تخوض القوات العراقية حربًا شرسة ضد تنظيم "داعش"، الذى انحصرت قوته بشكل ملحوظ فى كافة مدن العراق، وذلك تحت وطأة الهزائم المتتالية التى تكبدها الإرهابيين فى المواجهات المسلحة على مدار الأشهر الماضية، ورغم الانتصارات الساحقة التى حققها الجيش والشرطة العراقية، إلا أن كثير من المعارك كانت بالغة الصعوبة على تلك القوات لضراوة المسحلين فى المواجهة، الأمر الذى يعود إلى أسباب متعددة سنتطرق لها من خلال هذا التقرير.
وعلى مدى 3 سنوات من الحرب التى خاضتها القوات العراقية ضد تنظيم "داعش"، توجت تلك القوات الباسلة بانتصار عظيم ليس على العناصر المتطرفة فقط، بل وعلى نفسها أيضًا، وذلك فى حرب يمكن أن تسمى بـ"حرب أدمغة" ضد مقاتلين كانوا قبل الغزو الأمريكى للعراق منذ 15 عامًا، رفاق سلاح لهم، ونعنى هنا المقاتلين الذين انضموا إلى تنظيم "داعش"، وكانوا قبل عام 2003 يخدمون فى الجيش العراقى برتب عسكرية مختلفة، خلال عهد الرئيس العراقى الأسبق صدام حسين.
ضباط سابقين فى الجيش العراقى ينضموا لـ"داعش" بعد الغزو الأمريكى
وفى هذا الصدد، يقول اللواء الركن السابق عبد الكريم خلف - الذى خدم فى القوات العراقية قبل سقوط نظام صدام حسين وبعده - "هم يعرفوننا"، ويضيف الخبير فى الشئون العسكرية لوكالة الأنباء الفرنسية "فرانس برس"، إن الضباط الذين التحقوا بالتنظيمات المتطرفة كانوا برتب صغيرة، لكن كانت لديهم الخبرة".
ويوضح أن "الإرهابيين وخلال قتالهم ضد القوات الأمنية فيما بعد، كانوا يمتلكون أساليب أتقنوها فى الجيش، كعمليات حفر الأنفاق وبناء الدفاعات وإعاقة تقدم الآليات والقوات فى الميدانى التى عادة ما يكون ضباط برتب متدنية مسئولون عنها"، وبالتالى فإن هذه العناصر تعد من أكثر الأسباب التى ساعدت فى زيادة قوة "داعش" خلال المواجهات مع القوات العراقية، كما زادت من مشقة وصعوبة القتال بين الطرفين الذى انتهى بتحرير المدن العراقية الواحدة تلو الأخرى من يد الإرهابيين.
وأشار الخبير العسكرى العراقى، إلى أن أفراد الجيش السابقين الذين انضموا مؤخرًا إلى صفوف تنظيم "داعش" كانوا عنصرًا هامًا وأساسيًا ضمن الأسباب التى أدت إلى إعاقة الحسم السريع فى كل المعارك التى خاضتها القوات العراقية فى معاقل تنظيم "داعش" فى العراق.
"داعش" يستعين بعناصر القوات الخاصة العراقية السابقين كقادة ميدانيين
ومن جانبه، أكد الخبير فى الجماعات المسلحة هشام الهاشمى، أن فهم القوات العراقية لعقلية العدو كان عاملًا حاسمًا فى المعركة، مشيرًا إلى أن معظم هيئة الأركان العسكرية هم من ضباط القوات الخاصة السابقة - وهؤلاء هم الذين حسموا المعركة - فهموا أن خصومهم "داعش" فى الميدان كانوا يجعلون من عناصر القوات الخاصة السابقة الذين التحقوا بالتنظيم قادة ميدانيون".
بدوره، قال اللواء الركن السابق عبد الكريم خلف، إنه مع دخول الولايات المتحدة إلى العراق وإسقاط نظام صدام حسين، أقدم الحاكم المدنى الأمريكى حينها "بول بريمر"، على حل القوات الأمنية العراقية التى اعتبرها - آنذاك - أداة بيد النظام، معتبرًا أن الولايات المتحدة هى من ساهم فى إضعاف وتفكيك الجيش العراقى، مشيرًا إلى أن نقطة التفوق للعراقيين فى المعارك الأخيرة هى أن العدو لم يكن متكاملًا.
القرار الأمريكى بحل القوات العراقية دفع فلول "البعث" للانضمام إلى الإرهابيين
ويشير تقرير الوكالة الفرنسية، إلى أن القرار الأمريكى كان أحد الأسباب الرئيسية فى خسارة ضباط لمناصبهم العسكرية، ومع أن أبناء المؤسسة العسكرية فى ذلك الوقت كانوا بعثيين اشتراكيين، إلا أنهم وجدوا فى الدين والتنظيمات الإرهابية غطاءً للثأر من الأمريكيين، بدءًا من تنظيم القاعدة وصولا إلى تنظيم "داعش"، وفى السياق ذاته، يؤكد الباحث فى معهد الشرق الأوسط بجامعة سنغافورة، فنر حداد، أن الخبرة العسكرية فى عهد صدام حسين، كانت حاسمة فى الموضوع الأمنى بعد 2003 وأساسية فى نشوء التمرد، لافتًا إلى أن العديد من قيادات الصف الأول والمسئولين فى تنظيم "داعش"، هم من الاستخبارات أو العسكريين فى أيام صدام".
ورغم حديث اللواء الركن خلف، عن انضمام الرتب غير العالية فقط من الضباط العراقيين السابقين إلى صفوف "داعش"، إلا أن أحد هؤلاء كان العقيد السابق فى مخابرات سلاح الجو العراقى فى عهد النظام السابق، سمير عبد محمد الخليفاوى، المعروف باسم "حجى بكر"، وهو عضو سابق فى المجلس العسكرى لتنظيم "داعش"، وقتل بيد الجيش السورى الحر فى تل رفعت بشمال سوريا خلال العام 2014، بحسب ما ذكرت مجلة "دير شبيجل" الألمانية -آنذاك.
و"الخليفاوى"، وفق مجلة "دير شبيجل" الألمانية، وخبراء فى الشئون الإرهابية، التقى "أبو مصعب الزرقاوى"، وهو قائد سابق فى تنظيم القاعدة، وقتل فى 2006، ثم تقاطعت طريقه مع طريق الإرهابيين، وفى العام 2010 خطط "الإستراتيجى المهم" - كما وصفته "دير شبيجل" - مع مجموعة من الضباط العراقيين السابقين لتعيين أبو بكر البغدادى على رأس تنظيم "داعش"، من أجل إعطاء بعد دينى للتنظيم، كذلك تؤكد مصادر عدة أن الخليفاوى كان واضعًا لخطط تمدد التنظيم الذى سيطر فى العام 2014 على مناطق واسعة من سوريا والعراق.
رجال "صدام حسين" واجهوا رفاق السلاح لتحرير العراق من قبضتهم
ويشير الخبير فى شئون الجماعات المسلحة هشام الهاشمى، إلى أن الخليفاوى لم يكن الاستثناء، بل التحق بالإرهابيين أيضًا عشرات من الضباط العراقيين السابقين، أبرزهم أبو مسلم التركمانى، واسمه فاضل أحمد الحيالى، الذى كان نائب البغدادى، وقتل فى غارة جوية قرب الموصل بشمال العراق فى أغسطس عام 2015، وقالت الرئاسة الأمريكية – حينها - أن "الحيالى" ويلقب أيضا بـ"أبى معتز"، كان أحد المنسقين الرئيسيين لعمليات نقل الأسلحة والمتفجرات والآليات والأفراد بين العراق وسوريا.
وخلال الحرب الشرسة ضد تنظيم "داعش"، وقف الضباط القدماء والجدد وجهًا لوجه ضد رفاق السلاح سابقًا، فكانت "حرب أدمغة" بين القيادات العسكرية، وفق "الهاشمى"، الذى يضيف أن قليلين من هؤلاء كانت لديهم خبرة مواجهة الإرهابيين، مشيرًا إلى أنه من قائد قيادة العمليات المشتركة الفريق الركن عبد الأمير يارالله، إلى رئيس جهاز مكافحة الإرهاب طالب شغاتى، وقائد قوات مكافحة الإرهاب الفريق عبد الغنى الأسدى، كان هؤلاء فرسان الحرب الأخيرة، وهم "خريجو المدرسة العسكرية الصدامية".
الانتصارات العراقية على "داعش" تؤكد خطأ القرار الأمريكى بحل قوات "مهيب الركن"
وبالإشارة إلى القيادات العسكرية السابقة، فإنهم كانوا على رأس مجموعة من الجنرالات البعثيين الكبار الذين أبعدوا من الخدمة عقب الغزو الأمريكى للعراق فى العام 2003، واللذين أعيدوا مرة أخرى للخدمة خلال عهد حكومة نورى المالكى، الذى يشغل حاليًا منصب نائب الرئيس العراقى، وجاء قرار إعادة هؤلاء الجنرالات إلى الخدمة للاستفادة من خبراتهم العسكرية فى مواجهة التنظيمات الإرهابية من جهة، ومن جهة أخرى لمعرفتهم الدقيقة بطريقة تفكير وكيفية تحرك العناصر السابقة فى الجيش العراقى التى انضمت إلى صفوف الجماعات الإرهابية، الأمر الذى ظهرت نتائجه سريعًا فى نتائج المعارك المتتالية التى حسمت لصالح القوات العراقية، وهو ما يؤكد فى المقابل خطأ القرار الأمريكى بحل حزب البعث، والقوات العراقية، فور سقوط نظام صدام حسين، وهو القرار الذى لم يؤدى إلى ضعف الجيش العراقى فقط، بل وزيادة حركات التمرد والنشاط الإرهابى فى العراق.
فيما يؤكد اللواء الركن خلف، أن "القوات العراقية تفهم طبيعة المعارك وجغرافية الأرض، وتفهم كيف يقاتل الخصم، وذلك عائد إلى عقلية الجيش الأساسية"، وفى هذا الإطار، يوضح الباحث فى معهد الشرق الأوسط بجامعة سنغافورة، لـ"فرانس برس"، أن القوات العراقية استفادت أيضًا من الخبرة فى بلد شهد موجات عنف دامية أنتجها الفراغ الأمنى بعد غزو عام 2003، بينما يقول فنر حداد، إن 15 عامًا مرت على سقوط نظام صدام حسين، وهذه السنوات، للأسف، كانت تدريبًا مكثفًا متواصلًا للعراقيين على التمرد ومكافحته، بينما يختصر "الهاشمى"، الصورة كاملة، بقوله، إن "من انتصر على "داعش" هم عسكر صدام، ومن احتل العراق خلال 3 سنوات فى "داعش" هم عسكر صدام".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة