات وتمكن العديد من المواطنين الإيرانيين من الاستمرار في الوصول إلى هذه التطبيقات والمواقع الإلكترونية، باستخدام برنامج تشفير محظور قانونيا للاتصال بالإنترنت، كما أن عدد كبير من المسئولين لديهم حسابا على مواقع التواصل، ويمتلكون المئات من الحسابات الشخصية عبر استخدام برامج التشفير أو كسر الحجب، وما اصطلح عليها داخل إيران بـ "فيلتر شكن"، ويتداولها الشباب باستمرار ويتم تطويرها على يد خبراء الإلكترونيات لمواجهة الرقابة المشددة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة