كان كبير مصورى مكتب وكالة فرانس برس فى كابول شاه مراى الذى قتل خلال تغطيته تفجيرا انتحاريا، اليوم الاثنين، شخصية ذات كاريزما وصحفيا شجاعا كرس عمله لإعداد تقارير حول النزاع الدموى فى أفغانستان.
ومراى، الذى عمل طوال 22 عاما لحساب وكالة فرانس برس، متزوج مرتين وله ستة أولاد بينهم طفلة ولدت فى أبريل الحالى. وقد فرح مراى كثيرا لولادتها واحتفل مكتب كابول بالمناسبة قبل نحو عشرة أيام.
وقتل مراى مع خمسة زملاء إعلاميين على الأقل عندما فجر انتحارى نفسه وسط حشد من الصحفيين الذين وصلوا لتغطية تفجير وقع قبل دقائق.
مصور وكالة الأنباء الفرنسية
وتظهر رسالة وجهها قبل لحظات من الإعتداء الثانى مدى استعداد مراى لتأدية أدوار مختلفة وتعاونه مع رفاقه، حيث عمل على طمأنة زميل له فى قسم الفيديو كان عالقا فى زحمة السير وتعذر عليه الوصول إلى الموقع، وكتب مراى فى رسالة عبر تطبيق واتساب "لا تقلق، أنا هنا"، مضيفا أنه يتولى تصوير الفيديو إلى جانب التقاط الصور.
وتعتبر صوره القوية شاهدا على العنف الذى لا يمكن تخيله والذى عايشه على مر السنوات، وعلى لحظات نادرة من الجمال والبهجة فى بلاد تمزقها الحرب منذ عقود.
وتعرض مراى للضرب والتهديد من قبل طالبان وخسر اشخاصا مقربين من بينهم رفيقه سردار أحمد مراسل فرانس برس الذى قتل مع زوجته واثنين من أطفاله فى اعتداء لطالبان فى 2014، ولطالما تحدث مراى عن ليال من الأرق نتيجة ما رآه وعن مخاوفه من انزلاق كابول أكثر فأكثر نحو العنف.
رغم من ذلك عرف عنه روحه المرحة التى لم يتخل عنها، وحبه لأولاده الذين غالبا ما كان يصطحبهم معه إلى المكتب للقاء الزملاء، وجهوده الحثيثة لتخفيف التوتر المرتبط بالعمل عبر ممارسة كرة الطاولة أو الكرة الطائرة.
وأعلنت مديرة الأخبار فى وكالة فرانس برس ميشيل ليريدون "أنها ضربة ساحقة لفريقنا الشجاع فى مكتب كابول وللوكالة كلها. شاه مراى كان زميلا عزيزا أمضى اكثر من 15 عاما يوثق النزاع المأساوى فى أفغانستان لوكالة فرانس برس".
شاه مراى مصور وكالة الأنباء الفرنسية برفقة نجله
وتابعت ليريدون إن إدارة فرانس برس "تحيى شجاعة هذا المصور الصحافى وحسه المهنى وسخاءه، وقد غطى أحداثا كانت غالبا صادمة ومروعة باحترافية عالية" ،وتواردت رسائل تضامن وتعاز عديدة على وسائل التواصل الاجتماعى من قبل مراسلين زملاء عملوا معه لسنوات.
وكتب مراسل صحيفة نيويورك تايمز مجيب مشعل "صديقنا، المصور البارع شاه مراى بين قتلى التفجير الثانى الذى هز فى كابول صباحا. كان يؤدى عمله كعادته على مدى أكثر من عقدين".
وكان شاه ماراى بدأ عمله سائقا فى وكالة فرانس برس فى 1996، العام الذى سيطرت فيه طالبان على البلاد، وفى غضون عامين بدأ يلتقط الصور إلى جانب عمله قبل ان يتفرغ فى 2002 للتصوير الصحفى.
وبحلول العام 2000 كان مراى مراسل فرانس برس الوحيد فى كابول وكان يرسل مواده عبر هاتف فضائى يعمل بواسطة الأقمار الاصطناعية الى مكتب الوكالة فى إسلام أباد، ويلتقط الصور بحذر فى المدينة التى دمرتها الحرب.
وكتب مراى فى 2016 على مدونة الوكالة مقالا بعنوان "عندما يضيع الأمل" تناول فيه كيف ان طالبان "كانوا يكرهون الصحفيين". وأضاف "نادرا ما كنت أوقع الصور باسمى واكتفى بكلمة "مراسل" لعدم لفت الأنظار إلى.
واستذكر مراى فى مقاله اعتداءات 11 سبتمبر التى تابعها على تلفزيون بى بى سي. وبعد بضعة أسابيع كان أحد أوائل المراسلين الذين غطوا قصف كابول قبل الاجتياح الأمريكى، ملتقطا بضعة صور حذرة لقصف المدينة التى كان يسيطر عليها طالبان.
وبعد الاجتياح أستذكر مراى دخول كابول "عصرها الذهبى" مع طرد طالبان وعودة السلام لأول مرة منذ عقود ،وكتب مراى "كانت فترة مفعمة بالأمال. كان يمكنك الذهاب إلى أى مكان، جنوبا أو شرقا أو غربا. كل المناطق كانت آمنة"، بحلول العام 2005 كان طالبان قد أعادوا تشكيل صفوفهم وازدادت أعمال العنف مجددا.
وانسحبت قوات حلف الأطلسى فى 2014 وباتت طالبان تسيطر على مساحات كبيرة فى أفغانستان أو تتمتع فيها بتأثير قوي، كما أن تنظيم داعش الذى تبنى الاعتداء أصبح موجودا بقوة، وفى مقاله فى 2016 بعد مرور 15 عاما على الاجتياح الأمريكى كتب مراى عن الخوف الذى ينتابه شخصيا وخوفه على أسرته.
"أخشى أن أصطحب اطفالى فى نزهة ككل صباح وأنا فى طريقى الى العمل ومنه أفكر فى السيارات التى يمكن أن تكون مفخخة وبالانتحاريين بين الحشود. لا يمكننى المجازفة لذلك لا نخرج من المنزل، "لم أشعر ابدا من قبل كم أن الآفاق محدودة كما أننى لا أرى مخرجا".