رأيت فيما يرى النائم السيد رئيس الجمهورية يقف أمام عدد من المسئولين، فى مقدمتهم وزراء التربية والتعليم والتعليم العالى (الخطاب التعليمى)، والثقافة (الخطاب الثقافى والفنى) والشباب والرياضة (النشاط الرياضى)، والمسئولين عن الهيئة الوطنية للإعلام (الخطاب الإعلامى)، وممثل عن الأزهر الشريف وممثل عن الكنائس المصرية (الخطاب الدينى)، ورئيس مجلس النواب، ووزيرة التخطيط.
بسم الله الرحمن الرحيم
السيدات والسادة، إن الفكرة الكبرى التى حكمت العقل السياسى للدولة المصرية خلال السنوات الماضية كانت "تثبيت أركان الدولة" ضد ثلاثية "الإرهاب والمؤامرة والفوضى"، كما عبرت عنها تكرارا بقولى: "معركة البقاء والبناء."
لكن هذه المعركة بهدفيها "البقاء والبناء" تقتضى أن نضمن "بقاء وبناء" الإنسان المصرى لأنه هو الضامن لبقاء وبناء الدولة، ولأن الدولة التى لا تنتهى إلى الارتقاء بمواطنيها تفقد وظيفتها الأخلاقية والحضارية.
لقد قررت أن تكون سنواتى الأربعة القادمة فى الحكم هى سنوات إعادة صياغة نسق قيم الإنسان المصرى: معرفيا، وسلوكيا، واجتماعيا، واقتصاديا، وسياسيا.
إن الدراسات العلمية تؤكد أن هناك قيما إن استوعبت الإنسان وأصبحت منهج عمله ونور بصيرته جعلت منه قادرا على عمارة الأرض واستغلال طاقاته مهما ضنت عليهم الطبيعة بالموارد.
السيدات والسادة.. إن الميزانية الرسمية للدولة فضلا عن مليارات الجنيهات التى تنفق سنويا من كل أسرة تؤكد أننا نضخ أموالا ضخمة لإنتاج محتوى تعليمى وإعلامى ودينى وثقافى ضخم. ولكنه مع الأسف يختلط عليه الصواب والخطأ، القوة والضعف، النبيل والخسيس، العميق والضحل، المنطقى والخرافى. ولا غرابة أن يؤدى هذا المحتوى بما يشكله فى مجموعه من ضمير ووجدان وطريقة تفكير الأجيال المتعاقبة من المصريين؛ فتكون النتيجة النهائية غير مرضية. غير مرضية لأن الإعلام والفن والثقافة سيطر عليها منطق "التجارة والإعلان" وليس منطق "الضمير والوجدان"، ولأن التعليم أصبح جمعا للدرجات وتحصيلا للشهادات قبل أن يكون زرعا للقيم وبناء للمهارات.. وهكذا.
دعونى أسأل: ألم يحن الوقت كى تنفق هذه الأموال وتعبأ هذه الموارد من أجل بناء الشخصية الوطنية المصرية وفقا للقيم التى تعيش بها وعليها الأمم الأكثر تقدما وتحضرا، بل وفقا للقيم التى عاشت عليها مصر زمن نهضتها وعزتها؟
دعونى أجيب: بلى، لقد حان الوقت ألا نترك مسألة "الشخصية الوطنية المصرية" بلا رؤية حضارية وطنية تقوم على الدراسة والرؤية والتخطيط.
دعونى أسأل مرة أخرى: ما هى خصائص الانسان المصرى الذى نريده بعد ١٠ سنوات من الآن؟
إن العقل المصرى كان يعرف جيدا خصائص مشروعات الطرق والكبارى والأنفاق والمدن الجديدة قبل أن نبدأ فى تحريك أول ذرة رمل فيها: طولا واتساعا وعمقا وارتفاعا. وأكرر نفس المعنى عن كل مشروع عظيم بنته هذه الأمة.
إذن العقل المصرى الذى وضع الرؤية ونفذها بطريقة هندسية منضبطة فى المشروعات القومية الكبرى مطالب بأن يعمل تفكيره فى هندسة الشخصية المصرية.
إن الدراسات العالمية المتخصصة أثبتت أن هناك 15 قيمة ينبغى أن تسود فى مجتمع ما كى يتقدم ويزدهر، كى يحسن فهم واقعه ويحسن التخطيط لمستقبله.
إن هذه القيم يتم تقسيمها إلى خسمة أنواع، على نحو ما هو موجود فى هذا العرض المبسط.
إن كل مؤسسة من مؤسسات الدولة القائمة على صياغة العقل والقيم والوجدان، مطالبة بأن تضع هذه الرؤية منهجا لها. وبناء عليه فقد قررت ما يلى:
أولا: أن تتبنى وزارة التخطيط مشروع قانون بتشكيل مجلس أعلى لبناء الشخصية المصرية برئاسة رئيس الجمهورية، وأن يصدر به قانون من مجلس النواب باعتباره مجلسا مكملا للمجالس القومية والوطنية الأخرى التى تحارب الإرهاب والتطرف، باعتباره مجلسا آخر لمحاربة الاسفاف والتخلف.
ثانيا: يتكون هذا المجلس من الوزراء والمسئولين والمتخصصين المعنيين ببناء الشخصية المصرية.
ثالثا: تكليف عدد من مراكز الدراسات فى جامعات مصر للاستفادة من تجربة الدول التى سبقتنا فى مشروعات بناء الشخصية الوطنية مثل: اليابان، كوريا الجنوبية، الصين، ماليزيا، إندونيسيا.
رابعا: الالتزام الصارم من قبل من يخاطبون ويشكلون الشخصية المصرية بهذه القيم سواء كان الأمر يتعلق بمن يخاطبون الناس عبر المنابر أو الصحف أو الإعلام أو المدارس أو الجامعات أو المؤتمرات العامة. وتوقع العقوبات المالية وصولا للوقف عن ممارسة النشاط المخرب للعقل المصرى.
أقول هذا وأملى أن يعى الجميع أن بناء الإنسان أهم من بناء البنيان، وأن الاستثمار فى البشر أهم من الاستثمار فى الحجر.
أقول هذا وأعلم أن البعض قد يظنه خيالا أو دربا من المعجزات، ولكن المصريين أثبتوا أنهم قادرون على تحدى التحدى، حتى لو كان هذا التحدى هو أن يغيروا أنفسهم بأنفسهم.
أقول هذا وأنا على يقين أنه لن تكون هناك مصر جديدة، إلا بإنسان مصرى جديد.
تحيا مصر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة