سلطت واقعة انتحار محمد حمدى الفخرانى، داخل منزل عائلته بمدينة المحلة الكبرى، وما تلى ذلك من إثارة شقيقتيه قصة انتحاره نتيجة ممارسته لعبة "الحوات الأزرق"، الضوء على ما يمكن أن تفعله التكنولوجيا فى النفس البشرية، وكيف يمكن للتطور الهائل الذى شهده العالم، وخاصة فيما هو متعلق بتكنولوجيا الاتصالات_ أن يكون قاتلًا، وبدلًا من أن يحقق المتعة والاستفادة والاتصال الاجتماعى، خلق حالة من الضيق والانفصال التى أثرت بشكل واضح على العقول والحالة النفسية.
"الحوت الأزرق" لعبة القتل السريع فى تركة مليئة بألعاب الموت البطيء
"الحوت الأزرق" ليست إلا لعبة من مئات الألعاب الإلكترونية التى شكلت خطرا على ممارسيها، ولكن شهرتها الحقيقة والضجة التى أثيرت حولها مؤخرًا خلقت نتيجة إيذائها المباشر بالضحية، ودفعه نحو الانتحار بخطى ثابتة، فهناك العديد من الألعاب الأخرى التى ربما لا تدفع ممارسيها إلى الانتحار والإيذاء المباشر، ولكنها تدفعه إلى الموت بخطى بطيئة من خلال التأثيرات السلوكية العنيفة التى تطبعها فى نفوس ممارسيها من الأطفال، وتتضح علاماتها بداية من الانعزال والانطوائية وحتى العنف والعصبية الزائدة.
"المرآة السوداء" مسلسل تبنأ بتبعات التقنيات الحديثة فى إطار دراما خيالية
العالم بدأ التنبه لما يمكن أن يخلقه التطور الهائل فى تكنولوجيا الاتصالات، وكيف يمكن استغلالها استغلال سيئ يؤدى فى نهاية المطاف إلى كوارث على المدى البعيد. فمسلسل "المرآة السوداء" أحدى الأعمال الدرامية البريطانية التى تتسم بطابع الخيال العلمى سلطت الضوء على تلك القضية، خلال عدة حلقات منفصلة وزعت على مواسم المسلسل الأربعة، وناقشت خلالها ما يمكن أن تخلقه التكنولوجيا من مشاكل، نتيجة التطور الهائل الذى يتجه له العالم، دون دراسة أمينة لمردوده.
ابتزاز شاب بفيديوهات فاضحة لإجباره على القتل والسطو مسلح
وأحدى حلقات المسلسل بدأت بمحاولة ابتزاز شاب فى الـ18 من عمره، بعدما تمكن أحدى الهاكر من اختراق حاسوبه الشخصى، عن طريق أحدى البرامج المعدة لذلك، واستطاع عن طريقها تصويره فى أوضاع مخلة، وهدده فى حالة عدم تنفيذ تعليماته بنشر تلك الفيديوهات، لتبدأ سلسلة من الأوامر الموجهة للشاب، التى تدفعه لارتكاب جرائم سرقة وقتل، ليكشف خلال رحلته عن ابتزاز العصابة للعديد من الأشخاص بنفس الطريقة، وضغطها عليهم نفسيًا لتنفيذ طلباتها، لينتهى به الحال فى قبضة الأجهزة الأمنية، متهمًا بالقتل والسرقة والسطو المسلح.
"هاكر" يستغل نحلا صناعيا فى تنفيذ عمليات اغتيال واسعة لتوجيه رسالة أخلاقية
الآلاف من خلايا النحل الصناعية ابتكرت لتواجه الخطر الذى يهدد البيئة جراء انقراض النحل، ليتمكن أحدى الأشخاص من اختراق منظومة عمل تلك الخلايا الصناعية، ويسيطر عليها ويستخدمها فى ارتكاب جرائم قتل، ويبدأ فريق التحقيقات البريطانى البحث فيما وراء تلك الجرائم، لكشف غموضها والربط بين الضحايا لمعرفة أسباب استهدافهم، ليتبين أن ما يربط بين هؤلاء الضحايا هو تعرضهم للهجوم المجتمعى، أما بسبب تصريحاتهم وأرائهم أو تصرفاتهم الشاذة، تلك كانت تفاصيل أحدى حلقات مسلسل "المرآة السوداء".
تستكمل الحلقة أحداثها بـ"هاشتاج" يتداوله المغردون على مواقع "التواصل الاجتماعى"؛ لتحديد الأشخاص المراد التخلص منهم نتيجة شذوذهم الفكرى والسلوكى، وبعد أيام قليلة يظهر الضحية الجديدة، ليبدأ مخترق نظام الخلايا الصناعية بتوجيه "نحلة"؛ لتنفيذ عملية اغتياله، وتتولى الأحداث لينكشف فى نهاية المطاف، أن الأشخاص المستهدفون ما هم إلا طعم من أجل تحديد هوية المغردون المشاركين فى الهاشتاج لاغتيالهم جميعًا، انتقامًا منهم لدفعهم صديقة مخترق النظام (الهاكر)، على الانتحار نتيجة تعرضها_فى وقت سابق_ لهجوم شديد على مواقع التواصل الاجتماعى.
التكنولوجيا ورثت الدين لتكون "أفيون" الشعوب الجديد
"لكل جيل آفته وآفة جيلنا الاحتيال باسم التكنولجيا"، ورغم أن النصابين قديمًا سيطروا على عقول البسطاء، ووجهوهم نحو تحقيق أهدافهم الخاصة، مستغلين الدين فى إقناعهم بذلك وجذبهم نحو أهدافهم بعقول مخدرة، ومن بينهم الحسن الصباح زعيم طائفة الحشاشين الذى بنى حديقة كبيرة لأتباعه بين جبلين، وأدعى أنها الجنة، والمقنع الخرسانى الذى أدعى الألوهية وطلب الناس بالسجود إليه، أو "جيم جونز" الذى نظم انتحار جماعى لأتباعه ووصل عدد ضحاياه لنحو 900 شخص؛ إلا أن التكنولوجيا فى طريقة لوراثة الدين لتكون أفيون الشعوب الجديد.
الهدف الذى حدده الروسى "فيليب بوديكين" مؤسس لعبة "الحوت الأزرق"، من تأسيسها هو التخلص من الحثالة البشرية، مبررًا ذلك بأن ضحاياه كانوا مجرد نفايات بيولوجية، وأنهم كانوا سعداء بالموت، وأن ذلك كان تطهير للمجتمع، وهى حجة واهية كحجة الخلاص التى طرحها "جيم جونز" حينما أقنع ضحاياه بالانتحار الجماعى، وهو أيضًا نفس ما علله الحسن الصباح لفرقة الانتحاريين التى شكلها مدعيًا انها تقودهم إلى الجنة، وفى مسلسل "المرآة السوداء" كانت حجة "الهاكر" الذى استغل "النحل الاصطناعى" فى اغتيال ما يقرب من 387 ألف مواطن بريطانى، هى تعليم البشر بأن لكل شيئً تبعات، وعليهم أن يتحملوا تبعات أفعالهم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة