تتجه الأنظار هذه الأيام صوب محافظة كفر الشيخ، وخاصة مدن فوة، وسيدى سالم، ومطوبس، وكفر الشيخ وبلطيم، وبيلا، لشراء الفسيخ، ويتواجد الراغبون فى أكل الفسيخ من كافة محافظات مصر يقطعون مئات الكيلو مترات لشراء الفسيخ من أشهر المحال، ومنهم من ينتظر وصول الفسيخ عبر السيارات التى تنطلق من مدن فوة وسيدى سالم، ودسوق للقاهرة والإسكندرية ومحافظات الدلتا لتوصيل الفسيخ للحاجزين من كافة المستويات الاجتماعية، إضافة لحرص الوفود السياحية بالتواجد فى محال الفسيخ لمتابعة طريقة صناعته، وكذلك صناعة البراميل الخشبية التى يُخزن فيها .
ودائماً ما تتردد عبارة مشهورة "اللى ما ياكلش فسيخ من كفر الشيخ يبقى ماكلش"، وتنتشر محال الفسيخ بمدن كفر الشيخ وتشتهر بصناعته لأسباب عدة منها، توارث الأحفاد تلك الصناعة عن الأجداد وتواجد الآلاف من المزارع السمكية المنتشرة فى بلطيم والرياض وسيدى سالم، وغيرها من المدن والقرى، ووقوعها على البحر المتوسط وبحيرة البرلس، ما يجعل صناعة الفسيخ جزءًا أساسيًا فى اقتصاديات المحافظة، ويتزايد الإقبال فى كفر الشيخ كغيرها من محافظات مصر، على شراء الفسيخ المملح والرنجة والسردين مع اقتراب الاحتفال بعيد شم النسيم، والتى تعتبر من أساسيات الاحتفال، ويبدو أن أزمة ارتفاع أسعار الأسماك التى شهدتها مصر فى الفترة الأخيرة أثرت سلبا على أسعار الفسيخ هذا العام، حيث ارتفعت أسعار الفسيخ ما بين 90 إلى 140 جنيها، والرنجة وصل سعرها إلى نحو 40 جنيها.
قال أيمن أبو النجاة، رئيس مجلس إدارة مؤسسة فوة للتراث السياحى، يحرص السياح الأمريكان وغيرهم من جميع الجنسيات بالاهتمام بزيارة محلات الفسيخ، واكتشاف طرق تصنيعها، ومشاركة المصريين احتفالهم بأعياد شم النسيم، ومنهم من يحرص على أكله مبدياً إعجابه بطرق إعداده والنظافة التى تتميز بها هذه المحال .
وأضاف أبو النجاة، لـ"اليوم السابع"، أن هذه المهنة تعود للعهد الفرعونى، وخصوصا فى أعياد شم النسيم يحتفل جميع المصريين بقدوم فصل الربيع، وتشارك الوفود السياحية أهالى القرى فى الاحتفالات، والتوجه للأراضى الزراعية لتناول والجبة المفضلة بهذا اليوم والتى تحتوى على الفسيخ المملح، والبصل الأخضر أو الجاف، والليمون البنزهيرى، والخضروات المتعددة، والبيض الملون الذى يشارك فى تلوينه الأطفال والمشروبات الباردة، ومخطئ من يعتقد أن السياح لا يأكلون الفسيخ فمنهم من يتابع طريقة صناعته، ومنهم من يحرص على تناوله.
قال محمد خميس صاحب أشهر محلات الفسخانية فى مدينة فوة التى تعتبر الأولى على مستوى المحافظة فى صناعة الفسيخ، هناك إقبال هذا العام على الفسيخ رغم ارتفاع أسعاره والمرتبطة بالمنتج من أسماك البوري، مؤكداً أنهم الجيل الرابع فى صناعته، وأن كبار السياسيين وأعضاء مجلس النواب، والوزراء ورجال الأعمال أكثر الذين يطلبونه، لتقديمه كهدايا، مؤكداً أن جده أسس المحل عام 1876 ميلادية، وكل المشاهير والملوك قدموا لمحلهم للشراء منه، لذا فهم حريصون على الاهتمام بالأسماك وجودتها لنحافظ على تلك المهنة، وأن العائلة نالت شهرة كبيرة عبر أكثر من 152 سنة كاملة، مؤكداً أن منزل جده ووالده شاهد على زيارة الشيخ الشعراوى وغيرهم من المشاهير .
وأضاف أحمد خميس لـ"اليوم السابع"، أنه ورث المهنة أبا عن جد، ورغم حصوله على بكالوريوس التجارة إلا أنه فضل العمل فى مهنة أجداده، لافتا إلى أن مشاهير الفن والدين والسياسة كان يأتون إلى كفر الشيخ لشراء الفسيخ.
وأوضح أن أسعار الفسيخ هذا العام مرتفعة فالكيلو وصل 140 جنيها وبه سمكتان أو ثلاثة، والأهم ليس الكم ولكن جودة السمكة، مؤكداً أنه يبدأ بيع الفسيخ من الساعة 12 ظهراً حتى الساعة 5 صباحاً، ويستقبل المئات من الأهالى من مدن محافظة كفر الشيخ والمحافظات المجاورة، أما المحافظات البعيدة، فإنه يرسل الفسيخ عبر سيارات لحاجزى الكميات سواء فى القاهرة أو الإسكندرية أو كافة المحافظات الأخرى، بالإضافة لإرساله للملكة العربية السعودية والعديد من الدول الأخرى.
وأشار إلى أنه يصدر الفسيخ للدول العربية، بعد تغليفه تغليفاً جيداً، وتكون نسبة ملوحته قليلة حتى يتحمل أوقات السفر والتصدير، مؤكداً أن المصريين فى الخارج أيضًا يتناولونه فى شم النسيم ويقومون بإعداده ولائم منه لأصدقائهم من العرب.
وقالت زينب اللمعى، حاصلة على دبلوم تجارة، إنها ورثت المهنة من والدها وأجدادها، وتحملت مسئولية المحل، لحرصها على الحفاظ على تلك المهنة، مؤكدة أنها تحرص على جودة إنتاج الفسيخ، لذا تختار السمكة التى تتغذى على العليقة وليست الأسماك التى تتغذى على السبلة، ولابد من غسلها جيدًا وتمليحها من خياشيمه، بنوع معين من الملح يسمى "السكري"، وتعقبه مرحلة تبخير الأسماك ثم وضعها أمام التكييف لضمان قتل الميكروبات، مؤكدة أنها ترفض استخدام الطريقة القديمة بوضع الأسماك فى الشمس لضمان عدم إصابتها بالميكروبات، وأن البعض يتلاعب فى إنتاج الفسيخ.
وقال محمود سعد السكرى فسخانى وصاحب محل السكرى بالقنطرة البيضاء، إنه يعمل ومع أشقائه فى هذه المهنة منذ أن كانوا أطفالاً، ورثوها عن أجدادهم، والعائلة بكاملها تعمل فى صناعة الفسيخ، مؤكداً أن الصنعة لها فن وأسرار فلابد من اختيار كل شيء فى مرحلة تصنيع الفسيخ بعناية فائقة، موضحا أنه ينتقى البورى والطوبار من مزارع كفر الشيخ بكميات كبيرة وتُغسل جيداً، وتُوضع فى براميل خشبية أو بلاستيكية ويُفضل أن تكون خشبية، ويوضع عليه الملح والزيت ويُترك من 10 إلى 20 يومًا، مشيرًا إلى أنه كان قديمًا يقوم أجدادانا بنشره فى مكان مكشوف حتى يتم تدبيله، وامتنع الفسخانية عن صناعته بتلك الطريقة لأثارها الضارة ،مضيفا أن المشاهير يحرصون على تناول الفسيخ، وخاصة لاعبى كرة القدم والفنانين.
وأوضحت غادة محمد على، ربة منزل، أنه لا يقتصر تناول الفسيخ فى أيام شم النسيم فقط بل فى كل الأعياد والمناسبات، مشيرة إلى أنها اعتادت وأسرتها على شراء الفسيخ والرنجة فى شم النسيم وتناوله فى المنزل قبل الذهاب للحدائق والمتنزهات، بل أنها تهدى أقاربها كميات من الفسيخ المقيمين بالقاهرة والإسكندرية لجودة فسيخ فوة .
ولفتت أمينة محمد على، موظفة بالصحة، أن أسرتها تنتظر كل عام عيد شم النسيم لتخرج للمتنزهات، وتشارك الأسر الأخرى التنزه وأكل الفسيخ والرنجة.
وقال هانى السيسي، فسخانى من دسوق، إن مدينة دسوق من أشهر المدن صناعة للفسيخ ويوجد بها العشرات من المحال، لافتا إلى أن الإقبال هذا العام كبير على شراء الفسيخ .
أكدت غادة محمد عبد الله ربة منزل، أنها تفضل صناعة الفسيخ، وأنها تشترى السمك البورى وتغسله جيداً وتبدأ فى تمليحه، موضحة أن صناعته بالمنازل تجنب التعرض لحالات تسمم، مشيرة إلى أنها تعرف ربات بيوت تصنع الفسيخ فى بيوتهن وتبيعه لجيرانهن أو فى الأسواق، كمصدر رزق لهن لتنفق على أبنائهن، مشيرة إلى أنهن يقمن بشراء كميات من البورى ووضعه فى أوانى نظيفة لمدة يوم حتى يسرد دماءه، وتضعن السمك فى برميل بلاستيكى لمدة من 10 لـ 20 يوماً، وعليه الملح والزيت وبعدها يبعنه للجيران وبالأسواق .
قال اللواء السيد نصر، محافظ كفر الشيح إنه يتابع الحملات المكثفة على محال بيع الأسماك المملحة، مؤكدا أن الأجهزة المعنية تراقب الأسواق بالتعاون مع لجان مديرية الصحة والطب البيطرى، وأنه أعطى تعليمات مشددة لتنفيذ حملات مكثفة لضبط الفسيخ الفاسد قبل بيعه للمواطنين فى أعياد شم النسيم، مؤكداً أنه وجه الدكتورة لميس المعداوى، وكيل وزارة الصحة، بإعلان حالة الطوارئ بالمستشفيات، تحسبًا لأى أحداث طارئة فى احتفالات شم النسيم، مشددًا على ضرورة توفير كافة الأدوية والأمصال الخاصة بالتسمم فى المستشفيات.
وقال الدكتور عبد الحكيم أبو إسماعيل، مدير عام الطب البيطرى بكفر الشيخ،، إن المحافظة تنتج سنوياً مليون طن فسيخ، وتنتج نصف مليون طن أيام أعياد الربيع، وهناك حملات مشتركة بين الصحة الطب البيطرى والتموين تجوب مدن المحافظة لضبط الفسيخ والرنجة غير الصالحين للاستهلاك الآدمى وإعدامها، مشيراً إلى أنه منذ بدء الحملة تمكنت مديرية الطب البيطرى بالتعاون مع مباحث التموين من ضبط 4 أطنان رنجة وفسيخ غير صالحة، ومازالت الحملات مستمرة لضبط المخالفين.
من جانبه قال الدكتور محمد عبدالله الطبيب بمركز أبحاث علاج الكبد بكفر الشيخ، إنه ينصح مرضى الكُلى والكبد بألا يتناولوا الفسيخ إطلاقا، وإن أرادوا فليتناولوا نص رنجة فقط، حيث تظهر على الشخص المتعرض للفسيخ الفاسد أعراض عصبية، ويجب نقله بسرعة لمركز السموم، لكى يأخذ حقنة ضد المرض.