لأول مرة فى ذكرى رحيله الثالثة.. ننفرد بنشر قصيدة "محطة القطار" للخال الأبنودى.."أبنودى" من نوع خاص يظهر فى القصيدة لتمتزج آثار اليقين الإنسانى بطعنات "خيانة الجسد"..الشاعر يرسم صورة مستسلمة لرحلة إنسان

السبت، 21 أبريل 2018 11:30 ص
لأول مرة فى ذكرى رحيله الثالثة.. ننفرد بنشر قصيدة "محطة القطار" للخال الأبنودى.."أبنودى" من نوع خاص يظهر فى القصيدة لتمتزج آثار اليقين الإنسانى بطعنات "خيانة الجسد"..الشاعر يرسم صورة مستسلمة لرحلة إنسان الابنودى
وائل السمرى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

لهذا الشاعر «نفس» خاص، له، مذاق خاص، تعبير خاص، مفردات خاصة، عالم خاص، كان الأبنودى شاعرا بحق، بل كان «الشاعر» بألف ولام التعريف، تمتع بكل شروط الشعر وكل خصائصه، اكتملت رحلته مع الشعر واكتملت «لغته» واكتملت رؤيته، فأصبحت قصيدة «بصمة إنسانية» فريدة، لا تخطئ فى نسبتها إليه فور سماعها، وأصبحت قصيدته «ماركة مسجلة» يتفرد بها وتتفرد به، لكن هذا «النفس» الذى تعرفه عن الأبنودى فى كل حياته فى ناحية، و«نفسه» فى قصائده الأخيرة التى تخرجها إلينا زوجته الوفية الإعلامية الكبيرة «نهال كمال» فى ناحية أخرى.

 

 
فى القصائد التى نشرها «الأبنودى» فى حياته ترى أثر ذلك القلق الشعرى الفاتن، ترى الثورة، ترى الجرأة، ترى الدهشة، ترى العنفوان، لكن فى تلك القصائد الأخيرة التى كتبها قبل موته بأشهر وربما بأيام، ترى «أبنودى» من نوع خاص، ترى الأبنودى العالم، الأبنودى الحزين، الأبنودى المستكين، الأبنودى الذى يعرف أن العمر لم يعد كافيا، وأن الجسد غرق فى خياناته للشاعر العفى، فامتزجت فى تلك المرحلة آثار اليقين الإنسانى، بطعنات «خيانة الجسد» فكان شعره صافيا، حانيا، صارخا دون صوت، متبصرا دون ضوء، عميقا دون وخز.
 
محطة القطار
 
يرسى عليها الليل والنهار
 
بعد الممل من الغدا
 
ومن العشا ومن الفطار
 
بعد السكوت الكبت
 
بعد الضجيج الصمت
 
تضلم البيوت فى الجوار
 
وينطفى الحوار
 
تفر منه الروح
 
وينكفى الطموح
 
ويتكى الجرس
 
صامت على الجدار.
 
 
هكذا يبدأ الأبنودى قصيدته، مختارا رمز «القطار» الذى فى الغالب يشير إلى نفسه التى قطعت رحلة طويلة فى طريق العمر، وها قد وصل الأبنودى إلى محطته، وبعدما انهارت قواه، ولم يعد قادرا على احتمال الحياة بتفاصيلها العادية، كما لم يعد قادرا على الخضوع لشروط الجسد ومتطلباته، ولم يعد محتملا لهذا الممل الإنسانى المتكرر، فى الامتثال لضرورة الأكل والشرب، وهو ملل لمحناه فى قصيدة أخرى هى قصيدة «العمر» التى نشرناها أيضا فى «اليوم السابع» فى العام الماضى بمناسبة ذكرى رحيله الثانية، والتى يقول فيها:
 
 
 
 
ولما ينقشع الضلام ويهل
 
صباح يعانق ضل
 
ييجوا الصغار
 
ويشدوا فيا للفطار
 
وأنا عارف أن الأكل مر
 
ويضحكوا ويهيصوا
 
وأنا مبعرفش أضحك
 
وأبلع اللقمة.
 
اعتدنا أن نرى الأبنودى رافضا للظلم، رافضا للوهم، رافضا للخنوع، رافضا لشروط السلطات الغاشمة، رافضا للأوضاع المقلوبة، والنفوس الخربة، والمجتمعات المغيبة، اعتدنا عليه وهو يصرخ فى الشمس لتظهر، ويصرخ فى الليل لينتهى، لكنه هنا فى آخر رحلته القطار يعلن هزيمته أمام «لقمة» يراها ولا يرغب فيها، تتضخم تلك الحالة حتى تتحول إلى هاجس مسيطر على وجدانه الشعرى، فتفلت منه حالة التململ هذه فى قصيدة بعد أخرى، ويشفعها برسم أجواء الاستسلام للـ «سكوت الكبت» و«الضجيج الصمت» و«وضح الغروب» و«نوح أتبكى بلا روح»
 
 
ليشبه الناس فى النهاية وكأنهم
«فصوص من الذنوب
متبعترين بواقى جند من هزايم الحروب
وهوايل الهروب
محملين بالذكريات نجتر
نوح أتبكى بلا روح.
 
فى نهاية القصيدة يتركنا الأبنودى بعد أن يرسم تلك الصورة المستسلمة لرحلة إنسان تساوت عنده كل الرغبات، وفرغت منه كل الحكايات، بعد أن فارقته «حدة الصراخ» و«القدرة ع الشهادة» وبعد أن فقدت كل الغرائز معناها ونشوتها، فلا لذة فى طعام، ولا بريق فى «جنس» ثم يعلن مغادرته لما يحب، ومغادرته حتى «للكتابة» والقراءة، ثم تأتى مرحلة «الثبات» فيستخدم تلك الكلمة وكأنها إعلان للموت، فيقول
 
«نغيب فى الانتظار.. تتبعتر الفصول.. نقف» ولا نقصر ولا نطول، تثبت سنينا فى لعبة الأعمار» وكما هو ظاهر فإن الغياب لا يعنى إلا الموت، وثبات العمر لا يعنى أيضا سوى الموت، فعمر الإنسان يظل فى تنامى حتى لحظة موته التى تعلن «الوصول إلى هذا الرقم الذى نذكره دائما فى السير الذاتية للراحل فنقول «توفى عن عمر يناهر الـ...» ثم نضع هذا الرقم الثابت الذى لا يتغير أبدا، غير أن الأبنودى يختم القصيدة بتشبيه محطة القطار بأنها «تشبه غربة فى الديار» وهو تشبيه غريب فالغربة لا تكون إلا بالبعد عن «الديار» وليس «فيها» دون أن يقول لنا هل هذه المحطة هى آخر مكان يصل إليها فى رحلته الإنسانية قبل أن يفارقنا ومن ثم يصبح العالم الذى عاش فيه هو الغربة؟ أم أن تلم المحطة هى أول نقطة وصول بعد مغاردة عالمنا؟
 
محطة للقطار
يرسى عليها الليل والنهار
بعد الملل من الغدا
ومن العشا ومن الفطار.
بعد السكوت الكبت
بعد الضجيج الصمت
تضلم البيوت فى الجوار
وينطفى الحوار
تفر منه الروح
وينكفى الطموح
ويتكى الجرس - صامت - على الجدار!!!
....
محطة للقطار
يدخلها بالصريخ وبالدخان
وبالعفار.
نوصلها فى وضح الغروب
لا نحط إيد ولا ندارى عيوب
غربا ولا إحناش غرب
يزكمنا نفس القرب
والمتن والشروح
والمن والإحسان.
فصوص من الذنوب
متبعترين.. بواقى جند من هزايم الحروب
وهوايل الهروب
محملين بالذكريات نجتر
نُوح اتبكى بلا روح
ونعانى من الاجترار
فى الرمية ع الرصفان وع الأحجار
وكل شيخ فينا شاخ.
تمر أعداءنا.. دواير.. صفوف
قليلين لكن نشوفهم كتار.
يمروا من بين الفخاخ
أقدام لئيمة اتدربت
فى بلاد جمعها الشتات.
أقدام لئيمة
مجربتش الخوف
تفارقنا إحنا حدة الصراخ
القدرة ع الشهادة
نطة السبابة من صوابع الكفوف
يا اللى مشوفتش شوف.
ويتقطع خيط المتاعب
والمتابعات
ولذة الجنس الحرام
 والطعام
 والنجاسة
وفضلات النمايم واحتراف الفضلات
والكدب والصدق
اللى عاريين من الحماسة
فى قلب فتافيت الكلام
والحزن على موت الصغار
والكبار
حسبة تجيب العار
تستعصى على القلم الحروف
فلا فرح
ولا اعتزاز
ولا احتقار
سكارى تقلوا العيار
نفوت كتب
كنا هنقراها فى ذات نهار
من اللسان
تدلدق الأسرار
تتبعتر الفصول.. نقف
نغيب فى الانتظار
تتبعتر الفصول
نقف
ولا نِقْصرْ ولا نطول
تثبت سنينا
فى لعبة الأعمار..!!
....
نحطة
تشبه غربة فى الديار
يرسى عليها الليل والنهار
بعد الملل من الغدا
ومن العشا ومن الفطار
محطة للقطار.
 
 









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة