فى "تعز" المحاصرة..الحياة والموت وجهان لعملة واحدة..«الثورة» مستشفى يمنى مرفوع من الخدمة..الصرح الطبى تحت القصف العشوائى..القتل والخطف مصير الطواقم الطبية
16 طفلا يكشفون معاناتهم..ويؤكدون أنهم ضحايا الحرب والموت مصيرهم المحتوم..أطفال تحت القصف..ميادة: لما بنسمع صوت القذيفة بنجرى نستخبى ونفسى أعيش فى أمان.. الطفلة «آلاء» اخترقت الشظايا جسدها وهى تلعب بمنزلها
يواجه الإعلاميون أسوأ موجة انتهاكات منذ حصار تعز ..48 إعلاميا وصحفيا ضحايا بتعز.. ا
لإعلاميون تعرضوا لـ 20 نوعا من الانتهاكات(بحسب إحصائيات منظمة الوطنية للإعلاميين اليمنيين ..ناقلوا الخبر أصبحوا هم الخبر
الحصاد المر فى تعز ..
2.935 جريمة قتل منها 771 طفلا خلال 3 سنوات..و 135 «سيدة حامل» أجهضت نتيجة القصف(طبقا لإحصائيات المركز الإنسانى للحقوق والتنمية بتعز)
الإصابات بلغت رقما قياسيا..«17.929» مصابا بينهم 3.799 طفلا و2.022 نساء
محافظ تعز: الأوضاع كارثية.. 20 قتيلا وجريحا يوميا
هنا «تعز» المحاصرة..على خطوط المواجهات توقفنا، قادمين من عدن ولحج إلى المحافظة التى تئن تحت حصار الحوثى منذ 2015..المدينة التى عرفت بأنها العاصمة الثقافية لليمن، لاتزال تقاوم، ولا منفذ لها سوى الجهة الجنوبية.
الأزمة فى تعز تختلف عن غيرها من المحافظات، فالحوثى يطوق المدينة من قمم السلاسل الجبلية المحيطة بها، فتعز محاطة بجبال كثيرة و يصعب تأمينها أو التحكم فيها، وربما طبيعتها الجغرافية هى، بحسب من التقيناهم، سبب إطالة أمد الحرب بها. الحصار والقنص والألغام والقذف العشوائى يخيم على المدينة، فالبنية التحتية مدمرة، والقطاع الصحى قضى عليه بنسبة 80 %، وقوامه 4 مستشفيات فقط وكادر طبى غالبيته نزح، والباقون يعملون تحت وابل من الرصاص، كما أنهم عرضة للخطف فى أى لحظة.
لم يكن الطريق إلى المدينة المحاصرة مثل غيرها من المحافظات، فالمسافة من عدن إلى تعز تتجاوز الـ300 كيلو متر، لا يمكنك قطعها فى أقل من 6 ساعات لوعورة الجبال.
انتهاكات
منذ حصار تعز فى مارس 2015 وحتى 2018، وقعت 2.935 جريمة قتل منها 771 طفلا و490 من النساء، و1.674 رجال مدنيين، أما الإصابات فبلغت ـ طبقا لإحصائيات المركز الإنسانى للحقوق والتنمية بتعز المرخص له من وزارة الشؤون الاجتماعية ـ رقما قياسيا مقارنة بغيرها من المحافظات «17.929» مصابا، بينهم 3.799 طفلا و2.022 نساء، و12.108 رجال مدنيين.
شرح لنا الدكتور حمود الذئب، رئيس المركز الإنسانى للحقوق والتنمية بتعز، أن هناك 225 مجزرة، جميعها ارتكبت فى أحياء سكنية مكتظة بالسكان وأشهرها بئر الباشا فى 3 أكتوبر 2016، مضيفا أنه كانت هناك حالات وفيات بلغت 168 حالة فى الفترة من 2015 إلى 2018 بسبب مرض الفشل الكلوى ونقص الخدمات العلاجية، أما ضحايا الألغام فهم 292 قتيلا و317 مصابا خلال نفس الفترة.
أحد أطفال تعز يصف حادث قصف ابن عمه أمام عينيه
وأضاف الدكتور حمود، أن تعز أصبحت مسرحا لأنواع عدة من الانتهاكات الحوثية بين تعذيب «26 حالة»، واختفاء قسرى للمدنيين «542 حالة»، مشيرا إلى أنه كان هناك 43 سجنا خاصا للمدنيين، إلى جانب استهداف 48 صحفيا وإعلاميا، وإجهاض 135 «سيدة حامل» نتيجة القصف، كما بلغت حالات الإعاقات والبتر 469 حالة.
بتابع الدكتور حمود، أنه تم قصف 2476منزلا ومبنى من إجمالى 3.891منشأة عامة وخاصة، ونتيجة هذا الوضع الإنسانى المتأزم تم تهجير 7.795 أسرة وهو أعلى معدل للنازحين باليمن، فضلا عن تضرر 604 منشآت صحية.
الاطفال ضحايا الحرب
الأطفال فى تعز خاصة، واليمن عامة، كان لهم النصيب الأكبر من مآسى الحرب، وقصة الطفلة آلاء التى مازالت تخطو عامها الثانى تقشعر لها الأبدان، فهى واحدة من أصغر ضحايا القصف العشوائى والإمكانيات الضعيفة فى المستشفيات التى أصبحت مبانى خاوية.. تبدأ القصة التى يرويها لنا وسام عبدالفتاح، والد الطفلة، وهو يعمل بوظيفة بسيطة فى محل إلكترونيات، إنه فى يوم 1 - 11 - 2017 كانت آلاء تلعب فى المنزل، حدث قصف بقذيفة هاون للمنزل المجاور واخترقت الشظايا النوافذ، وأصيبت آلاء بشظايا فى ساقيها. وتابع: على الفور أسرعت بها إلى مستشفى الثورة حيث أجريت لها عملية جراحية، ثم فاجأنا الطبيب بأن آلاء بحاجة إلى بتر قدمها اليسرى، عرضناها على مستشفى آخر، وهناك أبلغنا الطبيب أنها تحتاج لإجراء عملية زراعة شريان وتكلفتها مليون ومائتا ألف ريال.
ويواصل الأب: «نحن لا نمتلك أى شىء وحتى المستشفى روحنا لها بمساعدة أصدقائنا، تركوا أسلحتهم كرهن فى المستشفى لإكمال إجراءات العملية، وبالفعل أدخلت الطفلة غرفة العمليات، وفاجأنا الطبيب بقوله إنه لم يتم إجراء أى عملية للطفلة فى السابق، وإنه تم ربط الأوردة دون الرجوع لنا، فحاول الطبيب إنقاذها، ولكن فشل فقرر بتر الساق".
انتقل الأب للحديث عن معاناة العيش تحت وطأة القصف، مشيرا إلى أنه لم يكن هناك ماء ولا كهرباء ولا وسائل العيش، وكانت ولاتزال مدينة تعز تعانى الحصار المطبق، لا يمكننا الخروج من المنزل بسبب القصف المستمر الذى لا يفرق بين شيخ وصغير، وحتى المساعدات الإنسانية للمدينة، كان الحوثى يمنع دخولها للمدينة.
واستكمل قائلا: بعد حادث بنتى أغلق كل شىء بوجهى وبنتى الوحيدة بين أيدى ولا أستطيع أعمل لها شىء، ولا يوجد معى ما يساعدنى علشان أسافر بها وأعالجها.. أصعب شىء تقف عاجز قدام ضناك.
أحد شهداء تعز..أسامة سلام
الحرب على المستشفيات
مررنا من شارع جمال عبدالناصر بوسط المدينة فى طريقنا لمستشفى الثورة الكائنة بمنطقة العصيفرة، وعبرنا من أمام الخطوط الترابية مع الحوثيين، وهى تعد من المستشفيات الرئيسية لاستقبال الجرحى، وحسبما أوضحت لنا هنا بكر السويفى ـ إحدى الموظفات ـ أن المستشفى يتعرض للقصف المفاجئ، و جزء كبير منه مهدم.. تغالبها الدموع وهى تقول «إحنا نحزن على الشباب اللى يجينا كل يوم من الجبهات وينتهى الأمر لإعاقة أو وفاة.. نفسنا حد ينقذ الشباب دول ».
وأضاف أحد المشرفين بالمستشفى، رفض ذكر اسمه، أن الأطباء يتعرضون للاختطاف مثل الطبيب أنور الشرعبى فى فبراير الماضى، الذى تم الاعتداء عليه بالضرب، وأُغلق المستشفى فترة، مشيرا إلى أن المبنى يتعرض للقصف وتهدمت الطوابق العليا منه، ولم يعد به إلا الأرضى وطابق واحد، حتى اللى بيحاول ينقذ الجرحى بيتقتل.
معاناة المرضى.. و"المحمودى": مازلت أحلم بالدكتوراه
داخل مستشفى الثورة تجد غرفا متكدسة بالأسرة، وإمكانيات متواضعة، سخونة الجو بدون وسائل تهوية أو تبريد، تضاعف من آلام الجرحى الذين ينتظرون أيادى الأطباء لتخفيف معاناتهم، لكنهم بالكاد تجدهم، فأعداد الكادر الطبى أيضا محدودة للغاية أمام أعداد كبيرة من الجرحى يوميا.
التقينا هناك مع عدد من المصابين منهم محمد عبدالله المحمودى، الذى لم يكمل بعد عامه الـ18 وفقد ساقيه بفعل قذيفة، بادرنا بجملة: «لا يمكن أن ينهى البتر حلم إنسان» ، ويروى المحمودى قصته قائلا: «نحن أسرة بسيطة كنت أعمل مع أبى ضمن العمالة المؤقتة فى أحد المصانع وكنت أطمح فى استكمال تعليمى والحصول على الدكتوراه».
استطرد قائلاً: أصبت فى منطقة تعبات بقذيفة فى ساقى، و ظللت بدون علاج لأننا كنا محاصرين، فحدثت لى غرغرينا قضت على الجزء المتبقى من ساقى». ويواصل: لن تكون الإصابة نهاية أحلامى، بل أنا أسعى وقدمت أوراقى فى أكثر من جهة للحصول على منحة تعليمية .. نحن نعيش فى حصار، وكل شبر ملغم.. معرضين للقصف العشوائى، نظل أياما لا نرى فيها الطرقات ».
محافظ تعز: الأوضاع كارثية
رصدنا الأوضاع فى تعز، و أردنا توثيقها أيضًا على لسان المسؤول التنفيذى بها، المحافظ الدكتور محمد أمين محافظ "تعز" الذى أكد لنا ، أن الأوضاع الأمنية فى غاية الصعوبة، والمنفذ الوحيد المفتوح بيننا وبين عدن شديد الخطورة والوعورة، وتعز تقصف على مدار الساعة، ويسقط ما بين 20قتيلا وجريحا يوميا، هنا أيضًا يتعرض الصحفيون للقتل بدم بارد، ونعانى أزمات فى وسائل المواصلات بسبب نقص البترول، و الغاز وأيضا الكهرباء منقطعة منذ 3 سنوات، أما القطاع الصحى فتم تدمير 80% منه ، والكادر الطبى نزح بسبب الحرب بنسبة 90%، والمستشفيات تقصف عشوائيا، ويموت كثير من المدنيين لعدم وجود إمكانيات لإسعافهم، وعدم توفر الأدوية.
المرأة اليمنية تقاسى الكثير فى زمن الحوثى
مازلنا فى تعز المحاصرة..آثار التدمير بكل مكان..انطلقنا إلى مقابر الشهداء ثم كلية آداب تعز والمتحف الأثرى اللذين تعرضا للقصف أيضا.
قطعنا المسافة بأقصى سرعة خوفا للقصف، وعلى مختلف الطرق التى مررنا بها، يستمر مشهد الحواجز الحديدية والسواتر الترابية التى تفصل مناطق الحوثيين عن غيرها، وعلمنا من مرافقينا أن أكثر مناطق التماس سخونة مع الحوثى هى التشريفات ولوزان وقصر الشعب والشقب فى جبل صبرا وأزعر وحيد بازرعة والقريفات وتبة السلال .
رأفت مبارك يروى كيف أصيب فى منزله
فى تعز المرأة ..بطلة
فى تعز يظهر دور المرأة اليمنية جليا، بعدة أشكال، فهى ممرضة تداوى الجرحى فى المستشفيات تحت القصف العشوائى، وهى من أسست رابطة أم الشهداء التى تضم مئات الأمهات فى تعز للمطالبة بحقوق دم الشهيد.
هنا يتداولون عشرات من القصص عن بطولات نساء «تعز» على وجه الخصوص.. فهذه داليا محمد عبدالله التى التقيناها ولأول وهلة بدا الحزن على ملامح وجهها، مفصحة عما مرت به قبل أن ينطق لسانها.. قالت لنا: «أنا كان مفروض أبقى دكتورة.. تخرجت فى كلية الطب قبل انطلاق الحرب بشهر».
تستكمل بكلمات ثقيلة تخرج بالكاد من فم مطبق لا تلاحظ حركاته من الألم الممزوج بالحسرة: «بدأت أحداث 2015، فخرجنا فى مظاهرات سلمية، ثم تحولت الاعتصامات إلى اشتباكات عنيفة، وكنت موجودة ضمن طواقم المسعفين ».
وتتابع «داليا»: فى 25/3/2015 سقط أول شهيد مدنى، وكان صاحب عربية يبيع فيها عصير توت، واصلت عملى بإسعاف المصابين، وأثناء قيامى بذلك تمت ملاحقتى أنا وأحد الأطقم إلى أحد الأزقة، لأخذ أحد الجرحى منى وهناك تعرضت لطلقة بالعين اليسرى وفقدت الرؤية بها.
واستمرت فى رواية مأساتها: ثم لاحقوا عائلتى و خلال شهر فقدت ٣ من أسرتى، و تم قنص بنت عمى أمام أطفالها الثلاثة، وهجرنا بيوتنا التى قصفت. وتختتم «داليا» حديثها: «نحن نعيش مرارة النزوح القسرى والضرب العشوائى والملاحقات ومالناش غير ربنا».
معاناة الحياة فى تعز
عن الحياة الشاقة تحت نيران القصف التى تختلف درجة صعوبتها من مناطق التماس إلى المناطق البعيدة نسبيا عن الاشتباك، تصف لنا منصورة محمد، وهى من سكان الشقب، كيف أن الأهالى حفروا خنادق من التراب «عشان نمشى فيها هربا من القصف، وبننتظر الليل عشان نقضى حوائجنا متخفيين من القناصة على الجبال».
الحياة فى خنادق
يلخص لنا الوضع المعيشى والإنسانى المتأزم فى مناطق التماس، بدر محمود من سكان تعز، فيقول إن هناك أسرا فقيرة عالقة بمناطق التماس، لا تستطيع حتى الخروج من المنازل ولا تمتلك المال حتى لدفع أجرة سيارة تنقلهم لمكان آخر، هم يعيشون ماسأة حقيقية، وأعرف أسرا هناك حتى المساعدات لا يمكنهم الوصول لها، الحوثيون إما يمنعونها أو ينهبونها، ويضيف: تخبرنا الأسر هناك أنهم لا يستطيعون الخروج من منازلهم ».
الرصاص فى المنازل
«الحياة تحت القصف مريرة..أنت تتوقع فى أى لحظة ليس فقط صاروخا يتعقبك أو قذيفة تسقط عليك، لكن قد تكون فى منزلك ويتم قنصك».. بهذه الكلمات تحدث إلينا عم رأفت مبارك الذى أصيب بطلقات فى البطن والصدر، بداخل منزله.. التقيناه وهو يتلقى العلاج بأحد المستشفيات، وقال لنا بصوت متعب خافت: «فى يوم اتعشيت مع ولادى وكنا قافلين الشبابيك..بعد ما أكلنا لقينا القزاز بتاع الشباك اللى فى نص الصالة اتكسر وجاتنى رصاصة فى البطن».
شواهد القبور
فى منطقة العصيفرة ، مكان تحيطه الأحزان من كل جانب..هو فى المواجهة لعدد من المنازل الشعبية على الجبل..إنها مقابر "الشهداء"..تستطيع من هناك رؤية الجبال التى يتخذها الحوثيون منصات للقنص، يضم المكان عشرات الشهداء، جزء كبير منها خصص لشهداء الإعلاميين والعاملين فى المجال الإغاثى، فمنذ بدء الحرب، تعرض الإعلاميون لأسوا موجة من الانتهاكات بين قتل وإصابة وتعذيب، كان ضحيتها 48 صحفيا، عن الفترة من 2015 حتى 2018، بينما بلغت الانتهاكات ضد الإعلاميين عن نفس الفترة فى اليمن بشكل عام( 2101 )حالة طبقا لإحصائيات المنظمة الوطنية للإعلاميين اليمنيين، ومركز حقوق الإنسان والتنمية فى تعز.
أطفال اليمن لهم معاناة من نوع خاص
منذ أن دخلنا المكان، تلقينا تنبيهات بسرعة إنجاز مهمتنا لأن الحوثيين يقصفون تلك المقابر أيضا، حتى إن الأهالى لا يتمكنون من زيارة ذويهم، بخلاف ملاحقتهم بالأسلحة.
يحدثنا نجيب قحطانى، المسئول الإعلامى بمحافظة تعز، عن أن المقابر تضم حوالى 3 آلاف شهيد، وبها العدد الأكبر من الإعلاميين، وقد سقط (طبقا لبيانات المحافظة) 5 آلاف شهيد و21 ألف جريح، منذ بدء الحرب فى مارس 2015 حتى 2018.
آمنة: قتلوا أبناءنا
بداخل المقابر وجدنا آمنة يحيى، والدة الشهيد محمد، الذى استشهد فى معركة الشقب وعمره لم يتجاوز الـ17 عاما، غالبت الخوف وأتت لزيارة قبر ولدها، وجدناها تبكى وما إن بدأت الحديث حتى تعالت صرخاتها ناظرة للسماء تحتسب ابنها وغيره من أبناء تعز شهداء عند ربهم وتقول بلهجتها البدوية الأصيلة: «الحرب قتلت أبناءنا وخربت بيوتنا ولم يتبق لنا شئ..جارتى قتلوها قدام عينى..حسبى الله ونعم الوكيل».
أم الشهداء الثلاثة: زغردت يوم وداعهم
ومن بين أسماء شواهد القبور وجدنا بعضهم من طلاب جامعة تعز، لفت نظرنا أسماء ثلاثة إخوة هم جواد وعماد ورشاد على حسن، التقينا والدتهم الحاجة فاطمة محمد التى حولت منزلها كتابا لتحفيظ القرآن رغم بساطة ظروفها المادية، بملامح هادئة، وبكلمات يغلفها الرضا بقضاء الله قالت: «كان لى ثلاثة أبناء فى عمر الزهور، حلمت بهم عرسانا وآباء لأحفادى، لكن منذ أن بدأت الحرب تبددت أحلامنا»، وتتابع: «بسبب الحرب ولادى تركوا دراستهم وأحلامهم وانضموا للمقاومة وأودعت الثلاثة شهداء عند ربهم هم عماد وجواد وآخرهم رشاد الذى انفجر فيه لغم فى نوفمبر2016 ".
وتستكمل باكية: «أنا زغردت يوم ما ودعتهم للمقابر لأنهم شهداء ».
الشهيدة ريهام بدر
على لوحة رخامية تجد اسم «ريهام بدر» ضمن عشرات الأسماء التى وجدناها فى المقابر.. استوقفنا ما توارد من قصص حين تردد اسمها.. قالت لنا صديقتها إشراق المقطرى وهى شاهدة عيان على حادث مقتلها وتعمل بالمجال الإغاثى أيضا: «استشهدت ريهام فى الثامن من فبراير الماضى بقذيفة من الجبهة الشرقية، وتميزت بنشاطها الإنسانى ورصد وتوثيق الانتهاكات ".
وتستكمل إشراق حديثها: "ريهام واجهت أهوال الحرب، كانت عضو اللجنة الفرعية للإغاثة وشبكة الراصدين المحليين للانتهاكات، قتلها قناصة الحوثى وهى تقود قافلة مساعدات إلى المناطق القريبة للجبهة الشرقية فى صالة، فيما يمثل دليلا آخر على انتهاك الحوثى لمبادئ الإنسانية وكسره القوانين الدولية التى تجرم الاعتداء على المدنيين».
آمنة ..إحدى أمهات الشهداء من داخل مقابر تعز تدعو الله ينتقم من الحوثى لدم ولدها
الحرب تبدد أحلام شباب تعز
يستكمل جهاد قصته، وهو ينظر بمرارة إلى الأجزاء المصابة من جسده: "لى أيضا أصدقاء فرقنا الموت، كثيرون ماتوا بين يدى".
انتهاكات ضد إعلاميون
كان للإعلاميين نصيب ليس بقليل من ويلات الحرب، وفى مقابر الشهداء وجدنا أسماء عدد من المصورين والصحفيين الذين استهدفهم القناصة أثناء تأدية مهامهم فى نقل وقائع الحرب، جعلنا هذا نتطرق لملف الانتهاكات بحق الإعلاميين والتى تتضمن عدة أشكال، يتحدث عنها الدكتور معمر الأريانى وزير الإعلام، فيقول: يواجه الإعلاميون والمصورون أسوأ موجة اضطهاد من قبل الحوثى منذ 2015، وقد وثقت المنظمة الوطنية للإعلاميين اليمنيين 20 نوعا من الانتهاكات عن الفترة من 2015 حتى مارس 2018، تنوعت بين 22 حالة قتل و30 حالة شروع فى قتل، و141 حالة اختطاف، و33 إصابة، أما التعذيب والاعتداء الجسدى فبلغ 109 حالات، بالإضافة لـ90 حالة ملاحقة، وتعرض 544 صحفيا للتشريد، جراء تدمير 54 مؤسسة صحفية وإعلامية، وأيضا بلغت حالات التهديد 47، و8 حالات تم الضغط عليهم باختطاف أقارب لهم، مضيفا أن الحوثيين يرفضون أى وساطة أو تفاوض للإفراج عن الصحفيين، وأشار الأريانى إلى الصحفى يوسف عجلان الذى احتجز عام نصف بسجون الحوثى ثم خرج مصابا بأمراض فى الظهر ومشكلات بالذاكرة.
الشهيد تقى الدين الحذيفى
وائل العبسى ضمن قائمة شهداء الإعلاميين، استشهد وهو فى عمر الـ27 عاما، وكان يعمل مصورا لقناة اليمن بتعز، يحكى لنا صديقه بدر الدين محمد أنه كان يحب فتاة وكان موعد عرسه قريبا، ولكنه قتل أثناء تصوير مواجهات بالجبهة الشرقية.
ومن بين ضحايا الإعلاميين أيضاً تقى الدين الحذيفى، يقول لنا زميله محمد الحدادى إن الشهيد كان فى الصف الثانى إدارة أعمال بجامعة تعز، وكان يقول "سأكون مهاتير اليمن وسأرفع شأن وطنى ".
يضيف "الحدادى" أن الشهيد كان يغطى الأحداث لعدد من القنوات الإخبارية، وذات يوم خرج مع مصور قناة اليمن والمصور وليد القدسى لتغطية إحدى المعارك ، وقتلوا جميعا بقذيفة من الحوثى، عدا وليد القدسى الذى بترت قدمه.
رابطة أولياء الدم
استمرارا لدور المرأة اليمنية فى فترة الحرب، قامت الدكتورة خديجة عبدالملك بتشكيل رابطة أمهات الشهداء أو أولياء الدم كما يطلقون عليها، وتضم أكثر من 80% من أمهات الشهداء، وعن أهداف الرابطة تقول خديجة: "عاوزين مستحقات ولادنا الضحايا، فأنا أم لشهيد عمره 19 عاما كان طالبا فى الصف الثالث السنوى وطلعت النتيجة بعد استشهاده.»
وتواصل: "أبرز مطالبنا تخصيص رواتب لأسر الشهداء، وأيضا نطالب بترقيم الضحايا المدنيين، فهناك ضحايا غير موثقين".
البنك المركزى فرع تعز أغلق بعد ان هجم عليه الحوثيين
أطفال تعز تحت القصف
للأطفال فى تعز أيضا نصيب من قصص البطولة، فهم يعيشون ويلعبون ويسيرون يوميا إلى مدارسهم تحت نيران القصف..فأكد لنا أكثر من 16 طفلا التقيناهم فى :تعز" أنهم يدركون أنهم ضحايا الحرب والموت مصيرهم المحتوم ، فهم محاصرون بالقصف والقنص والألغام أيضا.قالت ميادة عود، بالصف الثالث الإعدادى: «أحيانا يقصفوا المدارس وبنروح المدرسة وإحنا خايفين، الحوثة يرموا القذيفة أى وقت، أنا شفت أصحاب ليا بيموتوا وساعات نسمع صوت القصف نجرى نستخبى فى أى حتة. نفسى نعيش فى أمان ».
ريهام كانت توثق جرائم الحوثيين فى تعز
أما ربيعة محجوب، بالصف الأول الإعدادى، فتقول: «نسمع القصف طول الوقت ونشوف ناس بتموت، ويوم نروح المدرسة ويوم لا، الله يحرقهم حسبى الله ونعم الوكيل»، فيما يحكى صبرى عادل: «يوم الجمعة اللى فاتت كنت ألعب مع ابن عمى وأخويا وانضربنا بقذيفة وأخويا مات، ودلوقت خايف على ابن عمى يموت هو كمان».
وتتحدث صالحة طفى، بالصف الرابع الابتدائى، قائلة: «من قريب كنت بلعب مع أصحابى فى حوش المدرسة والقذيفة موتتهم، وأنا رحت المستشفى وخفيت، بس بطلت ألعب فى الحوش".
كذلك يقول محمد «10 سنوات»: كنت رايح أشترى حلاوة، وبعدها سمعت ضرب ولقيت رجلى بتنزل دم وما حسيتش بحاجة بعد كده، ولقيت نفسى فى المستشفى وأبويا معى وسألته ليه رجلى متعورة فقالى قذيفة عورتك. أنا حاسس بخوف».
ريهام بدر..شهيدة العمل الإنسانى
أمهات تودع أبناءها الشهداء
ستظل المراة اليمنية بطلة فى زمن الحرب الحوثية
مديرية الشرطة ..أحد المؤسسات التى خربها الحوثى
مقابر شهداء تعز
الإعلامى الشهيد وائل العبسى
من داخل مقابر الشهداء فى تعز
الشهيد الرسام مشتاق العمارى
أم شهيد تشكل رابطة أولياء الدم
كلية آداب تعز والمتحف منطقة عسكرية للحوثيين
أحد مسئولى المقاومة الشعبية فى تعز يصف لحظة اغتيال الحوثى لمتحف تعز الآثرى
الحوثى لم يترك إلا الدمار فى تعز
كلية آداب تعز
فى تعز المنازل تجاور المقابر
اطفال تعز يحكون مآسيهم تحت القصف الحوثى
طفلة توصف حياتها اليومية مع أصوات مدافع الحوثى
مع زهور تعز التى أذبلها قصف الحوثيين
طفل يروى كيف أصيب فى بطنه بشظايا طلق نارى من الحوثيين
هذا التحقيق جزء من سلسلة تحقيقات ترصد انتهاكات حقوق الإنسان فى اليمن بعنوان 30 يوما فى أرض الخوف "اليمن"